«أيّها الناس، إنَّ رسولَ اللَّهِ (ص) قالَ: مَن رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعَهدِه، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يغِرْ عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه»، «وقد عَلمتُم أنَّ هؤلاء القومَ (ويشيرُ إلى بني أميّة وأتباعِهم) قد لَزِموا طاعةَ الشيطانِ وتَولَوا عن طاعةِ الرحمنِ، وأظهرُوا الفسادَ وعطلّوا الحدودَ واستأثَروا بالفيء، وأحَلّوا حرامَ اللَّهِ وحَرَّموا حلالَهُ، وإنّي أحقُّ بهذا الأمر».
بهذا البيان والاشارة في مقدمته الى انه قول النبي (ص) خطب قائد الثورة في منطقة البيضة بحضور اصحابه وجيش الحر.
والخطاب لكل الناس لا يستثني منهم احدا، هو اعلان نبوي بأن حبيب الله المصطفى (ص) يوجه الامة بأفرادها وجماعاتها بأن التدخل بالسياسة هو تكليف ديني لكل قائد ارسله الله سبحانه وتعالى بمهمة الرسالة او النبوة او الامامة او الخلافة حيث يدعو الناس الى الاصلاح في المجتمع اي اصلاح الواقع الفاسد الذي يمارسه بعض الحكام سواء كان غطائهم اسلامي او علماني او غيرهما.
وفي هذا البيان نرى الامام الحسين (ع) يتكلم عن سياسة رسول الله (ص)، فالشريعة الاسلامية الغراء عبارة عن منظومة اصلاحية تسمو بالإنسان الى ان يرتقي نحو الانسانية، فمن فروع الاصلاح التمسك بتطبيق الحلال والحرام كونه يتعلق بحياة الانسان.
وهنا من يرفض هذا الفرع سواء كانوا افردا او جماعة، حكام او محكومين، فهم يرفضون ما جاء به رسول الله (ص)، ومعنى ذلك أنّهم يرفضون كل المنظومة الاصلاحية التي جاءت من عند الله سبحانه وتعالى.
وبهذا نستشف بأن الحاكم وانصاره الذين هم خصم الامام الحسين (ع)، كانوا من الروافض لما امر به الله تبارك وتعالى.
ويوافق راينا القاصر قول سيد الشهداء عندما تحدث عن اهدافه العامة، فقد صرح به حينما كتب رسالته إلى أخيه محمد بن الحنفية قائلا له: إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فهو بهذه الفقرة المختصرة أوضح أن هدفه هو هدف القرآن ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.
ذلك الرجل الروحي والقائد الرشيد الذي يمثل امتداد الرسالة النبوية يوضح لمن حوله بأن ثورته ونهضته الاصلاحية مستلهمة ومستنبطة من جده الرسول الاكرم (ص)، فيقول: نحن امتداد لجدنا رسول الله لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تسر بهم نفسه وتقر بهم عينه، ألا فمن كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى.
ولذلك نرى في بيانه الاول بانه يريد ان يربي الأمة على رفض الظلم والطغيان مهما كان مصدره. وبنفس الوقت يغرس الايحاء في عقول الناس بأن ثورته المقدسة في عاشوراء نهضة إلهيّة بكلّ تفاصيلها، وإنسانيّة بمحض شمول مفاعيلها وتأثيراتها لكلّ حرّ.
وبهذا فأن النهضة قياماً لله، وأداءً للتكليف الإلهيّ.
وبهذا البيان ايضا توجيه ونداء للناس في مختلف العصور، بمعنى يا بشر قوموا لله عندما تشاهدون الخطر يحدق بدين الله.
ان سكوت الناس عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي جعل معاوية ويزيد يرسخوا في اذهان المجتمع بان الحكم في الاسلام سلطنة، فاراد كل منهم تحويل الحكم الاسلامي الى ملكية وراثية وسلطة طاغوتية تسفك دم كل من يعارضها، فكانت نهضة الامام الحسين (ع) واعلانه لبيانه المذكور لكسر عقدة الخوف في نفوس الناس من اجل مقاومة الحاكم الجائر والامبراطورية القادمة.
وما اشبه ذلك العصر بوقتنا المعاصر، اذ ان بعض الناس تعيش على دين ملوكهم ورؤسائهم. وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
إذا كان ربُّ البيت بالطبل ضارباً......فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ
ويظن البعض بأن مسألة وجود الحاكم العادل مسؤولية القادة الروحيين فحسب، وهذا يتنافى مع بيان سيد الشهداء، كون المسؤولية مسؤولية جميع الامة، فيتحمل كلُّ فردٍ من أفرادها مسؤولية الحاكم العادل بطريقة إيجابية، ومسؤولية الحاكم الجائر بطريقة سلبية.
