q

في الزمن الذي يجب أن يكون فيه كل شيء مادي وملموس كي يؤمن به العقل، لا زالت هناك أمور تدفع العقل إلى التحدي ليعلن عجزه!، ليدرك الجميع أن إرادة الرب فوق كل شيء.

هنا في العراق ترى العجائب، وتصادفك مواقف قد تتجاوز الخيال، وهي مواقف من المستحيل أن يدرك العقل البشري فحواها، إلا إذا عاش أدق تفاصيلها وحذافيرها، إنها نوع من البطولات التي يجب أن تكتب بماء الذهب كي تُحفَظ للأجيال القادمة، فهناك أرقام قياسية في العطاء يجب أن تحصل على أعلى الجوائز في العالم، ولكن هناك من يُغطي عليها ويحجبها، كي لا يعرف أحد عظمة هذا الطهر المتفرِّد.

فهناك مواقف ربما تغير حياتك إلى الأبد، وكلمات تجعلك تموت خجلا، وأفعال تدفعك إلى حافة الجنون، ولكن كل شخص يرى الأمور من زاويته الخاصة، لذلك بعد انتهاء هذه الزيارة الكبرى، كانت لـ (شبكة النبأ المعلوماتية)، جولة استطلاعية بين الزائرين لترى ماذا تعلم الناس من هذه المناسبة والمسيرة المذهلة.

زيارة الأربعين إحياء للأرض ومن عليها

قال المهندس أحمد كمال: إن زيارة الأربعين بمثابة جرعة منعشة للخلايا الميتة لجسم الكائن، ليس للإنسان فقط بل ما يبهرني أثناء الزيارة أن أشاهد الأرض وهي تتغير وتتخلى عن الجمود الذي تعيشه خلال العام كله، وكأنها تعانق الجميع وتقول لهم: (هله بزوار أبو علي).

إن جميع الأراضي التي مهملة طوال العام، ولا يُستفاد منها، لكنها في هذه المناسبة تُصبح مبيتا للزائرين وتُنصَب عليها خيام ومواكب الأربعين، حيث تُعاد الحياة إلى الأراضي المهملة والطرقات الموحشة والأرصفة الخالية، والأجمل من ذلك إحياء النفوس عندما نرى الجميع متوجهين إلى كعبة القلوب دون أي اهتمام بصعوبات الطريق، أو المشاكل الموجودة أثناء السفر، وفي كل خطوة يخطوها الزائرون الكرام، هناك دروس وعِبَر للجميع، للزائر والخادم والمُشاهد، وحتى للمُراقب من بعيد.

زيارة الأربعين وذكرى خلاص العراق من داعش

الأستاذة منى عبد الأمير قالت في هذه الزيارة المباركة: شهد الجميع الصعوبات والمؤامرات التي مر بها العراق منذ إطاحة الطاغية وإلى الآن، والضربة الأقوى كانت من التنظيم الإرهابي داعش، حيث أراد أن يقضي على التشيّع في العراق، ولكن باءت كل محاولاته بالفشل، واليوم حينما يخرج هؤلاء الناس من منازلهم متوجهين الى أبي الأحرار، رغم التهويل الإعلامي الذي يدخل الرعب إلى النفوس بسبب التهديدات الإرهابية، لكننا نرى الجموع المليونية لا تكترث بأي شيء، وحضور الحشود المليونية في ساحات كربلاء المقدسة، تردُّ كيد الخونة إلى نحورهم وتمزق جمعهم وتقضي كليّاً على أحلامهم.

زيارة الأربعين و وحدة الصف للشيعة

قال الشيخ علي الحائري: إن زيارة الأربعين أصبحت اليوم بمثابة أكبر تجمع إنساني على الكرة الأرضية، ومن الجميل أن نرى الناس رغم اختلافهم في بعض الأمور الدينية يجتمعون تحت سقف واحد، ويعظمون هذه الزيارة ويشاركون في العزاء ويواسون أهل البيت عليهم السلام في هذا المصاب الجلل، وكما أن الحج يكون سببا لتجمع المسلمين من مختلف المدن والبلدان، كذلك زيارة الأربعين تجمع أكبر عدد من الشيعة ومن باقي المذاهب والديانات من أنحاء العالم، كي يتكافلوا ويتعاونوا على البر والتقوى، ويضربوا على أفواه المنافقين باسم الحسين.

