خلل الوعي الذي أفرزته الحضارة الغربية على صعيد العالم أدى إلى قيام أزمة علاقات وأزمة أولويات يحددها هذا الوعي بطريقة مسبقة وهو ينظر إلى الموضوعات والمصاديق، وهذا هو مرض العصر الذي لا يختلف عليه اثنان. ولا يدّعي أحد أن العصور التي سبقت سيادة الحضارة الغربية...
لم تواجه البشرية قط (مشاكل ضخمة كالتي تفرض نفسها عليها اليوم؛ فوراء الخصومات السياسية ووراء النزاعات القومية - الاقتصادية المسلحة مفهوم مشترك يفرض نفسه، هو مفهوم أزمة عالمية تجرنا إلى المجازفة متضامنين، وفي موازاة ذلك فإن شدة هذه الأزمة وخطورتها على مستوى القرون مقدّرتان تقديراً أفضل، وإننا لندرك أنها لا مثيل لها في الماضي وأنها لتتحكم بمستقبلنا كله، نحن شعوب الأرض) (1).
هذه الأزمة التي طغت على سحنة عصرنا الحاضر بوضوح، لم تكن وليدة اللحظة الحاضرة بل كانت نهاية طبيعية لمسار قطعته الحضارة الغربية الحديثة، والتي تشكلت (فيما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، وبلغت نهايتها القصوى مع مطلع القرن التاسع عشر، إذ كان التطور الشامل قد أدى إلى (فك السحر) - حسب وصف (ماكس فيبر) عن آخر ميادين الحياة في أوربا - ويعود إلى هذا العصر (الفضل) في خلق ثقافة لا دينية عقلانية على أثر التفكيك التدريجي والمستمر للتصورات الدينية عن العالم) (2)، وكان التطور الأخطر هو إسراعها لتعمم على أرجاء الكون عندما عملت على (إحلال الثقافة الغربية الليبرالية أولاً، والماركسية ثانياً محل الثقافات التقليدية الإسلامية والبوذية والهندوسية والكونفوشيوسية) (3)، موجهة بذلك ضربة قاصمة إلى طرائق الوعي التي تأسست عليه هذه الحضارات، فمنحت شعوب الأرض التوازن الضروري لقيام حياة متعادلة تعيش فيها الروح والأخلاق إلى جانب المنجزات المادية بوئام تام، بحيث لا تتم التضحية بالبناء الأخلاقي والديني لصالح المصالح المادية، مما يجعل الإنسان معنياً بإشباع حاجاته الغريزية بدرجة رئيسية، وهذا يعني تفاقم النزاعات والصراعات ومشاكل البيئة وغياب التفاعل السلمي للحضارات.
الأزمة وخلل الوعي
إن خلل الوعي الذي أفرزته الحضارة الغربية على صعيد العالم أدى إلى قيام أزمة علاقات وأزمة أولويات يحددها هذا الوعي بطريقة مسبقة وهو ينظر إلى الموضوعات والمصاديق، وهذا هو مرض العصر الذي لا يختلف عليه اثنان.
ولا يدّعي أحد أن العصور التي سبقت سيادة الحضارة الغربية الحديثة كانت عصوراً بلا أزمات، لكن الأزمات تلك لم تكن تتعلق بأسس الوعي ونظم المرجعيات، بل كانت متعلقة بالمعالم الخارجية والبنى الفوقية، كما أن الأزمات إن وجدت كانت محدودة برقعة جغرافية معينة ولا تتعدى إلى حضارات أخرى، وكان بإمكان أي حضارة أن تمارس حياتها المستقلة بكل حسناتها وسيئاتها.
أما العصر الحديث فإنه نقل كل شيء إلى أفق عالمي، وهاجم أسس الحضارات، فانهارت ولو كان لانهيارها أصوات تشبه أصوات انهيار الأبنية لكنا سمعنا أصواتاً مدوية تنبعث من جميع أصقاع الأرض؛ لقد حولت الحضارة الغربية العلم والعقلانية إلى دعامة وحيدة لبنائها الداخلي، وفي نفس الوقت حولته إلى معول يضرب الأعمدة التي أقيمت عليها الحضارات الأخرى، ذلك أن العالم بجميع حضاراته تقريباً كان عالماً يلعب فيه الدين الدور الرئيسي، فإذا انهار هذا الدور علمنا خطورة الأداء الغربي، الذي قاد إلى هدم الدين دون أن يقدم بديلاً للحضارات يمكّنها من الاستمرار في حياتها بكيفية مشابهة لحياتها السابقة قبل عهد الاستعمار الغربي.
