من كرم الله وفيض لطفه السخي الخالص من الشك ان اختار الجنة ابتداء لادم، والجنة كما تعلمون ليست حديقة او بستان كما يظن البعض، انما الجنة نظام حياة كما يقول فيها تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (*) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى }[1]، وطلب منه جل وعلا: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }[2].
فالخيار الاول - والذي لازال قائما لادم وذريته - هو الجنة بشرط طاعة الله تعالى، وعندما تعثر هذا الخيار واكل ابونا ادم وامنا حواء من الشجرة خالفنا نظام الجنة ولم يعد بقاؤنا ممكنا في الجنة وفقا لنظامها، عندها عاد الله علينا بفضله وفيض لطفه مرة اخرى وجاء الخيار البديل لنعود الى الجنة وهو ارسال الرسل: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [3] فالهدى من الله هم الرسل والكتب والبينات النازلات على الرسل عليهم السلام.
فكانت رسل الله تعالى على البشر تترى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ }[4].
تترى اي بدون انقطاع يتلوا بعضهم بعضا. كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد: (بلى اللهم لا تخلوا الارض من حجة لله إما ظاهر معلوم أو خائف مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته [5].
والحسين عليه السلام بما هو سبط الرسول وريحانته، وسيد شباب اهل الجنة، والإمام المفترض الطاعة المطهر بإرادة الله تعالى من الرجس، والمنصب من قبل الله تعالى على الناس، هو امتداد لظاهرة الرسل وهو الهدى الذي يجب ان يتبع ففي علة ارسال الرسل الى الناس قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ} [6].
فالنظام الظالم اي كان مرفوض تماما من قبل الله تعالى ولذا جاء من الحسين عليه السلام في بعض من وصيته وهو يودع محمد بن الحنفية رضوان الله عليه (وأني لم أخرج أشرا، ولابطرا، ولا مفسدا، ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي على بن أبي طالب عليهما السلام، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد على هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين [7].
فالحسين هو الحجة التي لا تخلو الارض منها، فهو امتداد لظاهرة الرسل عليهم السلام. وبالفعل فقد رسم بوجوده وبنهضته وبما تلا تلك النهضة المباركة من حسرة وذكرى رسم واقعا رساليا بالضبط كما كان يرسمه الرسل في واقع الناس الا ان الحسين عليه السلام زاد سعة في التأثير على الرسل بدوام قيام هذا الواقع الرسالي الى قيام يوم الدين موصولا لقيام الحجة من ولده عجل الله تعالى فرجه الشريف. ولم ينتهي كما عند الرسل بموتهم.
غايات ارسال الرسل عليهم السلام:
أولا- ليقوم الناس بالقسط:({لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ} [8].
وتحت هذه الغاية هدفان للرسل علبهم السلام هما: نبذ الظلم، وعداوة الظالمين؛ باعتبار ان الظلم صفة جامعة لكل القبائح بما فيها الشرك و(ان الشرك لظلم عظيم).
الثاني - نشر القيم الانسانية الراقية وإشاعة الفضائل وفق نموذج معصوم هم عليهم السلام يمثلونها بسيرتهم.
وكان الحسين عليه السلام بما قدمه من تضحيات وبما كان عليه من خلق شامخ في عز الله، وبما رسمه على الارض للناس من مبادئ في نهضته مقابل الظالمين من اعداء الاسلام والمنافقين والمتخاذلين، انما رسم بغضا للظلم والظالمين تعزز في النفوس، ورسم لشخص المعصوم صورة تحدثت عنها النخب العالمية من المفكرين والعباقرة ولم تدرك تمامها.
ومع تكرار ذكرى نهضته في كل عام وبما يحي تلك الذكرى من شعائر تتكرر غايات وأهداف الرسل عليهم السلام.
وكما كان الرسل الخيار الثاني لعودة ابناء ادم للجنة صار الحسين عليه السلام سبيلا للجنة ايضا.
وللحديث صلة بحول الله تعالى.
اضف تعليق