يظهر أن قادة العالم باقون على نهج القدماء أو السابقين لهم في التعاطي مع السلطة والقوة، فكما فشل معظم قادة العالم السابقين (إلا النادر منهم) في السيطرة على مؤشرات التضخم الذاتي، فشل القادة الحاليون أيضا، كأنهم في ذلك يقتفون أثر القادة الذين خلفوا كوارث لا تنسى في تاريخ البشرية، وإلا ماذا يعني هذا الحريق المستمر الذي أكل الأخضر واليابس وأثار التوتر في الشرق الأوسط والعالم أيضا؟.
هل يراقب قادة العالم ما يحدث الآن بالفعل في هذه المنطقة المشتعلة ونعني بها منطقة الشرق الأدنى، وهل يتابعون مسلسل الصراع المتصاعد بين أقوى الدول في المنطقة، في البداية ومع اشتعال الحرب في العراق، كانت هناك حرب باردة تدور رحاها بين إيران والسعودية، ثم ما لبث أن انتقل الصراع الى سوريا، فتحولت هذه الدولة الى ساحة حرب لم تبق ولم تذر، وتهشم شعبها وتشرد في أصقاع العالم، وأحيلت البنى التحتية والفوقية الى ركام في ركام.
في الوقت نفسه كان العراق ومنذ نيسان 2003 ساحة حرب تجمعت فيها الجماعات المتطرفة من جميع أماكن العالم، وتحول هذا البلد الى أرض محترقة لا تقبل الانطفاء، وصار شعبه ضحية مستدامة لآلاف التفجيرات والسيارات المفخخة في صراع ظاهر وخفي، أطرافه معروفة، مع العلم أن العراقيين لا ناقة لهم في هذا الصراع ولا جمل، بل أن القوى الإقليمية والدولية تتصارع خارج أرضها على مصالحها والضحية العراق وشعبه.
في سوريا اشتعل صراع دولي جديد هذه المرة أطرافه دول عظمى، منها أمريكا وروسيا وما يجري بينهما من تصادم إرادات كل تريد أن تكسر الأخرى من دون خسائر تذكر، لأنها ستكون من حصة الأرض التي يجري عليها هذا الصراع ونعني بها سوريا، فبالأمس فقط سقطت قنابل وصواريخ على مدرسة قتلت ما يقارب 20 طفلا، في حلب كما ورد في الإعلام، تم اتهام روسيا التي نفت بشدة هذا الاتهام وقدمت الدلائل على ذلك، ولكن في جميع الأحوال الأطفال الأربعون غادروا عالمنا من دون أن يتحمل إزهاق أرواحهم قادة عالم اليوم المهووسون بالحروب ونشر الحروب والدمار وإلحاق الأذى بأناس لا علاقة لهم بنزواتهم وسلطانهم.
وهكذا بات التوتر الشرق أوسطي العالمي عنوانا عريضا لحياة البشرية اليوم، فما أن تمر ساعة من عمر الزمن حتى تحاصرنا الأخبار بهجمات أرضية او جوية مجنونة تشرد الآلاف وتقتل آلافا غيرهم، وتهجر آلافا، ويضطر آلاف آخرون الى النزوح في أصقاع العالم المختلفة، كل هذا يجري فقط لتحقيق رغبات قادة مجانين لا يريدون الاتعاظ من تجار غيرهم.
تركيا والدخول المتأخر في الصراع
في ظل هذا المشهد الحربي المتوتر في المنطقة الإقليمية المحصورة بين العراق وسوريا واليمن وليبيا والسعودية أيضا (بعد إطلاق الصواريخ على جدة من لدن الحوثيين)، يدخل لاعب جديد وبقوة الى مهرجان التوتر والحروب، كأنه صحا متأخرا من غفوته ويريد أن يلتحق في هذا السباق نحو القتل والموت وتأجيج الصراعات، هذا اللاعب الجديد هو تركيا بقيادة أوردغان الذي لم تعد الساحة التركية الداخلية تكفي لطموحاته، فبدأ يبحث عن دور يلقي عليه الضوء ويمتص منه حالة التضخم التي يعاني منها الجبابرة غالبا.
