منذ وقت ليس بالقليل، يتردد في وسائل الإعلام بأنواعها، المرئية، والمسموعة، والمقروءة، ومواقع التواصل الاجتماعي، مطالبات تدعو لرفع الحلقة الإدارية الرقابية الفائضة من سلسلة إدارة الدولة العراقية، وتقصد هذه المطالب مجالس المحافظات تحديدا، حيث تعدّها فائضة عن الحاجة، بالإضافة الى كونها تضاعف من سلسلة المفاصل الإدارية، وتزيد من الأعباء المالية على خزينة الدولة المنهكة أصلا، لأسباب بات يعرفها القاصي والداني.
أما مبعث هذه الآراء التي تطالب بتنحية مجالس المحافظات وأعضائها، فيعود بلا شك الى نوع الأداء الرقابي أو التشريعي لهذه المؤسسات، فقد تأسست في واقع متداخل وشائك، يحتاج الى ضبط للأداء حتى تكون هناك نتائج ملموسة على مستوى الواقع، تعود بالفائدة على الدولة والشعب، لكنه واقع معقد، كما هو واضح للجميع، بسبب تلكّؤ هذه المؤسسات في إدارتها للمحافظات، وهناك نواقص كثيرة رافقت عملها، ولعل أبرزها وأكثر إثارة للقلق والغرابة، عدم قدرتها على ضبط الأداء المالي مما أثر على عمال أو موظفو العقود، حيث تم تسريح عدد منهم على الرغم من أنهم خدموا سنوات متتالية في الدوائر الحكومية.
ليس هذا فحسب، فهناك خلل وتقصير في دفع عمال التنظيف، وربما يبدو هذا الأمر ضمن الإجراءات التنفيذية التي لا علاقة لها بمجالس المحافظات، ولكن تبقى هذه المؤسسة الرقابية هي صاحبة القول الفصل في المراقبة والتشريع، وأن الخلل المالي ما كان له أن يحدث لو أن الرقابة كانت كما يجب، وما كان لهذه الفوضى الهائلة (مزابل وأوساخ وحفريات على مدار الساعة) الامر الذي يدل بوضوح على وجود خلل في إدارة المحافظات، وفي تأدية واجباتهم كما يجب، مع تحقيق نسب معينة للنجاح لدى بعض الحكومات المحلية، والسبب حتما يعود لنجاح بعض المجالس في أداء عملها الرقابي التشريعي.
ما هو دور هذه المؤسسة؟
إن الديمقراطية تقوم على وجود المؤسسات الراسخة والمستقلة في عملها، لذلك من غير الصحيح المطالبة بإلغاء هذه المؤسسة بسبب الحاجة لترسيخ الديمقراطية من خلال هذه المؤسسات، ولكن الاعتراض هنا على طبيعة الدور الذي تقوم به، فهي كمؤسسة رقابية تشريعية، ينبغي أن تكون مسؤولية عن كل ما يتعلق بصناعة القرار، ومراقبة الأداء الحكومي وتوجيه الملاحظات التي تساعد السلطة التنفيذية على الأداء الأفضل.
لهذا فإن أي خلل في الأداء الحكومي سوف تسهم به مجالس المحافظات بسبب قلة الرقابة أو ضعف التشريعات المناسبة، علما أننا نعاني من إرث ثقيل في هذا الجانب، فمعظم المسؤولين السابقين لم يؤدي واجبه بما يعود بالمنفعة على الشعب والدولة، وهذا يستدعي الاستفادة من تلك الأخطاء، بمعنى ينبغي على الأعضاء القادمين أن يستعدوا لشوط مختلف من الأداء الرقابي المتميز، ولكن هل سيستثمر المسؤولون الجدد في الحكومات المحلية أخطاء السابقين، لاسيما أننا على أبواب إجراء الانتخابات بشقيها النيابي ومجالس المحافظات؟.
