q
ما الذي يفعله الناس عند الذهاب الى كربلاء؟ سؤال يطرحه الكثير من الناس الذين تقطعت بهم السبل وحرموا من الوصول الى هذه البقعة الصغير من ارض العراق، وبغض النظر عن الأسباب التي منعتهم زيارة المدينة التي اشتهرت عالميا بتوافد الملايين اليها، لا بد من طرح مشهد عاشواء لهذا العام باعتباره عَيّنة من مشاهد سنوية تنقل عبر وسائل الاعلام العالمية بطريقة متباينة حسب القرب والبعد من الشيعة...

جدلية تتكرر في شهري محرم وصفر، الناقد يستهدف تحسين أدوات الاستفادة من دروس عاشوراء، يقدم دورات مجانية في تحديد المسار الصحيح، لاعادة ثورة الامام الحسين عليه السلام الى هدفها السامي، اذ ان هذه الشعائر التي تمارس سنويا غير مجدية ومخجلة من وجهة نظر الناقد، يستعين بنماذج تمثل الطابع السلبي للشعائر الحسينية يسقطها على ملايين الناس ليثبت ان تلك الممارسات اخرجت الثورة من روح الامة. يرد عليه عاشق للحسين بمشاهد إيجابية ليثبت ان مزاعم الناقد غير صحيحة.

فما الذي يفعله الناس عند الذهاب الى كربلاء؟ سؤال يطرحه الكثير من الناس الذين تقطعت بهم السبل وحرموا من الوصول الى هذه البقعة الصغير من ارض العراق، وبغض النظر عن الأسباب التي منعتهم زيارة المدينة التي اشتهرت عالميا بتوافد الملايين اليها، لا بد من طرح مشهد عاشواء لهذا العام باعتباره عَيّنة من مشاهد سنوية تنقل عبر وسائل الاعلام العالمية بطريقة متباينة حسب القرب والبعد من الشيعة.

في صبيحة يوم العاشر من شهر محرم الحرام، خرجت من البيت، سائرا على الاقدام مع السائرين الى كربلاء حيث مرقد الامام الحسين، لا لاجل الحصول على الاجر والثواب، ولا من اجل التقاط صورة سيلفي، فانا هنا صحفي حاولت ان اتجرد من احكامي المسبقة من اجل تصوير المشاهد التي تجيب على أسئلة كثيرة تطرح داخل العراق وخارجه، اسجل ما رأيته في عيني، سواء الجيد منها او السيء.

في المشهد العام زحف مليوني نحو مرقد الامام الحسين، يشارك فيه الرجال والنساء، الكبار والصغار، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية، لكن يبدو ان اغلبهم من الطبقة المتوسطة، يسيرون على الاقدام بعضهم مصاب بالتعب والارهاق، لكن عزيمتهم كبيرة جدا لدرجة ان بعضهم يتحمل تشقق اقدامه، دون ان يركب سيارة حديثة مكيفة توصله مجانا الى مرقد الامام الحسين.

المشهد الثاني، مواكب اقامها الاهالي على طول الطريق لتوفير الطعام والشراب لهؤلاء الناس الذين يسيرون على الاقدام. كل شيء متاح بالمجان، فالتكافل الاجتماعي في اقصى درجاته، والتعاون بين أصحاب المواكب والزوار على درجة كبيرة من التجانس لدرجة تشعرك انهم يعرفون بعضهم منذ سنوات الطفولة رغم ان الواقع ليس كذلك.

في المشهد الثالث، مواكب العزاء تسير في الشوارع وصولا الى مرقد الامام الحسين، يصعد احد الأشخاص يطلق عليه "الرادود" يلقي القصائد التي تروي ثورة كربلاء، لتتناقلها الأجيال بحسب عقيدة الشيعة، في هذه المواكب يتم التركيز على ذكر حادثة الطف وما جرى للامام الحسين وانصاره، بطريقة تثير البكاء بين الناس الذين يتألمون عند ذكر بعض الاحداث خاصة مشهد نحر الطفل الرضيع الذي قتله جيش عمر بن سعد عندما طلب الامام الحسين منهم ان يوفروا له الماء كونه طفل ولا حرج عليه في القتال، كما يثار مشهد حرق الخيام باعتباره انتهاكا لاهم تقليد عربي واسلامي بالحفاظ على حرمة المرأة مهما اشتدت العداوة. وفي بعض المواكب يقوم "الرادود" بالربط بين حادثة الطف وبعض الجرائم التي تحدث في العراق مثل الاعتداءات الإرهابية التي كانت تضرب البلاد، او جرائم داعش.

في يوم العاشر من شهر محرم الحرام تفتح المواكب "قصة مقتل الامام الحسين" بصوت الشيخ المرحوم عبد الزهراء الكعبي، حيث يروي تلك الحادثة بصوته الحزين وهي مسجلة لمدة ساعتين تقريبا ومتاحة في موقع "يوتيوب"، يمكن للباحث عن معلومات اكثر معرفة كيف يروي الشيعة واقعة الطف، اذ تكاد تكون "قصة المقتل" هي المعبرة عن رؤيتهم لما جرى عام 61 للهجرة النبوية المباركة.

في المشهد الرابع، اعقاب عبوات الماء تملأ الشارع، فهو مشهد من الاوساخ التي لا تستطيع كوادر البلدية ان ترفعه يوم الزيارة لذلك تتراكم النفايات، هذا المشهد لا يستمر الى صباح اليوم التالي فهناك مواكب مخصصة للتنظيف مهمتها رفع بقايا الطعام والشرب بعد انتهاء مراسيم الزيارة مباشرة.

قبل ذهابي في رحلة مع الزوار استطلعت اهم القضايا المثيرة للجدل حول شعائر عاشوراء، ومن بين قضايا عدة استخصت منها قضيتين أساسيتين، الأولى قضية التطبير، فهذه تختص بالشيعة انفسهم قبل غيرهم، وانا اسير بين الزوار اسمع جدلا حول التطبير وصوابية هذا الفعل، بين من يؤيده ومن يرفضه، هناك من يراه نوعا من أنواع العنف، ومن يراه ضروريا لزيادة النقاش حول الموضوع وايصال الصوت الى العالم. لكن في المحصلة النهائية هناك سلمية حتى في التطبير، فالذي يطبر رأسه، يتقبل النقد ويرد على الكلام بالكلام رغم امساكه بالسيف الذي يستطيع من خلاله شطر ناقديه الى نصفين.

القضية الثانية، هي التي تطرح على شكل سؤال: اذا كان كل هذا العدد من الزوار يذهبون الى كربلاء نصرة لرجل الحرية الأول، والثائر الكبير، وابن بنت رسول الله، فلماذا لا يعلنون الثورة على حكام البلد الذين استغلوا موارده والقوا الناس في منحدر من الفقر والحرمان؟ هذا السؤال لم اجد له إجابة من الزوار ولم اجده في جدول اولوياتهم، لكن عندما عدت وفتحت مواقع التواصل الاجتماعي قرأت الكثير من التعليقات التي تدعو للاقتداء بثورة الامام الحسين وإعلان الثورة ضد الحكام الذين يستغلون الدين من اجل الكسب غير المشروع على حساب مصالح الوطن.

اضف تعليق