إن ما حدث يشبه القيام بتقويض أعمدة خيام قوم وترك ساكنيها في العراء، بدعوى أن هذه الخيام قديمة وأن نسيجها غير سليم، فالحضارة الغربية عرّت الإنسان الغربي نفسه وجعلت منه أنموذجاً لحياة التشرد في صحراء اسمها (العقل)، جعلت منه أكثر البشر حاجة للهدوء والأمن الذي كان إنسان التخلف ينهل منه بغزارة مثيرة لإعجاب الإنسان المتقدم كلما سنحت له فرصة لمعايشة الحضارات الأخرى.
الحضارة الغربية شرعنت العودة إلى الماضي اليوناني بالاستفادة من سلاح جديد أنتجته العصور الإسلامية، فسمحت لأنماط سلوكية بالعودة بينما كان لابد لها من أن تقبر لأنها تنتمي إلى ألفي سنة من الماضي البائد، لقد سلخت العلم الذي ولد في إطار الحضارة الإسلامية من إطاره الإنساني الذي ولد في أحضانه، فتحول إلى سوط يجلد صاحبه ويحرمه من لحظات التوقف والاستراحة عندما أنتجت آليات التسارع التي لم يعد بمقدور الإنسان التحكم بها.
إن الأزمة وببساطة وبهذا الوصف يتفق على قيامها ووجودها عدد كبير من المفكرين غربيين وشرقيين، كما يتفقون على أن منشأها عائد إلى اختلال التوازن بين الروح والمادة وبين الغريزة والمثل الأخلاقية، ذلك التوازن الذي هشمه العلم عندما فك ارتباط الحياة بالدين وقدم نفسه بديلاً عنها، عندما تحكمت بهذا العلم مناهج خاصة ضيقت من دائرته لتسلب الدين كل ذرائع البقاء والوجود، لأن الدين كان هو الخصم الأيديولوجي، ولذلك فإن هذه النتيجة قاد إلى بروزها العلم بمناهجه الغربية، وليس العلم بإطلاق الكلمة.
الأزمة.. موقف من الدين
هذه ببساطة صورة الأزمة في مقاربة أولية تحدد بدون تردد انحصار سبب قيام الأزمة المعاصرة (بالموقف من الدين)، ذلك الموقف الذي تم تعميمه على جموع البشر في كل أصقاع الأرض لتنطبع معالم البؤس عليهم جميعاً، فالغرب انتفع من التقنية وحصل على الثراء عن طريق الاستعمار، لكنه تضرر مما لحق به من فقدان الروح والأخلاق، أما بقية البشر فقد خسروا الإيمان والثراء التقليديين معاً، فتكون المحصلة تعاسة يرتع فيها جميع بني الإنسان، وفقراً يعمّ ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وتخمة في الغرب، وفقداناً عاماً للقيم والأخلاق والروح يتفشى في الأرض كالنار في الهشيم.
فهذه الوقائع تشير بلا شك إلى أزمة؛ يجب معرفة منشؤها كمقدمة لعلاجها؟!.
منشأ الأزمة
إن أصل الأزمة كما مر تأكيده ينحصر في تحديد علاقة المجتمع بالدين، فالفرق بين الحضارات القديمة والحضارة الحديثة يتمثل في أن الحضارة الأخيرة نزلت بعالم السماء إلى الأرض، وزعمت أن الدين هو عبارة عن نتاج العقل الإنساني، فقطعت صلة الإنسان بالسماء وقيم السماء.
هذا الموقف برز في العصر الذي عرف بـ(عصر الأنوار) كموقف نقدي للدين المسيحي، وصار يتحول تدريجياً إلى موقف علمي يؤسس رؤاه على أساس نتائج بعض العلوم كما يدعي وقد بلغ أقصى مداه عندما صار علم الاجتماع يقدم أدلة تدعم تبنيه لهذا الموقف، وهو بالطبع يعكس عملية التحول من الأيديولوجية إلى العلم..
وعلى هذا فإن محور الأزمة يقوم على أساس انتشار الأفكار التي عالجت أصل الدين ومنشأه، وهي مهمة أسندت إلى علم الاجتماع الذي (تشكل مهمة تحديد الدين وتحليل أصوله في المجتمع قضايا مركزية في حقل علم الاجتماع الديني والعلوم الاجتماعية والنفسية الأخرى) (4).
ويتأسس الموقف من الدين وبالتالي تحديد أصله ومنشئه على المنهج الذي يمارسه علم الاجتماع، وهو منهج خاص يعتمد على قراءة تاريخ الدين ودوره، فهو يقرأ الدين كما هو في الواقع المعاش والمعاصر، وكما سجلت لنا كتب التاريخ دوره وحركته في المجتمعات والأعصار المنصرمة.
فهذه القراءة تضع نصب عينيها ما هو قائم ومتحقق بالفعل من الفكر والممارسة الدينية كأرضية لإصدار الأحكام؛ ولذلك فهي لا تخرج عن الواقع سواء أكان واقعاً معاصراً أم واقعاً تاريخياً، سجلت لنا الكتب والحفريات معالمه.
