قال تعالى (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين) (النحل، اية 125).
من المسائل الطبيعية ان يكون اختلاف في الراي بين الناس، فالاختلاف موجود في الآراء والتوجهات، والمسوغ لذلك هو الحيازة على اكبر قدر ممكن من المكاسب الدنيوية، فهذه المسألة تجعل تضارب في المصالح بين الناس.
وكل انسان يسعى لإقناع الآخر برأيه وفقا لحالتين اما دينية او تجسيد حب الذات لدى الانسان.
ولاشك بأن استخدام القوة والفرض بالراي لا يجدي نفعا ويجعل الحوار عقيما، حتى لو كان صاحب الراي على حق، فلا يستطيع ان يفرض رايه على الاخر انطلاقا من منهج القرآن الكريم الذي نلاحظ في آياته الكريمة بأن الله جل وعلا لم يفرض على الناس الايمان به بالقوة، اذ جاء في محكم التنزيل: ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (يونس، اية 99).
وكذلك فعل الانبياء والرسل في دعوتهم، اذ لم يفرضوا على الاخرين دعوتهم بالقوة، فكانت مهمتهم التبليغ، فيقول الله العزيز الحكيم: (فذكر انما انت مذكر، لست عليهم بمصيطر) (الغاشية، اية 22).
ومن ذلك يستنتج بانه لا يصح لأي فرد ان يفرض رأيه بالقوة.
وفي الآية الكريمة مقدمة الموضوع الدعوة بالحكمة و(الحكمة تعني مخاطبة العقل بالأدلة والبرهان).
والموعظة الحسنة تعني اثارة الوجدان والمشاعر الطيبة، اي لا تكون الموعظة خشنة.
فيحتاج منا عندما نقنع الاخر الى اختيار الكلام المناسب، والدليل، والاسلوب المناسب، فضلا عن ذلك الحكمة والموعظة الحسنة.
وعلينا ان نستلهم من نهج مدرسة الامام الحسين (عليه السلام) اسلوب الحوار وكيفيته من خلال وصاياه وحديثه مع الخصم، فيقول (عليه السلام): (لا تتكلمن فيما لا يعنيك، فأني اخاف عليك الوزر، ولا تتكلمن فيما يعنيك حتى ترى للكلام موضعا، فرب متكلم قد تكلم بالحق فغيب، ولا تمارين حليما ولا سفيها، فان الحليم يقليك، والسفيه يؤذيك).
اذن يتوجب على الفرد عند اظهار بيان رايه او النقاش ان يتحدث بلباقة في النقد بدون توبيخ وردع، وان يتجنب الجدال العقيم، فهناك من لديه اهدف من النقاش هي التعبئة واصطناع المشكلة.
ولذلك يشير القران الكريم لهذا النوع بالسكوت عنه، فيقول تعالى (واذا مروا باللغو مروا كراما) (الفرقان، اية 72). وقوله عزوجل (واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (الفرقان، اية 63).
ويقول الامام الصادق (ع): (اياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب عن ذكر الله عزوجل)، وقال ايضا: لا تخاصموا الناس لدينكم، فان المخاصمة ممرضة للقلب.. ذروا الناس فان الناس اخذوا عن الناس.
فنفهم من الاحاديث المذكورة بان المرء لا يستطيع ان يغير قناعات الاخرين.
ولهذا نرى الامام الحسين (عليه السلام) في حواره اثناء الثورة الحسينية كان يستخدم اسلوب اثارة الوجدان والضمير والقيم الهادئة كما حدث ذلك مع زهير بن القين عندما مر عليه في منطقة (زرود)، فكانت النتيجة ان التحق زهير بن القين بركب الامام الحسين (ع).
واستخدم سيد الشهداء اسلوب الحوار مع خصومة الذين منهم عمر بن سعد، ففي البداية امتنع عمر ثم وافق بعد ذلك، فتقول الرواية:
قال الامام: ويحك يا ابن سعد ! اما تتقي الله الذي اليه معادك أراك تقاتلني وتريد قتلي، وانا ابن من قد علمت، دع هؤلاء القوم واتركهم وكن معي، فإنه اقرب لك الى الله تعالى.
فقال عمر: يا حسين اني اخاف ان تهدم داري بالكوفة، وتنهب اموالي.
قال له الامام: انا ابني لك خيرا من دارك.
فقال: اخشى ان تؤخذ ضياعي في السواد.
فقال له الحسين: انا اعطيك من مالي البغيبغة، وهي عين عظيمة بارض الحجاز، وكان معاوية اعطاني في ثمنها الف الف دينار من الذهب فلم ابعه اياها، فلم يقبل عمر بن سعد شيئا من ذلك.
فانصرف عنه الحسين وهو غضبان وهو يقول: ذبحك الله يابن سعد على فراشك عاجلا، ولا غفر لك يوم حشرك ونشرك، فوالله اني لأرجو ان لا تأكل من بر العراق الا يسيرا.
فقل له عمر بن سعد مستهزئا: ياحسين ان في الشعير عوضا عن البر.
فنلاحظ في هذا الحوار بان ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) استخدم اسلوب القران والانبياء والرسل بعدم فرض رايه على المجرم عمر بن سعد، ثم جادله بالتي هي احسن، لكن ابن سعد ومنذ البداية أصر على ان يبتعد عن طريق الله سبحانه وتعالى، ولذا تركه الامام وهو يردد مصيره الذي اختاره.
اضف تعليق