لا يمكن ان نقول نحن حسينيون مادمنا نقبل بالظلم والفساد والاستبداد، فهذا الامتداد العاشورائي هو امتداد للحرية الحسينية، وقد رفع أهل بيت رسول الله راية الحسين كدليلٍ للكفاح من اجل الحرية الحسينية وطلب الإصلاح في امة رسول الله (ص) ومكافحة الفاسدين. والطغاة على مر التاريخ...
تقديم: اسعد السلامي/تحرير: اخلاص داود
بمناسبة زيارة الأربعين اجرت قناة المرجعية الفضائية في بثها المباشر لقاءها الثالث مع الشيخ مرتضى معاش المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام تحت عنوان، (البعد السياسي في زيارة الاربعين)، وفيما يلي مقتطفات من هذا اللقاء:
قال رسول الله (ص): (حسينٌ مني وانا من حسين) هذا الحديث المبارك الشريف لا يعطي فقط دلالة ان الامام الحسين (عليه السلام) من نسب رسول الله وسبطه وابن ابنته فاطمة (عليه السلام)، وانما يعطي دلالة كبيرة وجوهرية في مسألة المنهج، وقد كان هدف الرسول (ص) وفي هذه الآية القرآنية تعبير عن الفلسفة الجوهرية للبعثة النبوية: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، والآية كاملة تحدد المنهج الكامل والمتكامل للرسالة المحمدية: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الاعراف (157)، وهو ذات المنهج الذي سار عليه الامام الحسين (عليه السلام)، والمقصود هو تحرير الإنسان ببعده الحقيقي من هيمنة الطغيان ووصاية الاستبداد، والإسلام يرفض بشكل مطلق كل اشكال الاستبداد لأن الإسلام والحرية وجهان لعملة واحدة، والحرية جوهر الإسلام فالإنسان جاء للحياة من اجل الامتحان وهو مكلف ويتحمل المسؤولية، والمسؤولية معناها حرية الارادة، فلا يمكن للإنسان أن يعيش تحت حكم ووصاية وولاية الاستبداد وهو لايستطيع ان يمارس حريته لان الوجود الحقيقي للإنسان هو الوجود الحر والاستبداد هو سالب للحريات وبالتالي سالب لفلسفة الوجود والتكليف والمسؤولية.
والانبياء والائمة الاطهار (عليهم السلام) كانوا في مواجهة الطغاة، فإبراهيم واجه نمرود، وموسى واجه فرعون، وعلي (عليه السلام) واجه معاوية، والحسين (عليه السلام) كان هدفه مواجهة طغيان يزيد الذي بدأ باستعباد الناس، والإمام علي الهادي (عليه السلام) واجه المتوكل، والامام موسى الكاظم (عليه السلام) كان في مواجهةٍ مع هارون، وهي حروب بين الخير والشر وبين الحرية والاستعباد.
الحرية قضية إنسانية
لكن التغيير الحقيقي يبدأ من تحرير الإنسان من نفسه أولا، فلابد أن يتحرر الإنسان من الأنانية والشهوانية المنغرسة بداخله، يقول الإمام علي (عليه السلام) : (لا تكن عبدا لغيرك وقد خلقك الله حرا) فلا يكون عبدا لشهوانيته وغرائزه، والانسان الذي يكون عبدا لغرائزه سيكون بسهولة عبدا للظالم، فهو يركض وراء شهواته وجشعه وطمعه، ويكون مستبدا مع عائلته او اهله ومع تلاميذه او مع عشيرته او مجتمعه ولهذا يخنع ويخضع بسهولة للظالم والحاكم المستبد، فالركون للاستبداد والدكتاتورية هو اذعان للعبودية لغير الله تعالى.
والحرية هي قضية الانسان وقصته منذ الازل حيث كان هناك صراعٌ مستمر بين الحرية واستبداد الطاغية على مر الدهور، فغاية المستبد دائما هو ان يضع نفسه حاكما سلطويا مطلقا في مقابل الله تعالى، ويصنع من نفسه ربّا يستعبد البشر بالمال والطعام والخوف والنفاق والتضليل، لذلك تنهار المجتمعات وتصبح في مفككة هشة في ظل حكم الطغيان والاستبداد حيث تنهار أخلاقيات الخير وتسيطر سلوكيات الشياطين وشرورهم.
