قبل أن يضع الزائرون أقدامهم في الطريق الى كربلاء المقدسة لأداء مراسيم زيارة الاربعين، حتى انطلقت ألسن البعض لتشارك في هذه المراسيم بطريقتها الخاصة، كما شاركت في أيام عاشوراء، بالحديث عن أفضلية التبرع بالدم، أو الحرص على سمعة التشيع في العالم من الاحراج امام العالم بسبب بعض ما يقوم به المعزون على مصاب الامام الحسين، عليه السلام، أما في زيارة الاربعين التي لاحت رايتها، فالحديث توجه – كما في السنوات الماضية- نحو الجانب الاقتصادي وضرورة ان يكون للمشاة والزائرين دوراً في تقليل نسبة الفقر والعالقين في مشاريع الزواج او المعسرين في أمر السكن وغيرها.
نأخذ هذه الدعوات على محملٍ حَسِن، بل ونبعد الازمات المثارة خلال هذه المناسبة، عن مؤسسات الدولة ومسؤولياتها، ونسلط الضوء على الدور الحقيقي لزيارة الاربعين بشكل خاص، ولإحياء النهضة الحسينية بشكل عام، ومدى قدرتها على ايجاد الحلول الناجعة لازمات اجتماعية واقتصادية يعيشها الناس؟
مأسسة الإنفاق الحسيني
ظاهرة الانفاق على المواكب الخدمية، وتحديداً إعداد الطعام والشراب، الى جانب بناء أماكن السكن والخدمات الاخرى، تمثل حالة ايجابية في النفس الانسانية، ربما يبحث عنها العلماء المختصون والباحثون في كيفية خلق الدوافع المعنوية وايجاد الحوافز نحو عمل الخير والعمل المثمر والبناء، للتقليل من حالات اليأس والاحباط والهزيمة النفسية المتفشية في مجتمعاتنا، فهل نفرط بهذه الفرصة الذهبية لنشر هذه الحالة على نطاق أوسع بين افراد المجتمع بل وافراد الامة في كل مكان؟
قبل الحديث الاستنكاري عن الانفاق بالملايين على الطعام والشراب والنقل وغيرها، من الأجدر تطوير هذا الانفاق لتتسع فائدته زمنياً ومكانياً، بأن تتشكل هيئات ومؤسسات تدير أمر الانفاق وتدعو الى توسيع نطاقه ليشمل موارد أخرى تخص ابناء المجتمع نفسه، ليس فقط في أيام الزيارة الاربعينية، وإنما طيلة ايام السنة، للإسهام في حل مشاكل اقتصادية مزمنة، مثل الفقر والعزوبية والبطالة والسكن وغيرها، واذا كان توفير الطعام والشراب والسكن للزائرين تحت شعار "خدمة الزائرين للإمام الحسين"، فان خدمة المؤمنين بنهضته وقضيته العظمى، عليه السلام، لا تقل أهمية، اذا لم تكن موازية، فالامام الحسين، إنما ضحى بنفسه وعياله في تلك الملحمة الخالدة، قصد الكرامة الانسانية والحرية والعدل وسائر القيم السماوية، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان من المنفقين والعاملين في خدمة زوار الاربعين.
إن فتح اكثر من صندوق للمعونات والاستثمارات على هدي النهضة الحسينية، يمثل محاولة جادّة لايجاد مصاديق عملية لاهداف النهضة الحسينية على ارض الواقع، وإلا من منّا يقبل ان ينتهي ذكر الامام الحسين، عليه السلام، بمجرد انتهاء مراسيم الزيارة، وعودة المواكب الخدمية من حيث أتت؟
هيئات حسينية على مدار السنة
حسناً دعى أحد ابرز علماء الدين الى ديمومة عمل الهيئات الحسينية الى ما بعد شهري محرم الحرام وصفر الخير، في كربلاء وسائر المحافظات، بل وحتى في جميع انحاء العالم، لتأخذ دورها الحضاري المطلوب في دراسة متطلبات المجتمع ومشاكله، ثم العمل على ايجاد البدائل العملية والحلول لقضايا عالقة مثل الزواج والسكن والعمل، وهذا ربما يثير استغراب الكثير عن سنخية النشاطات الحسينية وهذه القضايا الاجتماعية او الاقتصادية، بيد أن نظرة خاطفة على محدودية نشاط هذه الهيئات خلال هذه الفترة الوجيزة، يكشف لنا السر وراء حجم التخلف الذي نعاني منه والتخبط المرير في بدائل وافكار بعيدة عن واقعنا نريدها طوق نجاة مما نعاني منه.
بالمقابل لو نظرنا الى رسالة المنبر الحسيني وما يطرحه الخطباء الناجحون من مواضيع تبحث في دقائق حياة الفرد والمجتمع، من قضايا تربوية مروراً بالقضايا الثقافية والفكرية وليس انتهاءً بالاخلاق والعقيدة والتاريخ، وجدناه ينوب عن دورات تنمية بشرية ودورات إرشاد وتعليم يدفع البعض لها أموال لاكتساب المعارف في مجالات عدّة، فيما هو يقوم بهذا الدور الحضاري بالمجان، يكفي أن حضور الشخص تحت المنبر او حتى المتابعة من خلال القنوات الفضائية.
وهذا يمكن ان يكون نموذجاً او بداية لهذا المشروع التربوي والتعليمي المستدام، وبما أن المتحدثين عن ظواهر الانفاق والجهود المبذولة بشكل مثير خلال زيارة الاربعين، هم من الشريحة المثقفة، فان التخطيط وتحديد آليات العمل في مشروع استثمار المشاركة المليونية في هذه الزيارة، يقع على عاتق هذه ابناء هذه الشريحة الداعية دائماً الى التحديث والتطوير والابداع، وهذه هي الفرصة السانحة لأن نستفيد من مواقع التواصل الاجتماعي الى جانب الملتقيات والمنتديات ونستبدل خطاب اللوم بخطاب التشجيع والتحفيز لتقديم الافضل.
اضف تعليق