q

القراءة الأولى لقانون مجلس النواب، تمت قبل أيام من الآن، وقد شكلت للمتابعين صدمة كبيرة لأكثر من سبب، فهذا القرار الذي وصفه كثيرون بأنه يقف بالضد من خطوات الإصلاح التي اتخذتها الحكومة، والتي من المؤمل أن تتخذها في مجال الإصلاح، ينطوي على نقاط خلافية عديدة، ولعل أهم هذه النقاط على الإطلاق وأخطرها، هو حجم الامتيازات الكبيرة التي تضمنها هذا القانون لرئيس مجلس النواب، ونائبيه، وأعضائه جميعا، فحجم الامتيازات المالية، والمنح، والمخصصات، لا يمكن أن يعطي إشارة مشجعة على أن الدولة العراقية تسير في الاتجاه الصحيح.

لأننا بصريح العبارة نسير الى الوراء بخطوات متسارعة، والسبب كما هو واضح، مؤسسات الدولة الدستورية التي يفترَض بها أن تكون حامية للمال العام وعيون ساهرة للحفاظ على العدالة وقلوب وعقول مخلصة لتحقيق مبدأ المساواة بين العراقيين، ولكن عندما يطالع العراقيون فقرات قانون مجلس النواب وبالذات حجم الامتيازات، فإن اليأس من بناء الدولة المدنية سوف ينتشر بين الجميع بلا أدنى تردد.

فكما تشير فقرات القانون، وكما نشرت ذلك العديد من وسائل الإعلام، أن الراتب الشهري لرئيس مجلس النواب يجب ان يكون مساويا لراتب رئيس مجلس الوزراء، وأن راتب أعضاء المجلس يجب أن يكون مساويا لراتب الوزير، بل أن راتب مدير مكتب رئيس المجلس يعادل راتب وزير بحسب تصريح نواب ينتمون الى المجلس.

وقد اختلط علينا الحابل بالنابل بسبب تناقض التصريحات حول هذا القانون، فعلى سبيل المثال نلاحظ أن رئيس المجلس الأعلى الذي تنبثق منه كتلة المواطن، أعلن أنه يرفض هذه الامتيازات المخصصة لرئيس المجلس ومدير مكتبه ونائبيه وأعضاء المجلس بشدة، وأكد الحكيم ان هذه الامتيازات تتناقض مع الإصلاح الذي يحاول أن يطبقه رئيس الوزراء لبناء دولة عراقية خالية من الظلم، ورفض هذه الخطوة مهما تكن المبررات او الأسباب التي حدت بمن كتب هذا القانون، وحرص على وضع هذه الامتيازات الهائلة.

مفاجأة صدمت الجميع

هذا الرفض من أعلى سلطة في المجلس الأعلى يعني أن جميع المنضوين تحت هذا المسمى رافضين لهذه الامتيازات وينظرون إليها على أنها تعمل بالضد من الإصلاح، ولكن المفاجأة التي ستصدم الجميع، متابعين إعلاميين، او مواطنين عاديين، أن الذي قدم طلبا الى رئيس المجلس لكي يدرج قراءة قانون مجلس النواب في جلسته هو نائب من كتلة المواطن، أي أنه ضمن قيادة السيد عمار الحكيم، كما نشرت إحدى وسائل الإعلام وثيقة رسمية مصورة لهذا الطلب المقدم من النائب المذكور.

وإذا صح هذا الكلام، فإننا سوف نقرّ بأن الفوضى قد وصلت الى أقصاها بين مكونات الطبقة السياسية العراقية، اذ كيف يرفض الرئيس قضية ما رفضا قاطعا مع الاستغراب الشديد، في حين يقوم احد أعضائه والمنتسبين له بتأييدها، هذه إشارة واضحة على عدم التناسق والتنسيق بين القيادة والتابعين لها، او أن الأعضاء متمردون على قيادتهم فتغدو المشكلة هنا أكبر وأعظم.

إن هذه الخطوة (خطوة قراءة قانون مجلس النواب) قراءة أولى في مجلس النواب، بما تحمله من امتيازات كبيرة للرئيس ونائبيه ومدير مكتبه وأعضائه، ما هي إلا خطوة الى الوراء أكثر فأكثر، والمشكلة أن بعض النواب يقول، ان الدورات السابقة تمتعت بهذه الامتيازات، فلماذا لا نحصل نحن على نفس الامتيازات التي حصل عليها أعضاء الدورات السابقة، بمعنى أن الخطأ السابق لا يجوز تصحيحه حتى لو كان فيه ظلما وغبنا للشعب، وهذا النوع من التبرير كما نلاحظ، يشكل قمة الأنانية لبعض النواب.