فالدين هو تلك المعتقدات والطقوس التي مارسها البشر خلال الأحقاب الماضية وفي العصر الحاضر، وهذا المنهج سيؤدي إلى ضياع المائز الذي يفصل الدين عن ما سواه، فيساوى بينه وبين بقية مظاهر الحياة الاجتماعية، وهذه هي إحدى النتائج الخطرة المترتبة على أصل عملية الإدراج.
نقد المنهج
بالإضافة إلى أن هذا المنهج يؤدي إلى ضياع المائز بين المعتقدات الدينية مع أنها مختلفة ومتباينة ويصبح بالإمكان النظر إليها كشيء واحد اسمه الدين، وهذا طبعاً لا يمكن التسليم به لأن بعض الديانات تنزل بالإنسان ووعيه إلى أسفل السافلين، بينما تؤدي ديانات أخرى إلى السمو بالإنسان وتساعده على التماسك الاجتماعي فتؤدي بذلك مهاماً غاية في الرقي في الحياة الاجتماعية.
ويضاف إلى ذلك أنه يتكئ على تعريف خاص للدين غاية في السعة، يضم بين جنباته عدداً هائلاً من المعتقدات متفاوتة المعالم، لا يجمع بينها إلا القليل من الأسس، وبالتالي لا يجد مبرراً كافياً لدراستها بمعزل عن باقي معتقدات الإنسان غير الدينية، وهكذا يصار إلى تدعيم النظرة السلبية عن الدين، دون أن يلاحظ أن العدد الأغلب من الديانات قد تسربت إليها الإضافات، فيضيع القليل السليم الذي لا نشك في وجوده (ضياع الأخضر بسعر اليابس).
وعلى سبيل المثال فإن (جورج سيمل (1858-1918م) ) - وهو من الباحثين الرواد في حقل علم الاجتماع - أكد على أسبقية المجتمع على الدين؛ فقال: إن أنماط التفاعل الاجتماعي والقيم المتصلة بها هي نفسها غير دينية، وهي التي تركت آثارها العميقة في الدين، بل إن الكثير من المشاعر والتعبيرات التي تنسب للدين هي عناصر جوهرية من عناصر التفاعل الاجتماعي عامة، فالتأليه والالتزام والعبادة والمحبة أمور مشتركة في كل أشكال التجارب والعلاقات الإنسانية في مختلف العصور والمجتمعات، قبل ظهور الأديان وبعدها؛ إن المشاعر والتعبيرات والمعتقدات الدينية كافة وجدت أصلاً في المجتمع السابق للدين، ومن هنا أهمية القول بدراسة دور المجتمع في نشوء الدين وتطوره) (5).
فهنا نلاحظ المجازفة الأولى وهي التي تقول بوجود طور من الحياة الإنسانية سابقة على الدين، وهذا طبعاً مؤسس على نظرية تعتبر ظهور الدين مؤشراً على قطع الإنسان أشواطاً مهمة في التفكير، عندما حقق الدين (تعبيراً عن الحاجات الإنسانية للقيم والمبادئ الأخلاقية، والتغلب والتحرر من القلق والخوف والبؤس، أو لفهم معنى الحياة والإجابة على أسئلة غامضة محيرة للعقل البشري كمسألة نشوء الكون والمخلوقات، أو عن كل هذه الأمور مجتمعة.
وفي تحديد الدين قد يكون التركيز على الآلهة أو القوى الخارقة المتفوقة على الإنسان، أو على الصراع بين المقدس والمدنس والله والشيطان، ووحدانية الألوهية أو تعددها أو على التجارب الذاتية، أو على الوظائف والأدوار التي يؤديها الدين في المجتمع وحياة الفرد) (6).
وهناك أيضاً عملية فرز لا أساس لها بالنسبة لأنماط التفاعل الاجتماعية والقيم المتصلة بها بين أشكال دينية وأشكال لا دينية، ولأنها كذلك فإنها تركت آثاراً عميقة في الدين، وإذا تم نفي هذا التقسيم واعتبار هذه الأنماط غير منفصلة عن الدين فإن النتيجة تتهاوى تبعاً لذلك.
فالدين يدخل إلى وعي الإنسان فيكيفه ويوجهه، وعندئذٍ لا مجال لافتراض تفاعل اجتماعي ديني وتفاعل اجتماعي غير ديني، لأن كل نشاط الإنسان يرتبط بالوعي، ويرتبط الوعي بدوره بالدين؛ ولهذا فإننا نحتاج لتبرير هذا الفرز إلى القول بوجود تاريخ للإنسان سبق ظهور الدين!.
