q

ما الذي يجعل من السلطة سلطة معترفا بها ومقبولة بوصفها سلطة شرعية؟ تبعا لتوصيف معروف اقترحه ماكس فيبر، يمكن لمشروعية السلطة ان تستند الى مصادر ثلاثة: التقليد، الكاريزما، او العقلانية.

* تؤسس السيطرة التقليدية مشروعيتها على صفات التقليد، العادات والتقاليد والأعراف.

* ان السيطرة الكاريزماتية هي كناية عن سيطرة شخصية استثنائية تتمتع بهالة خاصة. ويقيم القائد الكاريزماتي سلطته على قوة الاقناع وعلى قدرته على تجميع الجماهير وتحريكها.

* تستند السيطرة العقلانية على سلطة القانون الشكلي واللامتحيز، وهي ترتبط بالوظيفة، لابشخص معين. وتبرر السلطة نفسها في المنظمات الحديثة عبر الكفاءة، وعقلانية الخيارات (التي يقودها الخبراء)، لا بما للتقليد من وزن او بما للقائد الشخصي من هالة. ان السيطرة العقلانية او "الشرعية البيروقراطية" هي التي تمر عبر الخضوع لقانون وظيفي (قانون الطريق، القانون المدني، ..الخ).

اما جون بيشل فيرى ان الدولة تمارس سلطتها عبر المزج بين ثلاثة عناصر اساسية وهي القوة السافرة والحظوة والنفوذ الرمزي، و يعتبر ان كل خلل في التوازن بين هذه العناصر يكون له عدة عواقب وخيمة على طبيعة السلطة السياسية، فاذا انتصرت القوة السافرة على باقي العناصر فان الدولة تتحول الى سلطة استبدادية ديكتاتورية، مما يفترض من المجتمع ايجاد حلول تشريعية و مؤسساتية تسمح بضبط هذه الدول العنيفة.

السلطة الديمقراطية

في الأنظمة الديمقراطية تتولد مشروعية السلطة من الانتخابات. من هذه الزاوية بالإمكان اعتبار الانتخابات وكل شعائر السلطة التي ترافقها (انتخابات، شعائر الترشيح، والمباني العامة ووشاح المنتخب ..الخ) كطقوس مشروعية السلطة الديمقراطية.

ان التوصيف الذي قدمه ماكس فيبر كان يهدف الى ابراز اشكال المشروعية الثلاثة السائدة في عصره، ولكن هل نجد اشكالا أخرى، او اسسا أخرى لتحديد مشروعية السلطة.؟

يمكننا بلا شك ان نضيف الى مبادئ المشروعية التي استقاها فيبر مبادئ أخرى.

ان تاريخ "الممالك المقدسة" يوحي لنا بطريق اخر. الممالك المقدسة هي الممالك التي قدم فيها الملك نفسه بوصفه تجسيدا للالوهية او الممثل المباشر لها: "انا اتولى سلطتي مباشرة من الله، وهذا هو المبدأ بالنسبة الي". في بعض الحالات يقدم الملك نفسه مباشرة بوصفه الله او ابن الله (هذه حالة الفرعون اخناتون) او هو يحدد نفسه ممثلا لله (الملوك الكهنة في ممالك الصين القديمة، الخلفاء، الملوك الافارقة)، او يحاولون في بعض الحالات تنصيب انفسهم بواسطة الكهنة ما يضفي عليهم مسحة الهية (الممالك الاوربية).

ثمة الية رمزية وطقوسية تقوم بإظهار الترابط النسبي بين الله والملك. وقد قام علماء الانثروبولوجيا بدراسة وتحليل مختلف هذه الاشكال.

ما هو الفرق بين الشرعية والمشروعية؟

الشرعية هي مسالة ضمن اطار سياسي وتعني حيازة الامر على الشرعية اي اكتسابه الاطار القانوني لصيغة عمل معينة قد تكون سياسية اوادارية او اقتصادية اي ضمن اطار قانوني ...ولذلك يقال ان الادارة شرعية اي انها تحوز الاطار القانوني الصحيح للمفهوم دون أي علاقة بالقاعدة القانونية .

اما المشروعية فهي العلاقة القانونية التي تختص بالقانون والقرار والتعليمات ..فرجال القانون يصفون القرار بانه مشروع اي انه جاء طبقا لمبدا المشروعية والذي نعرفه نحن اهل القانون بانه توافق القاعدة القانونية الادنى للقاعدة الأعلى وعدم مخالفتها شكلا وموضوعا.. وفي حالة حصول مخالفة يصاب القرار بعيب عدم المشروعية ويدخل ضمن نطاق القرار المعيب.