نعم هناك نواب معارضون لهذا القانون، ولكن هناك من يستعد لتمرير هذا القانون بالامتيازات الكبيرة التي ينطوي عليها، والتي تثقل ميزانية الدولة في ظل الإجراءات التقشفية التي يحاول أن يتخذها مجلس الوزراء ورئاسته، في محاولة للحد من التداعيات التي تسببت بها الأزمة المالية بعد انخفاض أسعار النفط الى الثلث.

هناك مشكلة أخرى بمثابة صدمة جديدة أيضا، حيث صرح احد النواب في إحدى القنوات الفضائية في نشرة الأخبار، أن صيغة قانون مجلس النواب بما ينطوي علي من امتيازات لأعضائه، أحيلت للمجلس من رئاسة مجلس الوزراء او من الحكومة العراقية، ولم يتم التلاعب بالقانون زيادة او نقصانا، وهذا يعني ان الحكومة هي التي وضعت هذه الامتيازات لنواب البرلمان، او على الأقل وافقت عليها، وهنا تكمن الطامة الكبرى.

فاذا كان الطرف الذي يقود الإصلاح هو الذي وضع هذه الامتيازات لنواب المجلس او اطلع عليها ولم يرفضها او يعدلها، فهذا يعني أن قيادة الإصلاح تعمل بالضد من خطوات الإصلاح، هذا هو التفسير المناسب لإحالة قانون مجلس النواب الى هذا المجلس من الحكومة مع إطلاعها على الامتيازات الموجودة ضمن منطوقه وفقراته.

الاهتمام الذاتي وإهمال الفقراء

واذا صح هذا القول او الاستنتاج، فإننا كعراقيين نقف اليوم إزاء مشكلة عصيبة حقا، فهذا التداخل في المواقف وهذا الناقض المخيف، وهذه الفوضى، لا يمكن أن تكون في صالح بناء الدولة العراقية القادرة على حماية حقوق مواطنيها، وحرياتهم واستحقاقاتهم، علما أن السخط والتذمر قد انتشر بين شرائح واسعة بعد ان استمعوا لقيمة الامتيازات الكبيرة المخصصة لأعضاء مجلس النواب، في وقت تمتد فيه يد التقشف الى الرواتب المتواضعة للموظفين وشريحة المتقاعدين التي كانت تنتظر رعاية ومقدرة مالية أكثر.

إن هذه الخطوة التي أقدم عليها مجلس النواب، بشخص رئيسه، وشخص النائب الذي قدم طلب إدراج قراءة قانون مجلس النواب، وهو من كتلة المواطن كما عرفنا من مصادر إعلامية، تشكل خطوة أخرى كبيرة على طريق التراجع الى الوراء، وإلا كيف نفسر مثل هذا الاهتمام الذاتي لأعضاء مجلس النواب ورئيسه بأنفسهم وعائلاتهم، تاركين الشعب يتخبط في غياهب الجوع والمرض والفقر.

كما أعلنت مؤخرات جهات رسمية في وزارة التخطيط بأن 23% من الشعب يعيشون تحت خط الفقر، فهل تصح هذه الامتيازات الكبير في هذا القانون مع نسبة الفقر هذه؟؟ أليس أعضاء مجلس النواب هم الذين يمثلون فقراء الشعب والآخرين، هل يجوز أن يتنعم النائب بخيرات البلاد فيما المتسولون تغص بهم الشوارع ومفترقات الطرق وأزقة مراكز المدن.

هل نبالغ عندما نقدم هذه الصورة للفقر بين العراقيين، ولكن هذه معلومات صرحت بها الجهات الحكومية المعنية نفسها، ونقلتها وسائل إعلام كثيرة، واستمع لها الشعب العراقي بألم وبما يشبه الغضب والتذمر والسخط.

حمدا لله أن مجلس النواب لم يقرأ هذا القانون قراءة ثانية، ولم يقر او يصوت على هذا القانون بما فيه من (خروقات) لا يرضى بها عقل او ضمير، إن مجلس النواب، رئيسا ونائبين وأعضاء، مطالبين بتعديل تلك الامتيازات فورا، وعدم تمرير هذا القانون إلا عندما تتوفر فيه سمة الإنصاف والعدل ومراعاة الشعب، خلاف هذا لا يجوز لأعضاء البرلمان التصويت على هذا القانون لأنه يتعلق بمصالحهم الشخصية والعائلية.

بطبيعة الحل يأمل العراقيون أن يتم تعديل هذا القانون كي يكون أكثر عدلا ومساواة، وهذا لا يعني إلحاق الغبن بالسادة النواب او رئيسهم او نائبيه، كذلك على الحكومة ان تقوم بدورها التنفيذي في هذا الصدد، على أن يتفق الجميع، الطبقة السياسية كلها، على وضع امتيازات عادلة، لا تحمل بين طياتها غبنا او ظلما او تجاهلا للشعب العراقي الصبور.

اضف تعليق