زيارة الأربعين وتجديد العهد

الطالبة زينب عمار تقول في هذه المناسبة الجليلة: يجدد كل إنسان حر عهده مع أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال المسيرة التي ربما تطول أيام وليالي.. حيث يشد الزائر الرحال ليتجه نحو حبيب الله الذي يعد زيارة أربعينه من علامات المؤمن كما روى الشيخ في التهذيب والمصباح عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، أي الفرائض اليوميّة وهي سبع عشرة ركعة والنوافل اليوميّة وهي أربع وثلاثون ركعة، وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين بالسجود والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

زيارة الأربعين قمة النظام والتخطيط

الدكتور محمد صاحب الحريري قال: إن ما يُشاهَد في زيارة الأربعين جمال التخطيط في المواكب، وبين الناس حيث لا أحد يشعر بالأذى، بل الجميع يعيشون خلال هذه الفترة من الزمن ملوكا من حيث تأمين جميع حاجياتهم كافة مثل: (المساج وتدليك الأرجل وتقبيل الأقدام والانحناء أمامهم، بطاقة الهاتف مع تعبئة الرصيد والواي فاي والأكل مما تشتهي الأنفس).

ولا أحد يتأذى بسبب الزحام والأمراض كما يحصل في باقي التجمعات الكبيرة، حيث هناك أضرار كبيرة كما يُذكَر هذا في الصحف والأخبار.

أما العلوية فريال أمير الحسيني وهي (باحثة اجتماعية) فتقول عن هذه المناسبة: كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): (كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية).

في عالم اليوم حيث الجميع مشردون من الدين ولا أحد يكترث بما يقول رجال الدين سوى الفئات القليلة، بأن زيارة الأربعين أعلى صوت يدعو الجميع إلى الحق، رغم صمتها ولكنها تجعل علامة السؤال أمام أي شخص ينظر إلى هذا الحشد الكبير، ليجبره على معرفة المزيد عن هؤلاء الناس الذين يتركون الدنيا وما فيها لأيام فقط. لأجل الوقوف أمام تلك القباب الذهبية ليسلموا على إمامهم، لذلك أصبحت زيارة الأربعين اليوم داعية إلى الحق وإلى الطريق الصحيح، وأصبح خدام الحسين من دعاة الخير بغير ألسنتهم.

زيارة الأربعين قمة العطاء والإيثار

تقول الزائرة فاطمة الحائري: إنني أهتم كثيرا بنظافة منزلي والجميع يعرف ذلك، لهذا السبب لا أدعو الضيوف إلى بيتي إلا نادرا، وأهتم بسجاداتي كثيرا حتى لا يتغير لونها، وأجبر أطفالي عند رجوعهم من المدرسة أن يغسلوا أرجلهم أولا، ومن ثم الدخول إلى المنزل، ولكن هنا رأيت أفخم المنازل وأحدث الأثاث وأهلها لا يكترثون بها، بل يتوسلون بالجميع ليدوسوا على سجاداتهم ويفتخرون بذلك، وقد تعلمتُ منهم قمة العطاء، فهؤلاء مصاديق هذه الآية الكريمة: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).

ويقول شاب في عقده الثاني: في هذه المسيرة تختصر حياتي وهذا يعني إنني أقترب إلى الجنة. وعن بَشِيرٍ الدَّهَّانِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَـلَـيـْـهِ السَّــلام قَالَ:

﴿* إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ إلـىٰ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع فَلَهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَوَّلِ خُطْوَةٍ مَغْفِرَةُ ذُنُوبِهِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُقَدَّسُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَإِذَا أَتَاهُ نَاجَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ {عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ، أدْعُنِي أُجِبْكَ، أطْلُبْ مِنِّي أُعْطِكَ، سَلْنِي حَاجَةً أقضيها [أَقْضِهَا] لَكَ}﴾

وقَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ عَـلَـيـْـهِ السَّــلام: ﴿ وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْطِيَ مَا بَذَلَ﴾

وهذا عهد يتجدد كل في عام وتبقى زيارة الأربعين تعلّم الأجيال أفضل الدروس وأعظم العبر على مر السنين.. أبد والله ما ننسه حسينا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:

اضف تعليق