تحسين البيئة وتنمية وتطوير المواقع الدينية والتاريخية والأثرية وإظهار معالمها بالمظهر اللائق تُعد من الأولويات المهمة التي لا غنى عنها وهي جزء مكمل للسياحة، ولذا ينبغي الاهتمام بمميزات فنون العمارة الإسلامية ليس لإثراء الجانب السياحي فقط، وإنما لتنمية مشاعر الاعتزاز بالذات والوعي الذاتي ولتطوير وإحياء...
نجحت العديد من الدول الإسلامية في الحفاظ على تراثها وفنون عمائرها الإسلامية، حرصاً منها على إبراز الجوانب الحضارية المتميزة لمدنها أمام الزوار والسياح، مما ساهم في تطوير قطاع السياحة في تلك الدول بشكلٍ كبير وملحوظ، كما نشاهده اليوم في مدن أصفهان وسمرقند وبخارى واسطنبول ودمشق والقاهرة ومراكش وغيرها من المدن الإسلامية الأخرى، ومعالم الحضارة الإسلامية في البلدان غير الإسلامية والتي أصبحت مزاراً لملايين السياح من أرجاء العالم كافة، كالأندلس في أسبانيا وتاج محل في الهند والمساجد المنتشرة في دول البلقان.
وعلى الرغم من أن العتبات المقدسة والمباني الدينية الأخرى تشكل عنصر الجذب الأساسي في مجال السياحة -خصوصاً السياحة الدينية-، إلا أن تحسين البيئة وتنمية وتطوير المواقع الدينية والتاريخية والأثرية وإظهار معالمها بالمظهر اللائق تُعد من الأولويات المهمة التي لا غنى عنها وهي جزء مكمل للسياحة، ولذا ينبغي الاهتمام بمميزات فنون العمارة الإسلامية ليس لإثراء الجانب السياحي فقط، وإنما لتنمية مشاعر الاعتزاز بالذات والوعي الذاتي ولتطوير وإحياء التقاليد المعمارية الراقية باعتبارها فنوناً حية وفاعلة تلعب دوراً مهماً في تعزيز السياحة، ولابد من الاهتمام أيضاً بالجانب الجمالي والفني للعمائر الجديدة من أجل إيجاد مضمون إسلامي فاعل ومؤثر يتناسب مع أهمية الدور الذي تقوم به هذه العمائر.
إن جميع الدلائل تشير إلى إمكانية أن يتمتع العراق في المستقبل بمكانة سياحية مرموقة في منطقة الشرق الأوسط بسبب موقعه الجغرافي المتميز ومكانته التاريخية والحضارية والدينية، واحتضانه للعديد من مراقد الأنبياء وأئمة أهل البيت عليهم السلام، بالإضافة إلى مراقد بعض أئمة المذاهب الإسلامية الأخرى والصحابة وشيوخ الطرق الصوفية، ولما تزخر به عمائرها من قيم جمالية وفنون مميزة تتمثل بمختلف أنواع العناصر والمفردات المعمارية الهندسية منها والزخرفية، كالقباب والمنائر والعقود (الأقواس) والأروقة والأواوين والصحون (الساحات الداخلية المكشوفة) والزخارف بأنواعها خصوصاً المقرنصات المعقدة والزخارف القاشانية والجبصية والآجرية، بالإضافة إلى الزخارف الخشبية، وبالخصوص الشناشيل (المشربيات)، إلى جانب ما يتميز به العراق من المواقع الأثرية والسياحية... كل هذه تعتبر من أهم خصائص ودعائم مقومات السياحة بشكل عام والسياحة الدينية بوجه خاص.
إن النهوض والارتقاء بالواقع السياحي في العراق وتطويره، يتطلب الاعتماد على الخطط والدراسات العلمية السليمة لإعادة تخطيط المدن العراقية وتطويرها عمرانياً، ومن هنا فلابد من السعي لتقوية العلاقة ما بين السياحة وفنون العمارة الإسلامية – والتي ينظر إليهما المعماريون والفنانون باعتبارهما متلازمتين مع الجمال والروح وعبق التاريخ والحضارة والقيم والعادات والتقاليد -، بحيث يتم تحويل المدن الإسلامية والدينية بوجه الخصوص إلى متاحف إسلامية رائعة تُمتّع نواظر زائريها وتوفر لهم سبل الراحة النفسية والجسدية، وتمكّن السياح من زيارتها للاطلاع على معالمها المميزة حتى وإن لم يكن ذلك من ضمن برنامج زياراتهم.