لقد عانى المواطن من قلة الاهتمام، مقابل ذلك أوغل المسؤولون كثيرا في رعاية مصالحهم الخاصة الفردية والعائلية والحزبية، ما أدى الى إلحاق الأذى بالدولة والشعب، تُرى هل ستبقى أبواب المسؤولين مفتوحة للمواطن كما يُفترض، أم أنهم سيغلقون أبوابهم وهواتفهم، وينشغلون بمصالحهم؟ مثل بعض السابقين الذين أصبحوا خارج الكراسي والمناصب، تأكلهم الحسرة والخسران على ما مضى منهم، فكل من يضر الشعب سيكون مصيره الخسارة والخذلان، كما يؤكد ذلك التاريخ والتجارب المماثلة، وهكذا فإننا لسنا مع من يطالب بإلغاء هذه المؤسسات، ولكننا حتما مع أهمية قيامها بمهامها كما ينبغي أو كما هو مطلوب منها كمؤسسة داعمة للديمقراطية!.
وهكذا سوف نجد أننا بحاجة الى ترسيخ النظام الديمقراطي، وعدم التفريط بالفرصة المتاحة في هذا الإطار، ولكن هذا لا يعني أن نصمت إزاء الأخطاء التي قد ترتكبها بعض المؤسسات الداخلة ضمن العمل الديمقراطي، فالسكوت على الخطأ سوف يزيد من انتشاره وتأثيره سلبا، لهذا هناك دعوة دائمة للاستفادة من أخطاء الأعضاء السابقين، من أجل تحسين العمل الرقابي والتشريعي لهذه المؤسسات التي يمكن أن تكون مهمة في حالة أداءها دورها بتميز والتزام.
مراعاة المسؤول للمواطن
لذلك يرى بعض ثاقبي النظر، أن الأفضل من بين الأفراد من يرى أخطاء غيره بصورة واضحة، ويفهمها، ويتقن كيفية حصولها، حتى لا يسقط فيها، أو يمكنه تجنبها، فثمة أهمية كبيرة للاستفادة من أخطاء المسؤولين السابقين، ولابد من تحقيق النجاح في خدمة المواطنين، لكن هذه المهمة تتطلب شخصية حازمة قانعة متوازنة زاهدة ومؤمنة، فضلا عن القيام بالخطوات الفعلية التي تؤكد تأدية المسؤولية كما ينبغي، ضمن التوجّه الرقابي التشريعي الذي يجعل من هذه المؤسسات غير فائضة عن الحاجة.
سوف نضع بعض الخطوات والمقترحات أمام من يهمهم الأمر في هذه المؤسسات المستقلة حتى تؤدي عملها الديمقراطي على أفضل وجه ممكن، من هذه المقترحات:
- أهمية العمل على مبدأ تعويض المواطنين عمّا لحق بهم من غبن في مجال التشريع.
- ليس أمام المسؤول إلا أن يفتح أبوابه على مصاريعها لجميع المواطنين بصدر رحب.
- الاهتمام بالمواطن كما يهتم المسؤول بنفسه وذويه وصديقه وقريبه، اذا لم يفضله على هؤلاء جميعا، في التعامل وفي قضاء الحوائج.
- أهمية توظيف الإشكاليات والأخطاء التي وقع بها السابقون في التراخي الرقابي والخلل التشريعي.
- من الأمور المهمة اهتمام الحكومات المحلية بمعالجة ظاهرة الحفريات، والمزابل والنفايات، ومعالجة ضعف الخدمات من خلال مضاعفة العمل الرقابي.
- ان يتم اتخاذ الخطوات المشجعة على تنفيذ المشاريع الخدمية ومنها الصحية والتعليمية وسوى ذلك مما يحتاجه الناس.
- من الأهمية بمكان أن تُعطى عملية الاستثمار اهتماما أكبر، ومن المهم أن تفتح الحكومات أبواب الاستثمار الداخلي والخارجي على مصراعيه، على أن تعمل هذه المؤسسات على وضع التشريعات اللازمة لحماية المال العام، ومحاسبة المتجاوزين عليه ضمن القوانين السارية.
اضف تعليق