الدين والتاريخ
وهنا نلاحظ ضرورة تأكيد ما ينفي الفرضية القائلة بوجود هذا التاريخ الذي سبق ظهور الدين، وهي الفترة التي سبقت وصول الإنسان إلى درجة من النضج العقلي كفيلة بجعله قادراً على اختراع الدين، وبالطبع فإن افتراض وجود هذه الحقيقة التاريخية يحتاج إلى إثبات ولا يمكن إثبات ذلك؛ لأن المصادر التي بين أيدينا لا تتجاوز التاريخ الفعلي للإنسان، وهو يؤشر على أن الدين حالة سبقت بكثير التاريخ المعروف من خلال المدونات والحفريات.. وغير ذلك مما يعين على معرفة الماضي.
أما القول بوجود هذه الفترة من التاريخ فإنه يعتمد على نظرية التطور العضوي التي تقول بأن الإنسان تطور عن أشكال قريبة من الحيوان (القرود)، ثم تطور حتى ظهر الإنسان بأشكاله الأولى، وكانت مداركه قريبة من الحيوان ولا تسمح بظهور الأشكال المعقدة من التفكير كأشكال التفكير الديني.
وعندما نعتمد على نظرية التطور هذه، فإننا سنصل إلى نتائج تنقض أصل افتراض كون الدين نتاج عقل الإنسان، ولهذا فإن هذه الفترة سيتم الاستغناء عنها لنفي أصل الفرضية وهي فرضية كون الدين إنتاجاً بشرياً أو يصار إلى انهيارها نتيجة عدم ثبوتها بالأدلة المادية التي يعتمدها البحث التاريخي.
ولذا فإن أصل المنهج يحتاج إلى نقاش، لأنه يعطي الدين هذا التعريف ويعالجه كحالة موجودة في الواقع، نافياً كل ما له في هذا الواقع، ويمكننا أن نرى كيف ستختلف النتائج بمجرد أن نغير المناهج.
المنهج الآخر
إننا إذا أردنا اكتشاف الفارق في النتائج اعتماداً على تغير المنهج، فإننا وفق هذا الأساس نفترض وجود أكثر من منهج، وأن المنهج الذي يتبناه علم الاجتماع ليس المنهج الوحيد؛ ولهذا فإننا لسنا مضطرين إلى الولوج إلى أصل الدين عبره، خصوصاً أنه أيضاً لا يسلم من النقد وأنه لا ميزة له سوى كونه محاولة لمجاراة الميادين التجريبية للعلوم الأخرى، وبالتالي لا يمكن لنا اعتماد نتائجه لمجرد انطوائه على النية الطيبة.
وإذا أردنا الالتفات إلى طبيعة هذا المنهج المغاير، والذي يصفه جزافاً (حليم بركات) بقوله: (ليس الغرض هنا تحليل النصوص والمعتقدات الدينية المجردة وتوضيحها ومناقشتها بحد ذاتها، كما في منهج علوم الدين والمنهج السكوني الذي يعتبر الدين ثابتاً خارج التاريخ (فهو منهج مثالي ومعياري، لا يميز بين المثال كما يرد في النصوص والواقع كما يتجلى في السلوك، بل يخلط بينها ويعمم أحدهما على الآخر) ينطلق أصحاب المنهج السكوني المثالي من مستشرقين وعلماء دين وإسلاميين سياسيين خصوصاً في المجتمع العربي المعاصر، من فرضيات تعتبر الدين هو المفتاح الأساسي لفهم الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فيتم التركيز على النصوص المجردة، ومنها التعميمات المبسطة حول السلوك الإنساني باعتبار أنها تصدق في كل زمان ومكان) (7).
فما يفهم من النص السابق أن منهج التركيز على النصوص الدينية وحدها يدفعنا للخروج بأحكام على الدين توقع الإنسان في الاستغراق بالمثاليات وتجاهل الواقع ، وهذا يدفعنا إلى التساؤل كما يحصل في القراءات الاجتماعية، ألا يمكن لنا الوصول إلى طريق ثالث يقرأ الواقع كما يقرأ النص بالإضافة إلى قراءة العلاقة الناشئة بين النص والواقع؛ خصوصاً أننا نقرأ واقعاً لا ينفك عن النص، وبالتالي فإن النص الديني يفرز إفرازاته وتأثيراته الصارخة عليه؟.
ومن جهة أخرى ما هو منشأ القراءة النصية؛ فهل الدين هو المسؤول عن هذه القراءة أم نفس الجهة التي تمارس القراءة؟، وبالتالي إذا كانت القراءة مبتورة فيمكن القيام بإضافة البعد الناقص إليها لتصبح أكثر نضجاً وتكاملاً، خصوصاً أن البديل لا يعطي إلا نتائج ناقصة فتكون النتيجة أداء قراءة جديدة.