وهنا تلاحظ من خلال تجزئة التعريفين السابقين ان مفهوم الشرعية يختلف اختلاقا كليا عن مفهوم المشروعية، فالاول ذو طابع وظيفي يعنى بالجانب العلمي اي ما يمكن ان نطلق عليه المفهوم الوظيفي في ممارسة السلطة سواء أكانت سلطة سياسية او ادراية او اقتصادية او دولية ..وتاتي الشرعية بطرق متعددة منها الاستفتاء او الانتخاب .اما المشروعية فهي الهيكل النظري في من الناحية القانونية اذ تشير الى العلاقة بين القوانين وليس عملية ممارسة السلطة بل تنطلق الى مفهوم تطبيق القانون فالسلطة الشرعية تطبيق القانون المشروع ...فاذا وضعت سلطة ادراية مثلا ولم تكن تلك السلطة شرعية ..فان القانون الذي تضعه ربما يكون وفق مبدا المشروعية وهنا يكون الفصل ان السلطة ليست شرعية والقرار مشروع وقد يحدث العكس ان تكون السلطة شرعية ولكن قراها معيب بعدم المشروعية ..او تحصل حالة ان تكون السلطة غير شرعية والقرار غير شرعي اما الحالة الطبيعية وهي ان تكون السلطة شرعية وقرارها مشروع.

تختلف طرق معالجة أزمة الشرعية من النظم الديمقراطية إلى النظم الشمولية. ففي النظم الديمقراطية أزمة الشرعية هي أزمة حكومة في الأساس وليس النظام السياسي بأكمله، ولهذا تلجأ النظم الديمقراطية إلى الانتخابات المبكرة للتخلص من الحزب الحاكم الذي فقد شرعيته بسبب سوء الأداء وليحل محلة حزب أخر.

أما النظم الشمولية فإنها تلجأ لمواجهة أزمة الشرعية بخمس طرق مختلفة:

1- الإهمال: بمعني ادعاء عدم وجود مشكلة وبالتالي عدم مناقشتها ما يؤدى إلى زيادة الاحتقان والغضب ثم الانفجار والثورة.

2- زيادة القمع: تلجأ نظم أخرى إلى زيادة القمع والاعتقالات وربما القتل، وقد تنجح مؤقتا في إنهاء أو بالأحرى كبت الغضب المتصاعد ولكنه سريعا ما يعود مرة أخرى ويحدث الانفجار.

3- الذهاب إلى الحرب: هنا يقوم النظام السياسي بافتعال حرب تكون سببا في انشغال المواطنين بها وتظهر حالة من التكاتف والترابط تمنح النظام الحاكم الشرعية من أجل تحقيق النصر. ولكن إذا وقعت الهزيمة يفقد النظام كل شرعية ويكون رحيله حتمي.

4- صورة باهتة من الديمقراطية: حيث تقوم السلطة الحاكمة بعمل بعض الإصلاحات السياسية الشكلية. فتسمح بتكوين أحزاب كارتونية ليس لها أي قوة أو جذور في الشارع، ورغم ذلك لا تتركها لتعمل بحرية ولكن تعمل على تعطيلها ومنع اتصالها بالجماهير. بالإضافة إلى إجراء انتخابات تفتقر إلى أدنى صور النزاهة والحيادية تنتهي بفوز الحزب الحاكم دائما..

5- المبادرة بالتحول الديمقراطي: وهنا يكون الحل الحقيقي لأزمة الشرعية التى تتعرض لها الدولة. حيث يبادر النظام الحاكم إلى الدخول في مسار للتحول الديمقراطي الحقيقي يلبى رغبات وتطلعات الشعوب. وكثير من هذه الأنظمة التى تبادر بهذا التحول دون انتظار لثورة أو انقلاب عسكري تعود إلى الحكم مرة أخرى.

-------------------

راجع:
معجم العلوم الإنسانية / اشراف جان فرانسوا دورتيه
مفاهيم قانونية الشرعية والمشروعية في المعنى والاصطلاح/ د.زياد عبدالوهاب النعيمي.
شرعية ومشروعية النظم السياسية / مؤمن سلام

اضف تعليق