ماذا نعني بالابتكار؟؟ إن الابتكار كما يرد في بعض المصادر المعنية ومنها الويكيبيديا، يعني (بالإنجليزية: Innovation) أو الإنوفاتية أو تطوير الابتكار، هو مصطلح يعني التطوير الخلاق، أي تطوير قيم جديدة للمستهلك من خلال حلول تتجاوب مع متطلبات جديدة له، أو متطلبات قديمة للمستهلك أو السوق إنما بطرق جديدة. ويتم إنجاز ذلك من خلال تفعيل منتجات إنوفاتية عبر نوع متخصص من المشاريع يدعى المشروع الإنوفاتي أو عمليات، أو خدمات إنوفاتية أو تكنولوجيا إنوفاتية أو أفكار متاحة بسهولة في الأسواق، أو الحكومات، أو المجتمع بفعالية أعلى. وفي أغلب الأحيان يتم توظيف طرق أو منهجيات تطوير الابتكار لصالح بناء مؤسسات الدولة الإنتاجية أو سواها.
وفق هذه التوصيف لا يمكن لدولة أو مجتمع يتطلّع نحو الارتقاء، أن يضع الابتكار خلف ظهره، فكما تشير الوقائع أن الابتكارات بمختلف فروعها تتصدى لديمومتها مؤسسات ضخمة ويسعى إليها الأذكياء من الشخصيات العلمية المرموقة، وأصحاب العقول المتميزة التي تخطط للحاضر والمستقبل، كي تبقى في مقدمة الركب العالمي دائما، ولا يمكن أن تبقى الدول والمجتمعات في المقدمة ما لم تضع في حسبانها وتخطيطها العلمي دعم المؤسسات العلمية الساعية على مدار الساعة لابتكار الجديد الفاعل والمنتِج في المجال الذي يشكل فراغا هنا أو هناك، بالإضافة الى الحاجة المستمرة لتطوير المكتشفات السابقة.
من الأمور التي لوحظت في مساعي العقول والمواهب الساعية نحو الابتكارات، أنها تواجه مشكلات من جهات معينة ذات طابع سياسي، لاسيما بعض الأنظمة السياسية التي تهمل الابتكار عن قصد مسبق وتقف حيال العلم عبر صنع عوائق كثيرة أخطرها وأشدّها الجهل والإهمال، فسياسة تهيئة الأرضية اللازمة لاستمرارية الابتكار تعني صنع قاعدة علمية رصينة مدعومة بعقول رصينة تنهض بالمجتمع والدولة عالياً، وهذا واقع يرفضه النظام المستبد خوفا من إلحاق الضرر بسلطته، لذلك لا يمكن للنظام المستبد أن يبني دولة قوية أو شعبا راقيا.
قد يقول قائل أن هنالك أنظمة حديدية تمكنت من بناء دول لها تأريخها وحضورها في مجال الابتكارات العلمية وسواها، وربما أسهمت في دفع البشرية الى أمام أحيانا، ولكن هناك قانون متفق عليه، أن ما يقوم على الخطأ لا يمكن أن ينتهي بنتائج صحيحة، لذلك مهما تفعل الدكتاتوريات في مجال العلم والابتكار، لكنها بالنتيجة تنتهي الى الفشل.
تجارب عالمية في صناعة العلم
ولدينا تجربة هتلر في ألمانيا، فقد استغل هذا النازي أقوى العقول والمواهب الألمانية في مجال الابتكارات، ولكن ليس في المجال المدني، إنما أراد أن يوظف الابتكارات والمواهب والعقول الألمانية لتحقيق مجد شخصي على حساب عشرات الملايين من الألمان، وعندما وظف العلم والعلماء وابتكاراتهم لخدمة الماكنة الحربية، كي يحتل العالم، لاحظ الجميع النتائج التي انتهى إليها هتلر والكوارث التي ألحقها بألمانيا وشعبها.
مثل هذه التجارب ينبغي أن توضع في الحسبان، ولابد للدولة الناهضة والمجتمع المتطلع نحو الأفضل أن يحث الخطى ويتم الاهتمام اللازم بالابتكارات والعلوم، فهناك ثلاث ركائز تستند عليها المنظومة العلمية للمجتمع، هذه الركائز الثلاث تتمثل بـ الإرادة والعلماء واستثمار المواهب، وهناك معرقلات كثيرة لتحطيم هذه المنظومة، يقف الجهل في المقدمة منها، علما أن الجهل يشمل الفشل السياسي وفشل النخب كافة، فضلا عن نقاط الضعف في المجتمع نفسه الذي ينتج أو يحتضن هذه العقول الفاشلة.