ومن التخلي عن المسؤولية الملقاة على عاتق افراد الامة جاءت افكار الاستعمار التي تفصل الدين عن السياسة حيث تريد من الزعماء الروحيين واتباعهم من عامة الناس ان يكونوا بعيدين عن اجواء التغيير الاصلاحي، فيتوجب عليهم حسب زعم الفكرة ان يسلموا الى ان المتدين او الانسان العادي يجب ان تتركز حياته واهتماماته بان يذهب للعمل ثم المسجد وبعدها البيت ولا يشغل نفسه بالأمور السياسة.
وهذه الفكرة مرفوضة تماما بما ورد عن رسول الله (ص) على لسان الامام الحسين (ع)، فالحسيني المخلص والانسان الواعي عليه ان يتمسك بالمبادئ الرصينة واهداف الثورة الحسينية ويطبقها بحذافيرها، ليكون في عداد أنصار ابي عبد الله (ع) حتى لو كلفه الامر حياته.
وهذا اليوم في العراق مثلا نجد بعض اهداف معاوية ويزيد تطبق بدل اهداف النهضة الحسينية حيث الفساد في الدولة وجميع محافل السلطتين التشريعية والتنفيذية وعدم الاهتمام بحياة المواطن لإرساء العدالة الاجتماعية والاقتصادية فيها.
وفي الوقت الحاضر نرى حكام تتظاهر بالإسلام مع اللامبالاة في حياة المواطن واحتياجاته، وهؤلاء الحكام يبتعدون عن طاعة الله ورسوله بالتفرد بالحكم من خلال مجاميع حزبية وكتل سياسية تبحث عن مصالحها الشخصية الى ان اصبح الجو عدم وجود الحاكم العادل والسلطة العليا الضاغطة على كلّ السلطات المتدرجة في المجتمع.
ان الامام الحسين (ع) يدعو الامة الى ان نتحمل المسؤولية وتطبق كلام النبي (ص)، لغرض ارساء العدل وتحقيق منهج مستقر للسياسة، ومحاربة الظلم والفساد من سرقات حيث «استأثروا بالفيء»، والفيء يعبر عن ميزانية الدولة، أي ما يفيء به الله على المسلمين وعلى الناس. إنهم كانوا يستأثرون بما يفيء به الله على المسلمين وعلى الناس، فيعطونه لأصحابهم ولمحاسيبهم ولأزلامهم. فلو تخلت تلك الامة عن مسؤوليتها هذه وعملوا بالفكرة الاستعمارية، ثم جعلوا من ايام عشرة محرم عادة وليس عبادة وقدموا ما قدموا من عزاء ومأكل، ثم سكتوا وبعضهم ايد من في السلطة فأن الله يضرب بعملهم هذا بوجوههم ويقول لهم: {إنَّ الصّلاةَ تنهى عن الفَحشاءِ والمنكَر} (العنكبوت/45).
الامام الحسين (ع) يريد من الانسان ان يسير نحو طريق الحق، وهذا الطريق يصب في رضا الله سبحانه وتعالى، فعلى المرء ان لا يكترث برضا الناس، فرضا الناس غاية لا تدرك، رضا الله اولا، وليكن شعاره: «صانِعْ وجهاً واحداُ يكفِك الوجوهَ كلها».
اذن يجب ان تكون ثورة الامة على الحاكم الذي يعلن بان من اولى اولوياته نشر الامن، فيعطي الناس التزاماً ومواثيق، ثم ينكث ليعمل في عباد الله بالإثم والعدوان والظلم.
وهذا البيان يوحي الى الناس بأن الهدف هو مواجهة مسيرة الحاكم وعدالته، فإن كانت المسيرة مسيرة عدل وحق، فعلى الأُمة أن تساند المسيرة وتدعم هذا الحكم. وإذا كانت المسيرة مسيرة باطل وظلم، فعلى الأُمة أن تواجه هذه المسيرة بالرفض، وتواجه هذا الحكم بالثورة عليه. ولذلك علينا في مأتمنا الحسينية ان نهتف بأعلى اصواتنا ببيان الامام الحسين (ع) ضد كل من اظهر الفساد في البلاد حينها سنكون ممن يغيرون بالقول والفعل كل فساد مستشري في المعمورة الى ان يطبق العدل ويكون حلال الله حلالا وحرامه حراما الى يوم الدين.
اضف تعليق