وفي النهاية فإن قراءة الدين ستكون وفق المنهج الجديد الذي يعتمد على معالم: أولها قراءة النص من زاوية علاقته بالواقع، وقراءة الواقع من زاوية علاقته بالنص، قراءة تقييمية (معيارية) للواقع من خلال النص، ليكون المجموع هو بالنتيجة الموقف من الدين.
ولهذا فإن الخطوة الأولى تقتضي إخراج الدين من دائرة علم الاجتماع؛ لأن كلمة علم تقتضي دراسة الوقائع المادية وهذا لا يمكن أن يصدق على الدين، ولكي نثبت ذلك فإننا نبدأ بقراءة النص.
قراءة النص
إذا كنا مجبرين على قراءة نص فإننا مجبرون كذلك على اختيار نص ديني بحد ذاته؛ ولذلك سنختار النصوص الإسلامية لأنها آخر النصوص المنزلة من السماء ولأنها سالمة من التحريف؛ ولهذا فهي ستكون مادة للخروج بنتائج قابلة للتعميم.
الدين الإسلامي يؤكد على ضرورة الفرز بين الدين وما يطلق عليه لفظة (دين)، هذه اللفظة التي تعني لغوياً (الطاعة وقد دنته ودنت له أي أطعته.. والدين لله من هذا إنما هو طاعته والتعبد له) (8)، فيقسم الدين إلى (دين حق) و(دين غير حق) ويقدم الضابطة في قوله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة * رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة * فيها كتب قيمة * وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) (9).
وعن تفسيرها جاء في الميزان:
(تسجل السورة رسالة محمد (ص) لعامة أهل الكتاب والمشركين، وبعبارة أخرى للملّيين وغيرهم وهم عامة البشر فتفيد عموم الرسالة.. وقوله (لم يكن الذين..) وهي في سياق يشير إلى قيام الحجة على الذين كفروا بالدعوة الإسلامية من أهل الكتاب والمشركين وعلى الذين أوتوا الكتاب حينما دب بينهم الاختلاف) (10).
وهنا يلاحظ تأكيد النص على أن الأمر الإلهي وهو معنى الدين حصراً يتلخص بـ(عبادة الله دون سواه) وهو معنى الإخلاص(11).
وحنفاء (جمع حنيف وهو الميل عن جانبي الإفراط والتفريط إلى الاعتدال) (12). ثم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وذلك دين القيمة.
فهذه جملة أوصاف لمعالم الدين الذي سماه القرآن دين القيمة، ومعناه كما جاء في الميزان (دين الكتب القيمة على ما فسروا، والمراد بالكتب القيمة جميع الكتب السماوية أعني كتاب نوح ومن دونه من الأنبياء(ع)) (13).
وإذا أمكن تبني هذا المعنى فإن القرآن يقسم الدين تقسيماً يختلف عن الوحدة التي يتبناها علم الاجتماع؛ فالقرآن يؤكد وجود دين القيمة الذي بين معالمه بهذه السورة كما أسلفنا وما عداه فإنه الكفر الذي قسمه أيضاً إلى (كفر أهل الكتاب وكفر شرك) والكفر هو نقيض الشكر وهو أيضاً مضمون اللادين (عدم الطاعة)، حتى وإن لبس لبوس الدين وأدى للاتصال بالله فإن الله ينفي صحة هذه الصلة ويرفضها.
وبالتالي فإن قراءة النص تؤكد على وجود أديان غير قيمة أو غير خالصة، ولهذا علينا أن نمتلك أدوات فرز بين هذه الأديان تقدم لنا المعيار الذي يصدق على الفترة التي وجدت فيها الكتب السماوية ومن خلال السورة السابقة.
ويترتب على قراءة النص سلب صفة الدين (الطاعة) عن الكثير مما يعده علم الاجتماع ديناً لأن الضابطة فيما نسميه ديناً هو الاتصال بالله عن طريق طاعته لينفتح أفق التواصل بين الواقع والنص ويصح تمثل الدين من خلال أشكال التفاعل الاجتماعي.
