يمكنك أن تتخيل العالم كله، أسرة واحدة، كما يمكنك أن تتخيل كل دولة عبارة عن أسرة، وكوكب الأرض منزل واحد تسكنه عدة أسر/ دول، لكل دولة منها إرادة تخطط للسياسة الخارجية والداخلية من أجل ضمان مصالحها، وأمر طبيعي ووفقا للطبيعة البشرية أن تتواجد أرادات دولية أقوى من غيرها، واللافت في الأمر أن إرادة الدولة كلما عظمت، صارت تلك الدولة ذات الإرادة المتعاظمة أكثر تكالبا وشراسة من أجل مضاعفة فوائدها ومواردها.
ولا شك أن مضاعفة الموارد لا تأتي على طبق من ذهب لمن يبحث عنها من الدول أو يضعها هدفا له، وإنما ثمة أساليب ومخططات وتحالفات ومستلزمات تقف في المقدمة منها القوة لتحقيق هذا الهدف الذي ينبع من صميم الطبيعة البشرية، فالاستعمار مثلا هو حاصل القوة المتعاظمة لإرادة شخص او مجموعة أشخاص يقودون دولة ما، وعندما اشتد ساعد هذه الدولة وأصبح لها ذراعا ضاربا، راحت تسعى لمضاعفة مواردها من خلال استخدام القوة العسكرية، وظهور عصر الاستعمار الذي راحت ضحيته مئات الملايين من البشر.
وكما هو معروف تعددت أشكال الاستعمار، لنصل اليوم الى عصر الاستعمار الثقافي عبر العولمة وثمة نوع آخر برز أيضا وتآزر مع الاستعمار الثقافي ونقصد به الاستعمار الاقتصادي الذي ظهر كبديل عن الاستعمار العسكري المباشر، وهذا يعني أن الإرادات الدولية لا تزال وستبقى تبعا للطبيعة البشرية، تسعى وتخطط وتنفذ لتأمين مصالح شعوبها ودولها.
ولا ضير في ذلك اذا حدث ضمن المعايير الانسانية والسياسية المتفق عليها، والتي تتحرك وفق قواعد تسير عليها جميع الدول وتضبط حركة المجتمع الدولي بصورة دقيقة، لأننا كما نؤمن ونعرف من التجارب، من دون الالتزام بالقواعد والانضباط لا يمكن أن يعيش مليارات الأفراد بطريقة سلمية محترمة.
اليوم عندما نتفحص المشهد العالمي بدقة ودراية، ماذا سنرى، وما هي الانطباعات التي سنخرج بها عن عالمنا، هل هناك قوى دولية تتحكم به؟، وهل هناك إرادات متصارعة حول المنافع، وسوف تأتي الإجابات بنعم، لكن السؤال الأهم يتعلق بهذه القوى الدولية وإراداتها التي باتت متحكمة بالعالم تبعا لقوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، تُرى هل هذه القوى تصلح لقيادة العالم وهل تمتلك معايير القيادة الناضجة والعادلة، وهل تمكنت من تخفيف حدة التوتر والعنف والتطرف في العالم، أم أنها كانت ولا تزال تسعى لتأمين مصالحها أولا، تلك المصالح التي غالبا ما يتم تحقيقها على حساب الآخرين الأقل قوة وموارد؟.
كيف يُصنَع العنف؟
عندما تسعى الدول الكبرى الى تأمين مصالحها في عموم العالم، ولا تضع في حساباتها مصالح الدول الأقل موارد وقوة منها، وهذا ما يحدث اليوم في عالمنا؟ ماذا تتوقع أن تكون النتائج، ألا يؤدي هذا السلوك غير العادل الى خلق فجوة طبقية هائلة بين شعوب العالم، ألم يكن هذا الفارق في اسلوب العيش بين الغرب وسواهم هو نتيجة حتمية لسياسة الاستعمار ونهب وسلب خيرات الشعوب التي لم تكن في حينها الدفاع عن نفسها وخيراتها؟.
وعندما يلاحظ فقراء العالم، وهم يشكلون النسبة الأكبر من البشر، هذا الفارق الشاسع بينهم وبين (من سرق خيراتهم) في أنماط العيش والبحبوحة التي يعيشها السارقون في مقابل الحرمان والجوع والمرض الذي يعيشه الفقراء، وهم في الحقيقة ليسوا فقراء، وانما سياسة التكالب الاستعمارية، وجشع القوى الدولية سابقا وفي الحاضر أيضا، هو الذي جعل منهم يعانون من الفقر والجوع والحرمان، فيما يتمتع سراق خيراتهم بالعيش الكريم.
