تُعتبر اللغة جزءاً دائم التطور من الحياة، شيء يتغير مع الاستعمال. انها بالنهاية جزء اساسي من الثقافة وهو ما يفسر ايضا وجود ذلك العدد الكبير من اللغات واللهجات المختلفة. لكن هذا يعطي دفعا للسؤال الهام جدا: ما هو أصل اللغة؟ هل نحن نتعلم اللغة من محيطنا...
تُعتبر اللغة جزءاً دائم التطور من الحياة، شيء يتغير مع الاستعمال. انها بالنهاية جزء اساسي من الثقافة وهو ما يفسر ايضا وجود ذلك العدد الكبير من اللغات واللهجات المختلفة. لكن هذا يعطي دفعا للسؤال الهام جدا: ما هو أصل اللغة؟ هل نحن نتعلم اللغة من محيطنا الثقافي/الاجتماعي ام اننا نولد معها؟ وحتى عندما نرى اللغة جزءاً اساسيا من الثقافة، هناك ما يبدو بعض العناصر البايولوجية ايضا.
معضلة "الطبيعة مقابل التنشئة"
منذ وقت طويل كان الناس يتعاملون مع لغز "الطبيعة مقابل التنشئة". هل الطريقة التي نحن عليها هي بسبب اننا وُلدنا بهذه الطريقة ام بسبب الطريقة التي تربّينا عليها. هناك الكثير من الجدال من كلا جانبي النقاش. اذا كانت شخصيتنا موروثة من الولادة فلماذا لايصبح للتوائم الذين يحملون نفس الجينات الوراثية نفس الشخصية؟ وعلى الجانب الآخر من العملة، لماذا يصبح الاخوة او الأقرباء الذين ينشأون ويتربّون على نفس الطريقة اناساً مختلفين جدا؟
النقاش في اللغويات Linguistics
يستمر هناك ايضا جدال مشابه في عالم اللغويات حاليا. فمن جهة، هناك عقيدة بان اللغة جزء من الثقافة، وفي الحقيقة، هي امتداد للثقافة ذاتها، ولذلك، هي تعتمد عليها كليا. هذه الفكرة تتطابق مع حقيقة ان اللغة تطورت جنبا الى جنب مع الثقافة البيئية. الجانب الآخر من النقاش هو ان هناك عنصر بايولوجي قوي في اللغة. بالطبع، هذا الجدال ممكن فقط عندما نتعقب اللغة الى شكلها المحكي وليس الى التمثيل المصطنع الحالي في شكلها الكتابي. لوحظت اللغة في شكلها المنطوق، كجزء من الاختيار الطبيعي الداروني في الطبيعة. الرجل الذي أعلن هذه الفكرة هو نوم تشومسكي Noam Chomsky، الكاتب الامريكي الشهير في أعماله الليبرالية السياسية، وهو ايضا له الفضل في التطور الهام للّغويات.
فرضية تشومسكي Chomsky’s Hypothesis
اقترح تشومسكي، في نهاية الخمسينات من القرن الماضي فكرة اننا ننطوي وراثيا على حاسة الكلام. هذه الفكرة تأتي مع مفهوم "القواعد العالمية"، وهي سمة معينة تساعدنا في بناء الجمل والدلالات. هذا المفهوم يدعم رؤية تشومسكي باننا يجب ان نكون مبرمجين وراثيا لنتكلم بدلا من التقليد من ثقافتنا وبيئتنا، كلامنا يرتكز على مخطط او وصفة انطبعت فينا منذ الولادة.
هذه الفكرة وجدت عددا كبير من المؤيدين لها، وكنتيجة لذلك، جرى اشتقاق النظرية ونالت الكثير من القبول.
الأسباب التي تدعم فطرة الكلام
حقيقة ان جميع الناس بالنهاية يتعلمون الكلام انما تعتمد على فكرة تشومسكي. ذلك الجدال تعزز بحقيقة ان الطفل المعاق ذهنيا هو دائما قادر على ان يتعلم الكلام في غضون عدة سنوات من تعرضّه للّغة. كذلك، فرضية العمر الحاسم، التي توضح كيف تتضائل القدرة على تعلّم الكلام مع العمر، تثبت هذه الحجة في محاكاة مراحل النضج الطبيعي وتؤشر باتجاه الاشتراك البايولوجي في عملية تعلّم اللغة. استنتاجات بايولوجيا الأعصاب، كتلك التي وُجدت في بحوث مستنتجة من حالات الضرر الذي يصيب مراكز الكلام في الدماغ، ايضا تدعم صحة فكرة "الفطرة" في المقدرة اللغوية.