وبغير هذه الحالة فإن أشكال التفاعل الاجتماعي ستنطلق بمعزل عن النص حتى لو حاولت الاحتفاظ ببعض المظاهر والأشكال والطقوس وغير ذلك، فإن حالة الانقطاع بين النص والواقع ستلغي ضرورة دراسة هذا الواقع الاجتماعي على أنه ذو دين، لأن حقيقته اللادينية هي الحقيقة العميقة التي تختفي خلف المظاهر، ولهذا فإن الموضوعية العلمية تقتضي أن تتناوله بما هو وأن تبرز لادينيته، وبالتالي أنه لا يختلف عن بعد آخر من أبعاد المجتمع كالسياسة والاقتصاد، ولهذا فإن الأحكام التي ستخرج بها الدراسة يجب أن لا تعمم على الدين، وهذا ما لا يجرؤ علم الاجتماع على الإفصاح عنه، بل إن منهجه قاصر عن رؤية هذه الفاصلة الهامة التي تنتج عن استخدام المناهج غير الدقيقة، في التعامل مع بعض مناحي الحياة التي تحتاج إلى مناهج أكثر علمية، مما نريد أن نطلق عليه اسم علم في المناهج الغربية، خصوصاً أننا لا نريد أن نقرأ النص بمعزل عن الواقع بل نقرأه من خلال الواقع وهذه هي أهم صفات العلم.
قراءة الواقع
أما بالنسبة لتحليل الواقع فإننا سنضطر إلى دراسة الأديان كما هي عليه في الواقع الموجود أو كما سجل التاريخ صورتها.
فإذا وضعنا القراءة السابقة للنص كضوء في قراءة الواقع، فإن الإسلام أكد وقبل أن تقع أي عملية تحريف في متونه على أن التحريف والإضافة لابد واقعتان، وهو بذلك يقدر أن هذه الإضافة حقيقة من حقائق التفاعل بين الدين والمجتمعات البشرية، وهو حين يحكم بإدانة الإضافة والتحريف فإنه يطلب منا اتخاذها كمرجع في التعامل والفهم ثم التصرف على ضوئها.
ومن هنا نكتشف الدقة في التوجيه الإسلامي؛ ذلك أن علم الاجتماع سيكون صادقاً في وصف الأطوار الفعلية التي انتهت إليها الأديان، لأنها في محصلتها النهائية أديان عمل عقل الإنسان على صنع معالمها الرئيسية، لكن الإسلام لن يقف عند هذه النقطة لأنه يطالب بالسعي لمعرفة الأجزاء الأساسية في الدين، وهي الأجزاء الموحى بها من السماء، وغالباً ما يتم استيعابها في البنى الاجتماعية بطرق تنتج تعدداً غريباً في المعتقدات والأفكار، وأن كل دين يتمزق إلى أشكال لا حصر لها كلما تدخل الإنسان مضيفاً فهمه ومدركاته مازجاً رؤاه وتصوراته بوحي السماء.
ففي المحصلة النهائية نرى أن الرؤية الإسلامية والرؤية التي يخرج بها علم الاجتماع تتطابقان في دائرة من النظر إلى أصل الدين، وللإسلام قدم السبق في إصدار الحكم على هذه الدائرة إذ أنه أعلن قبل أكثر من ألف سنة بأن الإنسان تدخل في رسم أغلب معالم الأديان، وبالتالي فهي من صنع الإنسان، لكنه انفرد بأن هذا يصدق على أغلب معالم الدين وليس كله، فهناك دائرة من النص وفي الواقع لم تصل إليها يد الإنسان.
وبذلك تبنّى الإسلام نظرة متحركة للدين، على عكس ما يحاول البعض ادعاءه من أن نظرته سكونية؛ ذلك أن الإسلام قال بأن الدين يمر بأطوار استحالة فهو يبدأ بطور الضياء ذي المصدر السماوي، ثم تبدأ عملية التدخل البشرية حتى نصل في النهاية إلى دين أغلب معالمه تصرف في صنعها الإنسان، ثم لتبدأ ديانة جديدة لتعيد الدورة، ولذلك فإننا سنحصل على نسخ مختلفة للأديان في نهاية كل دورة، عن النسخة التي كانت لهذه الأديان في بداياتها السماوية، والاختلاف يأتي من مستوى تدخل الناس وتبعاً لفترة الظهور التاريخية وبحسب نوعية الشعب الذي يتعامل مع الوحي حذفاً وإضافة.
فبداية أي دين سماوية، ولكن نهايته أرضية، فبدايته وحي منزل من السماء، لكن الحالة التي ينتهي إليها يصنعها أتباعه بعد عدد من الإضافات والتحريفات والتفسيرات، وهو بذلك لا يختلف عن الطبيعة التي توفرها السماء للإنسان، فإما أن يحسن التعامل معها وينتفع منها بالصورة التي تجعلها تؤدي غرضها، أو أن لا يحسن ذلك فتنقلب إلى عكس دورها؛ وبعبارة أوضح: إن الدين يرتبط بوعي الإنسان، وبالتالي فإنه يتجلى من خلال ذات هذا الإنسان، سواء كانت ذاتاً فردية أو ذاتاً اجتماعية، ولهذا فإن الإنسان يشبه الوعاء وإن الدين يشبه الماء إذ يتخذ الماء شكل الإناء الذي يوضع فيه، وهذا يضفي على قضية دراسة الدين نوعاً من التعقيد، فالدين من جهة ينطوي على رؤية للكون والحياة ورؤية لأصل الإنسان ونهايته، ورؤية لما هو موجود، ولما يجب أن يوجد، وكل هذه المفردات تمتاز بنوع من التعقيد يحتاج إلى مستوى عال من الإدراك للتعامل معه، فمثلاً حين نريد أن نتصور الجنة أو الجحيم نحتاج إلى خيال وتجريد.
