زينب عليها السلام كانت امتداد طبيعي لنهج الرسالة المحمدية، وعلى الرغم من حزنها الكبير فقد اعطت هذه السيدة العظيمة دروس مهمة من اجل اثبات الحقائق وعملت من خلال رحلتها على تثبيت منهاج الاسلام الحقيقي الذي جاء لتحرير الانسان من العبودية لغير الله عز وجل، وهذا ما أكده الإمام الحسين(ع) في ثورته العظيمة...
في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، انتهت معركة الطف بتفاصيلها العسكرية باستشهاد الامام الحسين(عليه السلام) من معه من انصاره واهل بيته، لتبدأ معركة اخرى تقودها تلك السيدة البطلة التي شاركت الحسين(ع) كل تفاصيل الجهاد، انها عقيلة اهل البيت (ع) جبل الصبر والمعرفة الحوراء زينب عليها السلام، أبوها: أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد، وأمها: البضعة الطاهرة، سيدة نساء العالمين، الصديقة الكبرى، فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله).
استطاعت هذه السيدة العظيمة ومن خلال معركة الطف والاحداث التي أعقبت تلك الثورة الخالدة ، فضح اجرام وكفر جيش الخليفة الاموي يزيد بن معاوية(لعنه الله) بقيادة عمر بن سعد(لعنه الله)، الذي بادر بعد انتهاء المعركة الى اسر من تبقى من اهل بيت النبوة وفیهم الإمام زين العابدين والسيدة زينب بنت علي عليهما السلام، وارسالهم إلى الكوفة من اجل الحصول على الجائزة، فأدخلوهم على عبيد الله بن زياد، ثم أرسلهم إلى يزيد في الشام، هذه الرحلة كانت مختلفة بكل تفاصيلها، حيث عمد بن سعد(لعنه الله) الى ان تحمل رؤوس الشهداء على الرماح وتكون امام قافلة أهل البيت(ع)، هذه القضية كانت شاهد اخر على اجرام وكفر هذه العصابة التي تخلت عن ابسط القيم الانسانية.
فمع هذه الرحلة الطويلة لا يستطيع احد ان يصف حجم المعاناة والالم الذي تعرضت له السيدة زينب وباقي اهل بيت النبوة عليهم السلام وهم برفقة تلك الرؤوس الطاهرة، التي وصلت الى ارض الشام وسط فرح وسرور اهلها، ولما أدخلوهم على يزيد أخذ بالشّماتة وإظهار الفرح والتشفي باهل البيت عليهم السلام، ولكن ومع وجود الإمام السجاد والسيدة زينب عليهما السلام اختلفت الامور واتضحت الحقائق، حيث أخذت السيدة الحوراء على عاتقها بيان رسالة الحسين (ع) ودلائل نهضته، من خلال خطبها مجلس عبيد الله بن زياد بالكوفة وقصر يزيد بن معاوية في الشام.
فـ(زينب عليها السلام) كانت امتداد طبيعي لنهج الرسالة المحمدية، وعلى الرغم من حزنها الكبير فقد اعطت هذه السيدة العظيمة دروس مهمة من اجل اثبات الحقائق وعملت من خلال رحلتها على تثبيت منهاج الاسلام الحقيقي الذي جاء لتحرير الانسان من العبودية لغير الله عز وجل، وهذا ما أكده الإمام الحسين(ع) في ثورته العظيمة. حيث نقلت بعض المصادر انها قامت في مجلس يزيد وقد سمعته يقرأ ابيات يقول فيها: ليتَ أشياخي ببـدرٍ شَهِـدوا جَزَعَ الخزرجِ مِن وَقْعِ الأسَلْ فأهَلَّـوا واستَهـلُّـوا فَرَحـاً ثمّ قالـوا: يا يزيـدُ لا تُشَلّْ لستُ مِن خِنْدَفَ إنْ لم أنتقـمْ مِن بني أحمدَ ما كان فَعَـلْ. فقالت زينب عليها السّلام في خطبتها تلك: الحمد للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى الله على رسوله وآله أجمعين. صدق الله كذلك يقول: ثُمّ كانَ عاقبةَ الذينَ أساؤوا السُّوأى أنْ كَذَّبوا بآياتِ اللهِ وكانُوا بها يَستهزِئُون. أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَواناً وبك عليه كرامة وأنّ ذلك لِعِظَم خَطَرِك عنده! فشَمَختَ بأنفِك، ونظرتَ في عِطفِك، جَذلانَ مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مُستَوسِقة، والأمورَ مُتَّسِقة، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا.
مهلاً مهلا أنَسِيتَ قول الله تعالى: ولا يَحسَبنَّ الذين كفروا أنّما نُملي لَهُم خيرٌ لأنفسِهِم، إنّما نُملي لَهُم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مُهين، أمِن العدلِ، يا ابنَ الطُّلَقاء، تخديرُك حَرائرَكَ وإماءَك وسَوقُك بناتِ رسول الله سبايا قد هُتِكت سُتورُهنّ، وأُبدِيت وجوهُهنّ ؟! تَحْدُو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهنّ أهلُ المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوهَهنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف ليس معهنّ مِن رجالهنّ وَليّ، ولا مِن حُماتِهنّ حَمِيّ، وكيف يُرتجى مراقبةُ مَن لفَظَ فُوهُ أكبادَ الأزكياء، ونَبَت لحمه بدماء الشهداء، وكيف يستبطئ في بُغضنا أهلَ البيت مَن نظرَ إلينا بالشَّنَف والشَّنآن، والإحَن والأضغان ؟! ثمّ تقول غيرَ متأثّم.. ولا مُستعظِم: وأهَلُّوا واستَهلُّـوا فرَحَـاً ثمّ قالوا: يا يزيدُ لا تُشَـلّْ.
