q
ملفات - عاشوراء

إصلاح الامة

ان الامام الحسين كان يتعامل مع موضوع البيعة من زاوية اوسع من مصطلح \"الاصلاح السياسي\"، وانما كان ينظر للمسألة من زاوية مصطلح \"اصلاح الامة\". فهو كان يريد اصلاح الامة، لان الخلل الجزئي الذي ظهر باستخلاف يزيد انما هو تعبير عن خلل اعمق في الامة...

لعل من اهم النصوص التي حملها لنا التاريخ في قصة ثورة الامام الحسين هي قوله انما خرجت "لطلب الاصلاح في امة جدي".

التاريخ ايضا يخبرنا بان السبب المباشر لثورة الحسين كان رفضه البيعة ليزيد. فهل كان رفض البيعة، وهي عمل سياسي بحت، معادلا لاصلاح الامة؟ هل ان الاصلاح السياسي هو اصلاح الامة؟ ما هي العلاقة بين الامرين؟

ما نفهمه من هذا الربط هو ان الامام الحسين كان يتعامل مع موضوع البيعة من زاوية اوسع من مصطلح "الاصلاح السياسي"، وانما كان ينظر للمسألة من زاوية مصطلح "اصلاح الامة". فهو كان يريد اصلاح الامة، لان الخلل الجزئي الذي ظهر باستخلاف يزيد انما هو تعبير عن خلل اعمق في الامة، اذْ لولا هذا الخلل العميق لما كان بالامكان ان ينحدر الحال بخلافة رسول الله ان تصل الى يزيد "ويزيد رجلٌ فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ليس له هذه المنزلة، ومثلي لا يبايع مثله"، كما قال الامام الحسين. الخلافة، اي الحكم، مؤسسة سياسية ظهرت بعد وفاة الرسول، وقد قبلها الصحابة قبل الحسين، بما فيهم ابوه علي بن ابي طالب؛ لكنهم قبلوها بشروط، فاذا ما انحرف من يتولاها عن تلك الشروط، رفضوه وثاروا عليه وسعوا الى خلعه، كما فعلوا مع الخليفة الثالث عثمان بن عفان. فاذا ما وصلت الى يزيد والامة راضية ساكتة موافقة، فهذا يعني ان الخلل في الامة قد اصبح عظيما، وان وعيها السياسي وثقافتها الاسلامية قد انحدرا الى الدرك الاسفل. وهنا يأتي دور مثقفي الامة، والامام الحسين على راسهم، في اصلاح الامة، واحياء ثقافتها السياسية الاسلامية الاصيلة. وهذا هو بالضبط ما اعلن الامام الحسين انه بصدد القيام به، وهذا هو بالضبط ما قام به، واستشهد من اجله.

ان الخلل السياسي، والخلل الاقتصادي، والخلل الاداري، ومختلف اشكال الخلل الاخرى التي تحصل في الدولة والمجتمع، انما هي افرازات فوقية خارجية ظاهرية لخلل اساسي هو الخلل في البناء التحتي للامة، في وعيها وثقافتها وايمانها. ولا يجدي العمل على اصلاح نواحي الخلل الخارجية دون اصلاح الخلل الداخلي التحتي، دون اصلاح الامة نفسها، ولهذا لم يقل الحسين انه بصدد اقصاء يزيد عن الخلافة، مع ان خروجه يتضمن هذا المعنى، انما قال انه بصدد اصلاح الامة، لان اصلاح الامة سوف يجعل منع يزيد من تولي منصب الخلافة تحصيل حاصل، وثمرةً طبيعيةً لهذا الاصلاح. كما ان اصلاح الامة سوف يجعل اصلاح نواحي الخال الاخرى، كالخلل الاقتصادي والخلل الاداري والفساد الخ تحصيل حاصل ايضا. ولابد ان الامام الحسين قرأ بعمق قوله تعالى:"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"، فتوصل الى هذا الاستنتاج.

الف سنة مرت لم تغير هذا القانون التاريخي. وهو قانون يقر به كل علماء التاريخ والاجتماع، حتى وان اختلفوا في تشخيص القاعدة التحتية لبناء الامة، مثل كارل ماركس الذي كان يتصور ان الاقتصاد هو الاساس التحتي لذلك. ونحن نقول اليوم ان القاعدة البنائية التحتية هي #المركب_الحضاري للمجتمع والامة، وان اي اصلاح يجب ان ينصرف اولا الى اصلاح الخلل في المركب الحضاري، لان هذا الاصلاح هو الذي سيقود الى الاصلاح السياسي، والاصلاح الاقتصادي، والاصلاح الاداري، والقضاء على الفساد، وتحسين الخدمات، وتيسير الاجراءات، و بالتالي تحسين نوعية الحياة ومستواها.

وامتدادا نقول ان الاقتصار على تغيير الاشخاص لن يحقق النتائج المرجوة اذا لم يكن ذلك جزءً من مشروع اوسع لاصلاح الامة، كما عبر الامام الحسين.

اضف تعليق