ومن جهة أخرى نحتاج إلى نظام عقلي متين ليوفق بينهما توخياً للخروج بصورة نهائية متناسقة، وكذلك بالنسبة للعلاقة بين الله اللامحدود وبين هذا الوجود المحدود، فهو ينطوي على الحاجة إلى عقل فلسفي، ولهذا فإن الإنسان ظل يتصور هذه الأمور بصور تتيح له تقبلها بحسب مستواه العقلي والثقافي، وتدريجياً تأخذ هذه الصور طابع الرسوخ والقداسة وتصبح من الدين مع أن أحداً لا يستطيع أن يؤكد ذلك، وهذا طبعاً ما حصل في دخول الآراء مثل كروية الأرض ومركزيتها للكون في الدين المسيحي عندما نالت القداسة دون أن تكون مما أوحت به السماء.
وعمليات التفسير هذه غالباً ما تمارس لأكثر من مرة، وخصوصاً عند انتقال الدين عبر الأجيال إذ يعمد كل جيل إلى إضافة فهمه له، وتتفاقم الحالة عندما ينتقل الدين من شعب لآخر فإن عمليات الإضافة تتوسع لأن الشعوب الجديدة ربما نقلت موروثاتها إليه، ولهذا فإن الأديان التي تبدأ في الشرق وتنتقل إلى الغرب - كما يؤكد عدد كبير من المفكرين وعلى رأسهم المفكر الفرنسي (روجيه غارودي) في كتابه (نحو حوار الحضارات) - فإن عملية تغير وإضافة تحدث بدءاً من لحظة الانتقال، ثم تتصاعد لتكون الديانة المنتقلة قد تغيرت ملامحها فتختلف عما تم في بلد المنشأ ومن قبل الشعوب التي نزل عليها الوحي.
ومن هنا فإن عملية الاستيعاب للدين ضمن ثقافة معينة ستؤدي إلى تغير معالمه، وهو طبعاً أمر لا مناص منه، وإذا اتخذنا الأديان التوحيدية مثالاً لهذا الأمر فإننا نجد أنها تعرضت إلى عدد من التفسيرات آلت في النهاية إلى تشويه معالمها، فالديانة اليهودية تحول الأنبياء فيها إلى أناس لا ينطبق عليهم وصف النبوة، ونفس الشيء بالنسبة للدين المسيحي، إلا أن العملية كانت على نطاق أضيق، وبالنسبة للإسلام فإن الرسول(ص) أعلن في عدد من الأحاديث بأن الكذب عليه سيكثر في زمان آت، ولهذا فإنه وضع معيار التطابق بين القرآن وبين السنة الصحيحة لقبول الحديث أو رده.
ويستثنى القرآن بعمل إعجازي من عمليات التزوير، تمهيداً لجعله معياراً في الحكم على الأجزاء المضافة إلى الدين الإسلامي ولعموم الديانات، وهو ما أكدته سورة البقرة في مواضع عدة.
ولذلك فإننا إذا نظرنا إلى الدين عموماً رأينا صوراً مشوشة لأفكار اعتقادية كالألوهية، والرابطة بين البشر والعالم الآخر، ومبدأ الإنسان ومصيره، هذه الصور لا تزال تزداد وضوحاً وعقلانية كلما تقدم الإنسان باتجاه العصر الحاضر، حتى نصل إلى أوضح صورها متمثلة بالقرآن الكريم، الذي لا يستطيع منصف وذا اطلاع كاف إنكار أنه وحي السماء.
فالمتأمل في النصوص الدينية في الحضارة البابلية مثلاً يرى معالم قريبة لما ورد في الديانات الراقية التي يعتبرها علماء الاجتماع أرقى أشكال الدين، وخصوصاً في جانب التشريعات، فمثلاً نجد قانون القصاص قد ولد عند البابليين بصورة قريبة مما هو موجود عند الديانات المعاصرة، فقد جاء في بعض النصوص ما يلي:
(إذا فقأ سيد حر عين سيد آخر تفقأ عينه، وإذا كسر عظمة سيد حر تكسر له عظمة، وإذا فقأ عين رجل من العامة أو كسر له عظمة فعليه أن يدفع (ميناً) من الفضة (المينا يساوي 60 ثاقلاً أو ما يعادل كيلو غراماً واحداً) (14).