مُنتَحياً على ثنايا أبي عبدالله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمِخْصَرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأتَ القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماءَ ذريّة محمّد صلّى الله عليه وآله، ونجومِ الأرض مِن آل عبدالمطلب، وتهتف بأشياخك زعمتَ أنّك تناديهم، فَلَتَرِدَنّ وَشيكاً مَورِدَهم، ولَتَوَدّنّ أنّك شُلِلتَ وبُكِمتَ ولم يكن قلتَ ما قلتَ وفَعَلتَ ما فعلت. اَللّهمّ خُذْ بحقِّنا، وانتَقِمْ ممّن ظَلَمَنا، وأحلِلْ غضبَك بمن سفك دماءنا وقتَلَ حُماتَنا. ( ثمّ توجّهت بالتوبيخ إلى يزيد قائلةً له ): فوَ اللهِ ما فَرَيتَ إلاّ جِلْدَك، ولا جَزَزْتَ إلاّ لحمك، ولَتَرِدنّ على رسول الله بما تحمّلت مِن سَفكِ دماءِ ذريّتهِ، وانتهكتَ مِن حُرمته في عِترته ولُحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويَلُمّ شعَثَهم، ويأخذ بحقّهم..
ولا تَحسَبنَّ الذينَ قُتِلوا في سبيلِ اللهِ أمواتاً بل أحياءٌ عندَ ربِّهم يُرزَقون . حَسْبُك بالله حاكماً، وبمحمّدٍ خَصيماً، وبجبرئيل ظَهيراً، وسيعلم مَن سوّى لك ومكّنك من رقاب المسلمين ( أي أبوك معاوية) بئس للظالمين بدلاً، وأيُّكم شرٌّ مكاناً وأضعَفُ جُنْداً، ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك، لكنّ العيون عَبْرى، والصدور حَرّى ( وهنا جاء التنبيه إلى عظم المصيبة والفاجعة التي أوقعها يزيد في آل بيت المصطفى ). ألا فالعَجَب كلّ العجب.. لقتلِ حزبِ الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، ( ومنهم يزيد الطليق بعد فتح مكّة، ولم يسمح الشرع الشريف للطلقاء أن يتقلّدوا الحُكْم )، فهذه الأيدي تَنطِف من دمائنا، والأفواه تَتَحلّب مِن لحومنا، وتلك الجُثث الطَّواهر الزواكي تنتابها العَواسِل ( أي الذئاب )، وتهفوها أُمّهاتُ الفَراعل.
ولئن اتّخَذْتَنا مَغْنَماً، لَتجِدَنّا وشيكاً مَغْرٓماً، حين لا تجدُ إلاّ ما قدَّمْتَ وما ربُّكَ بظَلاّمٍ للعبيد ، فإلى الله المشتكى وعليه المعوَّل. فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها ( أي لا تغسله )، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين، فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يُكملَ لهم الثواب، ويُوجِبَ لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيمٌ ودود، وحسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل.
هذه الخطبة العظيمة اسقطت جبروت الطغاة، وكانت شاهد مهم على عظم دور ومشاركة المرأة المسلمة في صنع ونصر الثورة، من خلال تقديم الدعم المعنوي في ساحة المعركة اضافة الى الدور الفكري والعمل على نشر مظلومية الحسين(ع) وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي روج لها بني امية واتباعهم عن الإسلام، ودورها المهم ايضاً في متابعة العائلة وتخفيف الحزن عن الايتام ورعايتهم.
فـ( السلام عليك يا ممتحنة في تحملات المصائب كالحسين المظلوم, السلام عليك ايتها البعيدة عن الاوطان, السلام عليك أيتها الاسيرة في البلدان, السلام عليك أيتها المتحيرة في خرابة الشام, السلام عليك أيتها المتحيرة في وقوفك على جسد سيد الشهداء, السلام على من تكفلت واجتمعت في عصر عاشوراء ببنات رسول الله واطفال الحسين وقامت لها القيامة في شهادة الطفلين الغريبين المظلومين, السلام على من لم تنم عينها لأجل حراسة آل رسول الله في طف نينوى وصارت أسيراً ذليلا بيد الاعداء, السلام على من ركبت على بعير وطاء ونادت أخاها أباالفضل بهذا النداء: أخي أباالفضل أنت الذي أركبتني اذا أردت الخروج من المدينة, السلام على من خطبت في ميدان الكوفة بخطبة نافعة حتى سكنت الأصوات من كل ناحية, السلام على من احتجت في مجلس ابن زياد اللعين باحتجاجات واضحة، وصلى الله على محمد وآله واهل بيته الطاهرين الائمة المعصومين.
اضف تعليق