الامام الحسين في مواجهة منظومة الفساد
ان الامام الحسين (عليه السلام) اسس للنهضة واراد ان يخلص الامة من اغلال الشهوة ويحولهم من اطار الشر الى اطار الرحمة والحرية، ولهذا كانت رسالته الهية إنسانية، وكذلك اراد ان يحارب منظومة الفساد الذي استشرى في المجتمع ويحرره من ذلك الانهيار الأخلاقي والسلوكي المريع، لهذا لا يمكن ان نقول نحن حسينيون مادمنا نقبل بالظلم والفساد والاستبداد، فهذا الامتداد العاشورائي هو امتداد للحرية الحسينية، وقد رفع أهل بيت رسول الله راية الحسين كدليلٍ للكفاح من اجل الحرية الحسينية وطلب الإصلاح في امة رسول الله (ص) ومكافحة الفاسدين.
والطغاة على مر التاريخ كانوا يخافون من كل تجمع او مظاهرة وقد حاربوا هذا الامتداد العاشورائي لانه يمثل كفاح الحرية ضد المستبدين لكنهم لم ينجحوا، لأنه كلما كانت القضية كبيرة في معانيها كان المجتمع متمسكا بها بقوة، ومنهم النظام البائد الذي منعها اكثر من ثلاثين سنة ولكن هل انتهت؟ لم تنتهِ لأنها قضية قائمة على مبادئ إلهية عظيمة تعبر كل الحقب التاريخية والاجيال المتعاقبة، فالطغاة زالوا لكن الامام الحسين (عليه السلام) بقي، وهذه أعظم عبرة لابد ان يقف عندها الجميع ليتعلموا ان شرور الاستبداد وسلوكياته السيئة لاتستطيع ان تسلب معاني الحرية الحسينية.
الوفاء للإمام الحسين
أساس كل الصراعات هو الخلاف الناشئ بين مبدأ الشيطان ومبدأ الله، ومبدأ الله هو الرحمة ومبدأ الشيطان هو السلطة والشهوة، والامام الحسين (عليه السلام) حمل مبدأ الرحمة، ولهذا نقول الحرية لأنها مرتبطة بالرحمة، وتفعيل الحرية من اجل بناء مجتمعٍ صالح تأتي من خلال قيام المجتمع بممارسة ارادته عن طريق سلوك القيم الفاضلة، فالإنسان الذي يمارس الأمانة ويصدق في فعله وقوله هو انسان حر، كما انه يكون معطاء مسؤولا متعايشا ومتسامحا مع جيرانه متضامنا مع اخوانه في المجتمع، كما ان الذي يسلك طريق العنف والقسوة والفساد والتسقيط والكذب والتهمة والغش وخيانة الأمانة ويسرق، هو عبد للسلطة والمال والظلم والطغيان.
لقد ضحى الامام الحسين (عليه السلام) بنفسه وأصبحت عائلته سبايا من اجل حريتنا وان نعيش احرارا في حياتنا، وهذه التضحية تحفزنا لنكون بمواجهة الطغاة وان نحمي حريتنا لكي نكون أوفياء للإمام الحسين (عليه السلام) وأن نكون في معسكره، كما فعل (الحر) حين شعر ان عليه ان يتخذ القرار بنفسه أما أن يكون حرا مع الامام الحسين (عليه السلام) أو أن يكون عبدا ليزيد فوقف وقفة شجاعة ومارس حريته في الاختيار.
الحرية حياة والعبودية موت
العبودية تجعل الناس امواتا وهم احياء، والحرية تجعل الناس احياء وهم اموات ففي الآية القرآنية: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران 169)، والآية: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚبَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ) (البقرة 154)، لأنهم احرار. والزائر المبارك امامه فرصة كبيرة عندما يأتي للزيارة وخصوصا زيارة الاربعين وعليه معرفة كيف يستطيع أن يتأثر بهذه الأجواء ويستلهم القيم والمبادئ ويأخذ الأفكار العظيمة.
مواصفات الإنسان الحر
الإنسان الحر يبتعد عن الصراعات والأنانية ويكسر أصنام العبودية الذاتية والأصنام مثل التكبر والغرور وشغف التسلط وشهوة السلطة، الأنانية والاستئثار والاحتكار وتهميش الآخر، الشهوات والغرق في مستنقع الغرائز، الطمع واللهاث وراء الماديات دون أي ورع او تقوى.
بل يكون شغوفا بحب العطاء وبذل المال فهو يتنفس الصعداء ويشعر براحة كبيرة اذا تبرع للمدارس أو المستشفيات أو الأيتام فيكسر الاغلال ويتخلق بالأخلاق الحسينية ويكون في قمة العطاء الإنساني والمشاركة في بناء المجتمع الصالح، ولعل الأغنياء عليهم المسؤولية الأكبر في هذا الجانب مثل دعم الكتاب الحسيني أو المؤسسات الحسينية الثقافية والتعليمية والخدمية أو الجامعات والمساهمة في بناء المجتمعٍ الحسيني الحر.
اضف تعليق