الاضطراب يلاحظ أكثر في الجوانب الاعتقادية حيث نرى أن الدين في هذا المقطع قد كتب في فترة متأخرة بعدما شاعت الوثنية وانتشرت، وعليه يمكننا استنتاج هذا الأمر من خلال الإضافات الأسطورية التي أدخلت على حادثة الطوفان حيث أن أغلب معالمها جاءت شبيهة بمعالم قصة الطوفان القرآنية.
مع العلم أن الصياغة البابلية لهذه الأفكار جاءت متأخرة كثيراً، وأن أصل التدوين كان سومرياً وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه من وقوع عمليات الحذف والإضافة، ومع ذلك فإن الكثير من الملامح بقيت قائمة من أحداث الطوفان وشخصياته الرئيسية مثل (أوتونابشتم الحكيم) رغم إخراج القصة بقالب أسطوري تتحول فيه الأغراض الرئيسية إلى أغراض ثانوية ويبرز فيه صراع الإرادات والقوة، فالنص الآتي من ملحمة جلجامش - مثلاً - فيه:
(حتى الآلهة أصابها الخوف
تراجعوا ولجأوا إلى سماء (آنو)
هنالك يرقدون خارج السماء قابعين كالكلاب
عشتار تولول كامرأة في المخاض
سيدة الآلهة تئن
ذات الصوت) (15)
فالآلهة هنا خائفة من الطوفان، وهذا يفتح الباب لاحتمال كون هذه الآلهة صوراً لبشر أسقطت عليهم الألوهية فيما بعد، وبالتالي فإن التصورات التي توحي بها النصوص غير دقيقة لأنها أدب متأخر ولأنها مجتزأة يسيطر عليها التشبيه والكناية، ثم لأنها مترجمة، ومعلوم أن الترجمة لا تعكس الدلالات بدقة، ولهذا فإن الدين في صورته الدقيقة في تلك العصور يحتاج إلى المزيد من الإجلاء.
وفي النهاية فإننا نستطيع أن نحدد بصورة إجمالية أن التشابه في الدور والأفكار الأساسية يعكس بقايا الأصل السماوي للديانات، خصوصاً أن القرآن أكد ذلك.
أما بالنسبة لعلاقة الدين بالواقع فإننا لابد لنا أن نعالجها في ضوء القواعد العامة المشتركة في الحياة العقلية للإنسان، حيث يجمع مفكرو الإسلام على أنها متطورة وليست سكونية، ولهذا فإن الله يجدد دينه، فهناك أحاديث تؤكد هذا الأمر، كما توجد عدد من الآيات تؤكد على أن الله في كل مقطع تاريخي يرسل ديانة جديدة لتوقظ القيم والتصورات وتنشئ واقعاً جديداً.
وهذا الأمر يقتضي أن يتم فهم التحريف ليس بصورته السلبية فقط، بل في جانبه الإيجابي، أي عملية استيعاب لوحي السماء بالقدر الذي تتيحه الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعقلية للإنسان الذي ينزل عليه الوحي.
فالإنسان وهو يقوم بتحريف الدين فإنه يعمل على تقبل الجزء غير المحرف، وتحويله إلى جزء من ثقافته التي يعترف بها، وهكذا فإنه في كل مرة يقوم بنقل جزء رئيسي من الوحي إلى الثقافة ثم يعمد إلى نقلها إلى الآخرين بواسطة الاحتكاك الحضاري.
الخـــاتمة
وفي النهاية فإن علم الاجتماع ومن قبله أيديولوجيا النهضة حاولت تقديم الرؤى من خلال عدسات رؤيتها الخاصة وأفكارها التي تختزن عقد الصراع مع الدين، ولذلك وكما مر فإنها عدسات غير دقيقة تفتقر إلى المنهج الذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الفرق بين العلوم الاجتماعية والعلوم الصرفة، فضلاً عن الظواهر الخاصة - مثل الدين - التي يجب أن تفرد لها علوم خاصة ومناهج ملائمة تدرسها بدون أفكار مسبقة، تلك الأفكار التي تساهم في دفع الرؤى نحو وجهات نظر خاطئة، لأنها تنشأ عند شعوب وجد الخلل في أصل بنائها التاريخي، وبالتالي لا تصلح للحكم على التراث الإنساني غير الحسي، لأنها هي بالأصل وبحسب البنية حسية الرؤى والمنهج، وهذا يعني أن الحكم على هذه الأفكار بالنفي آت لا محالة.
ولهذا فإن الأزمة يمكن أن تنحل بإعادة الوعي إلى سابق عهده، عندما يعود العلم في إطاره الإنساني ويتفاعل مع البنى الروحية والأخلاقية في الحضارة المعاصرة ليصوغها صياغة جديدة.
اضف تعليق