هذا الخلل لا يمكن تجاوزه إلا في حالة اعتماد منهج ابتكاري متجدد ناهض مدعوم بقاعدة علمية مادية تتبناها جهود رسمية ومدنية علمية، لذا ينبغي بناء المؤسسات العلمية الرصينة، وهذا الجهد ينبغي أن تتكفل به الدولة، والجهات الحكومية المعنية تحديدا بالنهوض بالعلم، كذلك لابد أن يسهم الجهد المدني في توفير الرصيد المادي المطلوب في هذا المجال.
هناك سبل لا يمكن أن نتجاهلها لو أننا قررنا التوجّه نحو بناء الدولة والمجتمع القادر على مجاراة العالم المتطور، ولا شك أن ثمة سبلا كثيرة يمكنها أن تسهم بجدية وفاعلية مع تحقيق نتائج مضمونة في هذا الصدد، فالعالِم الذي يطوّر الدولة والمجتمع يُصنَع اليوم من خلال الدورات التطويرية والبعثات العلمية، فضلا عن نظام التوأمة العلمي بين الجماعات والمؤسسات العلمية المحلية والعالمية وهو نظام أثبت نجاحه في مجال تطوير الابتكارات.
مطلوب من الدولة والوزارات والمؤسسات المعنية أن تبادر بالتخطيط للخطوات الصحيحة التي تسهم في صناعة العلماء الأكفاء القادرين على مواكبة ما يستجد في العصر الراهن، من علم ومعلومات يرتكز عليها عالم اليوم في شقيه النظري والعملي، كذلك ينبغي أن تتسم المؤسسات العلمية كالجامعات، بالحيوية والقدرة على مجاراة ما يحدث في الجامعات والمؤسسات العلمية التي تتحرك بنجاح في الدول والمجتمعات المتقدمة، هذه العناصر والإجراءات كلها تشترك بقوة في مجال تحديث الابتكارات ودفعها الى أمام على نحو مستدام، ذلك أن الهدف سوف يصب بالنتيجة في الصالح العالم، حتى النظام السياسي سيكون أول المستفيدين كونه سيكون على رأس دولة متطورة وشعب منتج متميز.
خطوات لتحفيز منهج الابتكار
إن الحديث عن المؤسسات العلمية، يقودنا الى الدور الضعيف الذي تقوم به جامعاتنا في تطوير المجتمع، فهو دور غير قادر على مجاراة ما يحدث من تسارع في التكنولوجيا والصناعات كافة، والتطور الاقتصادي العالمي، وهو أمر يمكن أن نلمسه في الدول والمجتمعات المتأخرة، فطالما أن القاعدة العلمية ضعيفة، فإن التطور التقني والصناعات الحديثة ستبقى متلكئة، وهذا يلقي بالمسؤولية على عاتق المؤسسة العلمية التي لا تستطيع أن تحفّز المواهب والعقول نحو الابتكار، أي أن المجتمعات الضعيفة تعاني من قاعدة علمية ضعيفة لا يمكنها الالتحاق بالعالم الذي يتنافس على مدار الساعة في مجال الابتكارات.
في الخلاصة اذا قررت الجهات ذات العلاقة، السياسية أو صناع القرار، والمؤسسة العلمية، أن تفعّل منهج الابتكار كي تبني مجتمعا مدنيا معاصرا، ودولة قوية متطورة، فإن هذا الهدف يستدعي خطوات وإجراءات علمية وعملية تؤدي بالنتيجة الى تحقيق هذا الهدف الجوهري، من هذه الخطوات العلمية العملية ما يلي:
- اهتمام النظام السياسي أو صانعي القرار بالمقومات التي تدعم منهج الابتكار تخطيطا وتنفيذا.
- صنع المحفزّات المشجعة على مواصلة الابتكار.
- من هذه المحفزات.. التمويل وتهيئة عناصر التدريب والتطوير لاسيما البعثات الخارجية.
- وضع خطة علمية صحيحة من لجان وخبرات متخصصة حول أهمية الابتكارات يتم ادخالها كمنهج علمي في المراحل الدراسية كافة.
- تقديم الرعاية اللازمة للمواهب المتميزة والعقول الذكية، تشمل الرعاية المادية والمعنوية والعلمية.
- دعم المؤسسات العلمية بما يلزم من العناصر والمقومات الأساسية، كي تقوم بدورها في هذا المجال الحيوي.
- دعم مراكز البحوث والدراسات وحثّها على المشاركة في تقديم الجهود العلمية اللازمة التي تديم الابتكارات وتراعى المبتكرين.
- الاستفادة من الخبرات الخارجية، لاسيما في الدول ذات التجارب المتقدمة في مجال الابتكار العلمي.
- منح حوافز ومكافآت وجوائز وشهادات للمبتكرين من الجهات المعنية.
- ينبغي أن يقوم الإعلام بفروعه وقنواته وأشكاله كافة بدور الصحيح في دعم منهج الابتكار وتسليط الضوء على المواهب والعقول المتميز في هذا المجال.
اضف تعليق