q

ثورة الامام الحسين علية السلام ثورة تضحية واباء ثورة كلمة وموقف ثورة نهضة.. فلا يؤخذ منها دروس العزة والإباء والثورة على الظلم فقط، ولا يستلهم منها معاني الفداء والتضحية والمواساة بأروع صورها فحسب؛ بل هي ملحمة كبرى لكل المثُل والقيم السامية، حيث الروابط التي تربط أبطالها نموذجية بصورة راقية تصل حدّ الإعجاز علاقة الأخ والأخت والزوجة والابن والصاحب كلها استثنائية بشكل حيّر الألباب على مدى الأجيال ولم يأت الزمان بمثل تلك النماذج الفذّة..

فقد نقش التأريخ اروع تلك التضحيات التي قام بها اصحاب الحسين فنجد بكل سطر من تلك السطور وكل قصة من قصص البطولة والفداء كانت للمرأة يد بها حيث وقفت المرأة في معركة الطف وقفة لن تنسى وقفة اجلال وتضحية وانسانية وكان لها دور لن يمحى على مر العصور فجميع الصحابة والانصار الذين وقفوا خلف الامام الحسين كانت نساء مشرقات تسندهم وتشجعهم على التضحيات.

لذا ذهل العالم بتلك النساء اللاتي يحملن قوة وعقيدة عجز اكبر العلماء من تفسيرها فكيف بتلك المخلوقة الرقيقة التي عندما يمرض ابنها تتمنى الموت ولايجف دمعها الا بشفاءه تفرح بأستشهاده وكيف بتلك التي ليس لها سند يعينها غير زوجها الذي هو كل حياتها تسانده وتعينه من اجل الذهاب الى الموت.. فقد رخص الابن والاخ والزوج امام الحسين كانت النساء لهن استعداد القتال فداء للامام الحسين عليه السلام يالها من روح ايمانية رائعه.

سجلت المرأة في معركة الطف أدواراً متميزة في مشهد النصرة والفداء كانت من أنصع الصفحات وأكثرها إشراقاً في التاريخ الرسالي، وقد جاوزت المرأة في ذلك طبيعتها المعتادة في الحرص على سلامة أبنائها وأزواجها وتمني دفع الغوائل عنهم إلى الحالة الأسمى في التضحية بدفع الأبناء والأزواج معاً إلى سوح الوغى وحثهم على الصمود والبسالة فيها، وتقبل استشهادهم فيها بالرضا والاطمئنان!.

تعددت مواقف النساء في واقعة الطف وتلونت اشكال بطولاتهن ومن تلك النساء المشرقات والتي سجل التأريخ لها اكبر مواقف الشهامة والمبدئية العالية للمرأة فقد سجلت بطولاتها بدماء تضحية رضيعها وبدموعها وحزنها عليه... الام الثكلى وقصة رضيعها من فواجع القصص واكثرها دموية فهي التي بينت بشاعة بني امية وحقدهم على اهل البيت عليهم السلام.

لازالت صدى تضحياتها ترن في المجالس الحسينية والمآتم ولازالت النساء في وقتنا الحاضر تستلهم منها صور التضحية والاباء انها السيدة الرباب بنت أمريء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن حليم بن خباب بن كلب الكلبيه، كان أبوها نصرانيا من عرب الشام فأسلم ومن ثم خطب الإمام علي عليه السلام إبنته الرباب لإبنه الحسين عليه السلام فولدت له سكينة وعبد الله الذي قتل يوم الطف.

كانت الرباب من خيار النساء أدباً وعقلاً وعاشت مع زوجها الإمام الحسين عليه السلام حياة مليئة بالتفاهم والحب في الله والغيرة على الدين وتطبيق شرائع رب العالمين فَحَسَما موقفهما في الطف عندما أجتمعوا على مواجهة الباطل في موقف من أعظم المواقف التي تقف المرأة الى جانب زوجها وتأزره وقفت عليها السلام بوجه الباطل وكانت نعم السند الى زوجها عليه السلام ونعم الزوجة الصالحة الابية التي تقف الى جنب زوجها موقف مشرف.

عاشت الرباب مصيبة.. ماأعظمها من مصيبة لقد أظهرت قمة حزنها وعظيم مصابها عندما تلقت فاجعة استشهاد رضيعها الذي قد هلك من العطش وهرعت به الى والده الامام الحسين عليه السلام عسى يستطيع ان يسقيه رمقة ماء لكي يهدئ صراخه وكان جزاء طلبه الماء ان يرجع جثة بدون رأس الى امه وهي ترى هذا الموقف الحزين ورضيعها مذبوح من الويد الى الوريد.

ان فاجعت صغيرها (عبدالله الرضيع) قد هزت عرش السموات الارض طفل يروي رمق عطشه بدماءه التي سالت على فمه لذا كانت فاجعته رسالة وصلت الى اذهان الاجيال تتحدث عن فاجعة جرم بني امية لكنها تحملت واخفت الم فاجعتها والم فراق صغيرها بهذه الطريقة البشعة وقالت انه فداء لك يااباعبدالله اي اخلاص واي وفاء تتحلى به تلك السيدة الجليلة خافت ان تحزن على صغيرها امام زوجها ولم تجعله يلحظ حزنها والمها وواصلت ذلك الى وقت استشهاد سيد الشهداء اباعبدالله الحسين عليه السلام.

ثم أخذت الى الشام مع السبايا، وصبرت صبرا جميلا؛ لأنها كانت من مخدرات الرسالة معروفة بولائها ومحبتها لإمامها في حياته وبعد مماته، وعندما رجعت إلى المدينة خطبها أشرافها وأثريائها، ولكنها كانت تحمل بين جنبيها روحاً متافنياً في الرسول وآل الرسول فرفضتهم، بهذا الكلام: ما كنت لأتخذ حموا بعد رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَاله وسَلَّمَ، فلم تتزوج.

ايضا من صور التضحية والاباء الوفاء انها بقت عند قبر الإمام الحسين عليه السلام سنة لاتفارقه، هذه المرأة العظيمة التي جلست في بيتها لم تستظل تحت سقف، فرفعت سقف دارها مواساة للإمام الحسين )عليه السلام) الذي بقى ثلاثة أيام تصهره الشمس، وحزناً على رضيعها المفطوم بسهم المنايا، وبقيت تذرف الدموع إثر الدموع تبكي ليلها ونهارها على فقدان زوجها ورَفيق دربها، وفلذة كبدها الطفل الرضيع عبد الله، فما أعظم باب حزنها الذي يدمي القلب.

اضف تعليق