اخيرا، اكتشاف الجين الوراثي (Foxp2)، يُعتقد انه يحتوي على مظاهر تعطينا القدرة على التحدث، كل ذلك يؤكد وجود عنصر بايولوجي للّغة. غير ان هذه الفكرة واجهت انتقادات ايضا، في تأكيد دور الثقافة والمجتمع في صناعة اللغة.
الحجج الداعمة للاصول الثقافية للّغة
الدعم الاساسي لفكرة ان اللغة تأتي من الثقافة ينبثق من طبيعة اللغة: انه عنصر سوسيوثقافي هام. المنظّرون المنتمون الى هذه المدرسة من الافكار يعتقدون ان الفهم الثقافي دائما مرتبط باللغة، ولا وجود لدافع بايولوجي. تجريبيا، لوحظ ان الأطفال المعزولين عن الاصول السوسيوثقافية للّغة في سنوات تكوينهم الاولى، كانوا غير قادرين ابداً على تعلّم كيفية الكلام. وبعيدا عن إثبات صحة فرضية العمر الحاسم، فان هذه الملاحظة ايضا تستجوب فكرة امتلاكنا لفهم فطري للّغة. هناك اسئلة قوية بشأن دور الذكاء في القدرات اللغوية. بما ان الاعتماد القوي على المقدرة يكمن في العقل، يتبع ذلك ان العكس صحيح ايضا، مفترضا ذكاءً متدرجا تكمن فيه اللغة، وهذا يُضعف العديد من حجج كومسكي.
الموقف من القدرات اللغوية الفطرية
حتى مع وجود حجج لكلا الجانبين من النقاش، تبقى فكرة ان اللغة مشفرة فطريا في جيناتنا تجد الكثير من المؤيدين لها لأنه من السهل ملاحظة الدليل على ذلك حولنا في كل يوم. فمثلا، لم يُعثر على اي جماعة بما فيها الجماعات البعيدة لا تمارس الاتصال. فطريا، الاطفال الرضع يثرثرون كما لو انهم يحاولون الكلام، وبالنهاية يتعلمون الحديث. بالمقابل، حتى عندما تستطيع بعض الحيوانات فهم عواطف الانسان، والبعض ربما يقلّد عدة كلمات او جمل، لكنها لا تمتلك احساس باللغة. حتى بعد التحقق من هذه المقدرة، أكدّت البحوث عمليا انها تطورت قبل انتقال الانسان من افريقيا.
محاولات تجاوز المعضلة
الغريب في ظاهرة فرضية الفطرة، مع انها واضحة لكن طبيعتها المثيرة للجدل تسود بين الناس المتعلمين. قد يكون هناك احساس بالكراهية لفكرة ان اللغة هي مقدرة فطرية وليست شيئا مكتسبا نتيجة العمل الشاق او التشرّب من الثقافة والمجتمع. يبقى الموضوع مسيّسا تقريبا وله استقطاب شديد في كلا الجانبين من الجدال.
هذه القضية تسود في عدد هائل من الكتب لدى كل من طرفي الجدال. اليوم يمكن العثور على مزيد من الكتب التي تساهم في فهم هذه القضية. ومن بين الكتب اللامعة كتاب ستيفن بنكرس (غريزة اللغة). ومع ان الكتاب مطول نوعا ما لكنه يعرض حججا هامة حول فرضية تشومسكي. وعلى الجانب الآخر نجد كتاب (تعليم حواء: مناقشة غريزة اللغة) للكاتب جفري سامبسون وهو كتاب مختصر نجح فيه الكاتب في ان يعرض نقدا شاملا ليس فقط لحجة بنكرس وانما ايضا لجدال تشومسكي بشكل عام. في كتابه "تعليم حواء" يشير سامبسون الى ان حواء لم تولد وهي تعرف، وانما هي كانت جاهلة لكنها متعلم جيد.
استنتاج
حول أصل اللغة يعتقد بعض المنظّرين ان اللغة نشأت كتطور لثقافتنا، بينما آخرون يرون ان هناك فينا فهم فطري معين للّغة.
القواعد العالمية هي فهم فطري للقواعد التي يعتقد بعض المنظرين ان جميع البشر يمتلكونها والتي هي الأساس لفهمنا للغة.
فرضية تشومسكي تقول ان اللغة مغروسة فينا وراثيا بالولادة، واننا فطريا نعرف كيف نتصل.
اضف تعليق