فبعد أن كانت تركيا نموذجا للمدنية والهدوء والتعقّل، وعاملا مساعدا على نشر الهدوء في ربوع الشرقيْن الأوسط والأدنى، سحبتها موجة التوتر والاضطرابات والحروب الى رحبتها الواسعة، ونعني بها أراضي العراق وسوريا وربما تكون هنالك أراضي إضافية في الزمن القادم، طالما التضخم الذاتي مستمر للقادة غير القادرين على الاستفادة من أخطاء الآخرين الذين سبقوهم، وبدلا من أن يجنبوا العالم ويلات الحروب ومخاطر التوتر، نراهم وقد تسابقوا على صب الزيت على نار الحروب كأنهم بذلك يحققون ما تبتغي نفوسهم وعقولهم، وهذا أمر يثير الريبة ويدلل على أن هؤلاء القادة مهووسون بالموت بدلا من الحياة.
وهكذا تدخل تركيا اوردغان كلاعب نشط ومهم في تأجيج التوتر والحروب، إذ في الوقت الذي يكافح فيه العراقيون من أجل طرد داعش من أراضيهم وتحرير نينوى وسواها من المناطق والمدن، نجد أن تركيا تسعى بإصرار حثيث كي تلعب دورا في هذه المنطقة حتى لو كان يتعارض مع مبادئ القانون الدولي، فالمهم لدى اوردغان أن يكون حاضرا من بين القادة الذين يتسابقون لإشعال نيران الحروب في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
كل ذلك لا لشيء، إلا من أجل أن يُقال لهذا الرئيس أو ذاك، أنت حاضر قوي فاعل وقادر على تأجيج دوامة التوتر وتسريع آلات القتل بأنواعها، لكن في جميع الأحوال، هذا يدل عن قصر نظر، وعدم اتعاظ من تجارب قادة الحروب السابقين، لقد مضوا الى مصيرهم المعروف ولم يبق وراؤهم سوى تاريخ أسود تتذكره البشرية بألم، ولعل من الغرابة بمكان، أن يتحول بلد وقائد من كونه نموذجا للدول الأخرى، الى مفعّل ومنتج للتوتر والاضطراب.
كوارث التوتر الإقليمي العالمي
نعم تنطوي الحالة التكوينية للبشر على نزعة شر، هذا أمر لا يمكن إنكاره، وهو موجود لصنع حالة التوازن القائمة على التضاد بين الأشياء، ولكن ثمة ما هو مقابل للشر موجود ضمن التركيبة التكوينية للإنسان ونعني به الخير، نحن لسنا بصدد الارتماء في أحضان المثالية، على الرغم من أننا بأشدّ الحاجة إليها، ولكن لابد أن يتنبّه القادة في الشرقين الأوسط والأدنى (تركيا، إيران، السعودية، العراق، سوريا) وكذلك قادة العالم (أمريكا، روسيا، فرنسا، الاتحاد الأوروبي، حلف الناتو)، الى أنهم يسيرون بالعالم الى حافة الهاوية.
ولابد من التأكيد على أن الفرصة لا تزال ممكنة لعدم الانزلاق في حرب عالمية لا تبقي ولا تذر، بعد أن تحققت الحرب الاقليمية، في سوريا والعراق واليمن والسعودية، وهناك خطر داهم من حرب قد تندلع شرارتها بين العراق وتركيا في أية لحظة، على الرغم من الوساطات الدولية والاقليمية بين الدولتين، ولكن لا تزال مؤشرات اندلاع الصراع قائمة بقوة حتى الآن، الأمر الذي يستدعي الوقف بقوة وحزم لوضع حد لمثل هذه الحروب التي لن تنفع القوي ولا الضعيف بالدرجة نفسها.
لذا يستدعي الأمر اتخاذ بعض التدابير لتقليل التوتر الى أدنى درجاته خطوات فعلية منها:
- تنشيط القنوات الدبلوماسية بين الدول المعنية على أعلى المستويات.
- تجنب التصريحات النارية من جميع الأطراف لتخفيف التوتر.
- أن تسعى الدول العظمى إلى نقل صراع الإرادات خارج هذه المنطقة الحساسة.
- أن يتم فضح المخططات التي تديرها إسرائيل ومن يصطف الى جانبها في الخفاء.
- أن يتم احتواء الصراعات بأقصى سرعة وبشتى الوسائل المتاحة.
- أن يطلّع قادة هذه الدول جميعا ومن دون استثناء الى ما خلفته الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما هي نتائجها، وأين قادتها اليوم.
- ما هو الفرق بين غاندي وهتلر الآن والى يوم يبعثون، هل يمكن أن يسأل قادة التوتر وصناع الحروب أنفسهم هذا السؤال؟.
- لا شك أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يقوما بدورهما الحاسم حتى الآن، وهذا يثبت سياسة الكيل بأكثر من مكيال عند التعامل مع الأحداث السياسية المختلفة.
اضف تعليق