q

مشهد درامي رافق التظاهرات الشعبية في العراق، تجسد بسفك دماء بعض المتظاهرين كما رأينا ذلك عبر شاشات بعض القنوات الفضائيات، وكما أعلنت مصادر اخبارية، فقد رافق دخول بعض المتظاهرين الى المنطقة الخضراء أمس الجمعة (20/9/2016)، إطلاق قنابر صوتية ثم غاز مسيل للدموع ثم اطلاق نار حي أصاب عددا من المتظاهرين في تطوّر جديد وخطير، حيث يعد هذا الأمر المستجد في الساحة العراقية بمثابة شرارة دم لا يصحّ حدوثها، كونها قد تشعل اوار الاحتجاجات الشعبية، وربما تتجه بها الى مسارات تخرجها عن السكة الصحيحة التي تقودها الى أهداف واضحة معلن عنها من لدن الجميع، وهي تدخل ضمن قواعد اللعبة في العملية السياسية الديمقراطية، لأنها - كما هو معروف ومعلن من قادتها والقائمين بها- تبتغي بناء نظام سياسي قادر بدوره على تشييد دولة مدنية هدفها حماية الحقوق والحريات.

وقد تباينت آراء المحللين والمتابعين والسياسيين أيضا، حول ما حدث بخصوص اقتحام المنطقة الخضراء للمرة الثانية، وما رافق ذلك من سلوك جديد لقوى الأمن التي كانت تتواجد في المنطقة الخضراء، عندما قامت بمواجهة المتظاهرين بأسلوب جديد، ينطوي على العنف، وهو اسلوب لا يتفق مع مبدأ (الديمقراطية) الذي تحتمي به الدولة العراقية منذ اكثر من عشر سنوات، لاسيما أن المواطن العراقي لمس تغييرا جذريا في السلوك الحكومي بين ما كان يجري فبل نيسان 2003 وبعدها، ففي الأنظمة السابقة والحكومات التي قادت العراق سابقا، كانت الجماهير تُعامل بسطوة الحديد والنار، وكان الموت أو الإعاقة او الاعتقال عقوبة لكل من تسوّل له نفسه في الاعلان عن رفضه لمنهج الحكومة وقادتها.

وكان العراقيون قد اعتادوا الاسلوب العنيف من حكوماتهم السابقة ضد المظاهرات الشعبية، حيث بلغ بعضها الى استخدام الطائرات الحربية في قصف المتظاهرين، وكأن الدولة قد دخلت في حالة حرب مع دولة اخرى وليس مع انفار او مجموعة محتجة من مواطنيها، بعد نيسان 2003 دخل العراقيون عصر الديمقراطية كما هو معلن للعالم أجمع وللعراقيين أنفسهم، ولمس العراقيون تعاملا مختلفا من الاجهزة الأمنية، حيث يحمي العنصر الأمني أخيه المتظاهر ويقدم له قناني المياه الباردة النقية في تعبير عن التغيير الأمني السلطوي في التعامل مع المحتجين والمتظاهرين بطريقة حضارية تعد رمزا من رموز الدولة الديمقراطية.

لماذا دخل الدم بين الحكومة والمواطنين؟؟ من أوصل الحال الى هذه الدرجة من الخطورة، لماذا تعكّرت وتأزمت العلاقة الجميلة بين عنصر الأمن والمواطن العراقي؟، من أمر بإطلاق النار على المتظاهرين، هل صحيح ما يُشاع أن عناصر مدسوسة بين الجماهير المحتجة لها اهداف وغايات اخرى غير المعلن عنها من لدن الجماهير؟؟، إنها تساؤلات كثيرة وكبيرة، وكلها تحتاج الى اجابات شفافة ونزيهة من جميع الأطراف.

لكل فعل رد فعل يعاكسه في الاتجاه

قبل أيام حدثت اختراقات أمنية قوية جدا، في العاصمة بغداد، استهدفت الاسواق الشعبية واهداف اخرى ضعيفة غير محصنة، وليست عسكرية أو أمنية، طالت هذه الاختراقات التي هي عبارة عن تفجيرات بسيارات مفخخة وما شابه، مئات الأبرياء بين شهداء وجرحى، وصل بعضها الى رحيل عائلات بأكملها، أو عدد كبير من عائلة واحدة، معظم هؤلاء من النساء والاطفال والشيوخ، هذه التفجيرات طالت مناطق فقيرة، وتركزت حسبما هو واضح للجميع على مدينة (الفقراء)، مدينة (الثورة/ الصدر)، وأخذت الكثير من الأرواح ظلما وبهتانا.

من المسؤول عن هذه الاعتداءات والجرائم البشعة، الجميع يقول أن داعش يقف وراء هذه التفجيرات، وداعش نفسه يعلن مسؤوليته، ولكن ما الجديد في ذلك؟؟، وهل يكفي هذا في امتصاص الأحزان التي تثقل قلوب ونفوس من فقدوا أطفالهم وعوائلهم وأعزائهم، ثم لماذا على الفقراء فقط أن يدفعوا ثمن الضعف السياسي والاداري والأمني للدولة؟؟.