تُرى أين العدالة في ذلك، واذا كانت هذه السياسة وليدة ظروف معينة، ربما يمكن تبريرها في وقت ما، أليس من الأصح أن تقوم القوى الدولية بتصحيح الأمور، وإعادتها الى نصابها الصحيح، من خلال خلق معايير جديدة في السياسة الدولية تعيد الحقوق والكرامة الى من فقدها من الشعوب الفقيرة التي تم الاعتداء عليها وعلى خيراتها في السابق والراهن أيضا؟.
علما أن جميع مظاهر العنف التي يعاني منها عالمنا اليوم، هي نتيجة حتمية لما قام به الاستعمار بمختلف أشكاله القديمة والجديدة من فعاليات وأنشطة ظالمة لم تراعي حرمة الإنسان ولا حقوقه، وكما يبدو أن الإرادات الدولية المتنفذة والمتحكمة في العالم لا تزال تصرّ على سياسة السيطرة والهيمنة على الآخرين تأمينا لمصالحها، وكأنها لم تتعظ ولم تتعلم من دروس الماضي البعيد والمنظور والقريب منه.
إن هذه السياسة المريضة والإصرار عليها من قوى معروفة، ودول ترى أنها (كبرى وعظمى)، هي التي تصنع العنف العالمي وكل ما يتبع له من ظواهر خطيرة، تجعل من الأرض مكانا ينطوي على الكراهية والأحقاد والتطرف، ولا شك أن هذه السياسة الطائشة لن تعود بالنفع على المستأثرين بموارد الأرض، والذين يرون أنهم الأحق بالعيش الكريم، فيما لا يستحقه الآخرون الذين يتقاسمون معهم المعمورة من وجهة نظر الأقوياء.
وحتما أن هذه القوى تعرف تمام المعرفة، أن انتشار الإرهاب والعنف في العالم، ما هو إلا نتيجة لسياساتهم القائمة على الكيل بأكثر من مكيال، هذه السياسة التي تجعل من الأرض كرة من نار لا يمكن أن يستقر لها قرار طالما كانت التفرقة وتفضيل الذات على الآخر والظلم هو الأسلوب الذي تتبعه القوى العظمى تجاه الدول الأضعف.
كيف يمكن معالجة التطرف؟
هذا السؤال يتكرر في المحافل العالمية كثيرا، مثلما يبحث فيه مختصون عبر العالم، وهو سؤال قد يكون الأهم على مستوى المشاكل التي يعاني منها عالمنا في العصر الراهن، ومن الواضح أن الإرادات الدولية ليست جادة في سبل المعالجة والتوصل الى معالجة سليمة للتطرف، ولدينا أدلة كثيرة على ذلك، فموجات الهجرة التي حدثت قبل سنة من الآن ما كانت لتحدث لو لا أخطاء الغرب، كما أن معالجة هذه الظاهرة لم تتسم بالحكمة.
يُضاف الى ذلك مثلا، طبيعة الصراعات الدولية في سورية والعراق كمثال، إن شعبيّ سوريا والعراق وأرضهما أصبحا ساحة لصراع تلك الإرادات الدولية، فهي تسعى الى تأمين مصالحها فيما المتضرر الأوحد هو الشعب ودولته التي تهشمت وتفتت بسبب الصراعات الدولية، والنتيجة مضاعفة أسباب ومظاهر التطرف والعنف في عموم العالم.
وثمة خطوات ينبغي أن لا تغيب عن القوى الكبرى منها:
- وضع معايير عادلة للعلاقات الدولية وتأمين مصالح الدول كافة.
- وضع قواعد تحكم هذه العلاقات لا يجوز تجاوزها او الاخلال بها.
- التنبّه الى بؤر العنف ومعالجتها بحكمة.
- دراسة الأسباب بعمق وحكمة ووضع المعالجات الجماعية المناسبة.
- نشر العدل عالميا.
- الكف عن الحروب الثقافية لتدمير خصوصيات الشعوب.
- الكف عن أساليب الاستعمار كافة.
- العمل معا على جعل العالم آمنا من خلال السياسة المتوازنة.
- منح جميع البشر والمجتمعات والدول فرصا متكافئة للتقدم.
- حث الإرادات الدولية على نبذ الصراعات بطريقة الاحتواء.
- حث الإرادات الدولية على إدارة الأزمات كافة بحكمة.
- جعل الاقتصاد العالمي في خدمة العدالة بدلا من العكس.
اضف تعليق