وقد لعبت الثقافة الإسلامية دوراً مهماً في تشكيل البنية العمرانية للمدن الإسلامية خصوصاً الدينية منها، وبأسلوبٍ جعل شُهرتها تصل إلى الآفاق، لما تتميز به من معالم دينية وتراثية كالعتبات المقدسة والمساجد والمدارس الدينية والأسواق القديمة والخانات والبيوت التراثية وغيرها، والتي كان لعناصرها ومفرداتها المعمارية تأثيرها الواضح على الطابع المعماري الجميل لهذه المدن المقدسة.
لقد أصبح التراث المعماري الإسلامي في المدن الدينية المقدسة في العراق يشكل جانباً مهماً من الحضارة الإنسانية، وهو يواجه تهديدات بيئية واجتماعية واقتصادية وإرهابية من شأنها أن تؤدي إلى تـشويهه كما حدث في مدينتي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة حيث تعرضت أجزاء كبيرة من معالمها الإسلامية إلى التشويه والخراب خلال العقود الثلاثة الماضية، وتبدلت ملامحها العمرانية بشكل كبير وواضح عمّا كانت عليه قبل قرون عدة، وتطاولت عليها مباني مشوهة لا تمت إلى الأصالة والتراث الإسلامي بصلة، بسبب التخلف في الرؤية العمرانية والفنية والفكرية وكذلك نتيجة للتعصب والنظرة الضيقة، وقد يتعرض التراث المعماري الإسلامي في بعض المناطق إلى التدمير، كما حدث للروضة العسكرية في مدينة سامراء، حيث قام الإرهابيون بتفجير قبة ومئذنتي مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام وتعتبر قبة المرقد من أكبر القباب الموجودة في العراق إذ يبلغ قطرها حوالي 18 متراً، وكذلك محاولة تفجير الحضرة القادرية في بغداد وغيرها من المساجد والجوامع والحسينيات ودور العبادة عموماً.
ومن أجل إحياء التراث المعماري الإسلامي فلابدّ من إقامة نماذج عمرانيةٍ حيّة تنبع من عاداتنا وثقافتنا الإسلامية العريقة بأصالتها، وهو ما يساهم في تطوير المعايير الثقافية والقيم الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية. وينبغي أن تحقق هذه النماذج الأبعاد الجمالية لفنون العمارة الإسلامية في شكلها المحافظ على الزخرفة والنقوش الإسلامية وأن تكون الإضافات مستلهمة من تصاميم المباني الدينية والتراثية الرائعة، واختيار الألوان المناسبة للمباني الجديدة خصوصاً المطلة على الشوارع العامة والأزقة حيث يعتبر اللون شرطاً أساسياً للبناء.
وأن يعتمد نمط العمارة الإسلامية وباستخدام عناصر الموروث البنائي المحلي، بحيث تبدو واجهات الأبنية وكأنها لوحات فنية رائعة، والاهتمام بجوانب الشوارع والأزقة والممرات وكذلك العناية بالساحات العامة ومفترقات الطرق وتزيينها وإزالة كل آثار التشويه العمراني خصوصاً داخل المدن الدينية القديمة.
وهناك أيضاً يجب التقيد بالارتفاعات العمرانية خصوصاً في المدن الدينية المقدسة، بحيث لا تتعدى ارتفاعاتها عن ارتفاع الأسوار الخارجية للروضات المشرفة، وإيجاد فضاءات ومتنفسات داخل المدن القديمة.
إن عراقة المعالم الجمالية للمدن الدينية المقدسة في العراق وشموخها يكمنان أساساً في تراثها الحضاري وفنها المعماري ذي الطراز الإسلامي المتميز، ولذا فإن الاهتمام بإظهار هذا الجانب هو ما ينبغي أن يحظى بالأولوية، وهذا بالتحديد ما تفعله العديد من البلدان في العالم حيث تولي تراثها وعمائرها القديمة اهتماماً خاصاً.
اضف تعليق