الآن من يتحمل مسؤولية مثل هذه الاحداث، وما هي المبادرات الحكومية لمعالجة مثل هذه الاحداث، وهل قامت الدولة العراقية ببعض الخطوات التي تقلل من أحزان مواطنيها؟؟، والسؤال الأهم من جميع الأسئلة المذكورة: ((هل كثير على الحكومة أن تتحمل غضب مواطنين فقدوا مئات الأرواح بسبب ضعف الاداء الأمني في بغداد))؟؟ ألم تكن الدولة العراقية مقصرة وقاصرة في حماية مواطنيها، ثم لماذا يتم استهداف الفقراء في المناطق الفقيرة فقط؟ وهل كثير عليهم أن يحتجوا ويتظاهروا ويطالبوا بالحد من مثل هذه الاعتداءات الجبانة؟؟.

أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبة صادقة، لماذا عدنا الى الأساليب القديمة في التعامل مع المتظاهرين، وهل يعني ذلك إيذانا بانتهاء (عصر الديمقراطية)، هل مات العصر الديمقراطي في العراق مع انطلاق المنهج الجديد في التعامل مع المتظاهرين، ونعني بأنه جديد على مرحلة ما بعد نيسان 2003، لأن الديمقراطية لا تسمح باطلاق الرصاص الحي على متظاهرين عزل، وهذا الاجراء لا يتوافق مع عصر الحرية المعلن.

لذلك هناك من يتساءل بجدية، وأولهم الشعب العراقي، من يقف وراء إعادة الدولة العراقية الى الوراء، وهل يحق لحكومة عاجزة، ومؤسسات عاطلة بقيت تراوح في مكانها لعدة سنوات، أن تعامل مواطنين سلميين محتجين بالرصاص والقنابر المسيلة للدموع؟، ثم لماذا هذا الاصرار على إشعال شرارة الدم بين الشعب وأبنائه من عناصر الأجهزة الأمنية المختلفة؟.

هل انتهى عصر الديمقراطية في العراق؟

ظهيرة اليوم (في خطبة الجمعة) أعلنت المرجعية بوضوح تام لا يقبل اللبس، أن الحكومة لا تريد تطبيق الاصلاح لأنها فاسدة؟؟، هل هناك غموض في هذا القول، وهل هناك من يعترض من أفراد الحكومة و(الكتل والأحزاب السياسية) على هذا الوصف؟، إذاً نحن ازاء حكومة فاسدة، فاشلة، عاجزة عن القيام بواجباتها تجاه شعبها كما يجب، وهذا واضح من ملف الخدمات، وملف العجز المالي والاداري، وملف البورصة والبنك المركزي وبيع مئات مليارات الدولارات الذاهبة الى خارج العراق بشتى التبريرات، فضلا عن عجزها في حماية مواطنيها من تفجيرات الدواعش الجبناء الارهابيين الذين يستهدفون الاطفال ويهربون من مواجهة القوات الأمنية في جبهات القتال.

ما هي الحلول التي تلوح في الأفق؟؟ هل فكر بعض حكماء الطبقة السياسية، بحلول تنقذ الشعب والبلد من مسلسل التدهور والانحدار نحو الهاوية، وهل تبقى الكتل والاحزاب متمسكة بمصالحها، وامتيازاتها، حتى بعد أن اصبحت الدولة على حافة الانهيار والافلاس؟؟.

لقد تناقلت وسائل الاعلام أخبارا تشير الى أن صندوق النقد الدولي وافق على اقراض العراق مبلغ (15) مليار دولار، منها (5) مليارات يتسلمها قريبا، ولكن كثيرا من المراقبين والمتابعين، والعراقيين أنفسهم، يتساءلون، ما هي وجهة هذه المليارات عندما يستلمها العراق من صندوق النقد الدولي؟ وكم هي حصة (رؤوس الفساد منها) وكم ستكون حصة الشعب، الى هذه الدرجة فقد الشعب ثقته بالحكومة وبالقائمين على الاقتصاد والمال.

هذا الفشل على الأصعدة كافة، هو الذي قاد الجماهير الى اعلان الاحتجاج منذ 2011 وحتى الآن، بالمقابل هناك تهرّب للطبقة السياسية (الكتل والاحزاب) من تحمل مسؤولية فشلها في ادارة الدولة وبنائها، واليوم يشترك هؤلاء في دفع الدولة العراقية وشعبها الى الوراء، الى المربع (القمعي الدكتاتوري القديم)، بإشعالهم لشرارة الدم في مظاهرات الأمس، واذا لم تسارع الحكومة والجهات المعنية في الدولة الى إطفائها باجراءات وخطوات سريعة واضحة تقف الى جانب الشعب.. فإن القادم كما يتوقع المتابعون والمراقبون، سوف لا يكون بصالح الجميع وأولهم الطبقة السياسية.

اضف تعليق