شبكة النبأ: مفهوم الاستبداد يمكن وصفه بأنه نوع من الإكراه، او القسر أو الإجبار بالقوة، وغالبا ما يلجأ الحكام المستبدون الى أساليب القسر والاستبداد، وطالما أن الأخير يتنافى مع الفطرة الانسانية كون الانسان وُلِدَ حرا لا سلطان عليه من البشر او أي مخلوق آخر، فإن الحكومات اللاشرعية (القابضة على السلطة بتشريعات شكلية مزيّفة)، تبذل كل ما في وسعها لشرعنة اسلوبها الاستبدادي في التعامل مع الشعب، ويبقى الهدف الاساس من هذا الاسلوب، يكمن في رغبة النظام السياسي على البقاء في السلطة والاستفادة من امتيازاتها أطول مدة ممكنة.
لذلك تلجأ الحكومات المستبدة الى المبدأ الميكافيلي الذي ينص على أن (الغاية تبرر الوسيلة)، وهذا المبدأ الذي يتم استخدامه بطرق مبطنة من لدن أنظمة الاستبداد، لا يمكن إخفاؤه حتى لو كان مبطنا، لأن نتائجه غالبا ما تكون مكشوفة، لهذا السبب لجأت الانظمة السياسية الدكتاتورية القابضة على السلطة بقبضة من حديد، الى إضفاء الشرعية على الاستبداد، من خلال اللجوء الى تشريعات عديدة ملتوية تجيز لها تركيز السلطات بيد القائد الأعلى وحكومته، وبهذا تتم عملية كبيرة لشرعنة قمع الآخر، الهدف من ورائها ضرب الصوت المعارض وردع الآراء المضادة لسلطة القائد المستبد، بطريقة دستورية او قانونية مشرعنة.
لذلك لا يجوز لبعض الانظمة الاسلامية ان تلجأ الى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، لأن الاسلام يحرّم هذا الاسلوب بصورة قطعية، لكننا لاحظنا ان بعض الانظمة المنضوية تحت خيمة الاسلام السياسي، لم تتردد عن استخدام هذا المبدأ من اجل تحصين عرشها وحماية نظامها، بغض النظر عن الخسائر الجسيمة التي تطول الشعب وحقوقه، وغالبا ما يكون الفقراء هم الضحايا لأنهم وقود هذه الخسائر التي تمس صلب حياتهم اليومية وحاضرهم ومستقبلهم، من هنا لا يجوز لأي نظام اسلامي أن يلجأ الى اسلوب شرعنة التمسك بالسلطة مهما كانت التبريرات.
ومن بين أساليب الاحتيال التي تمارسها بعض الانظمة الاسلامية الفردية السلطوية، اسلوب او مفهوم ولي الأمر، إذ تحاول تلك الانظمة ان تعطي للاستبداد المطلق غطاءً شرعيا مطلقا، من خلال تشريعات قانونية ودستورية يكتبها النظام نفسه، بوساطة المؤسسات التابعة له، كونها من صنع يده، وفي الغالب تهدف هذه التشريعات التي لا تقوم على أسس الاسلام، بمحاصرة الرأي المعارض وتضربه بقوة الدستور في الظاهر، لكنها في حقيقة الامر تمثل عملية استبداد مشرعنة بصورة مبطّنة، ومع ذلك تبقى بالغة الوضوح للمراقبين، بل حتى لعامة الناس والبسطاء منهم، لأن نتائجها تظهر جلية على أوضاع الطبقة الاوسع والأكثر فقرا وضعفا في المجتمع.
لذلك لا يمكن أن تمر مثل هذه الاساليب القمعية التي يظن بعض الحكام المحسوبين على الاسلام السياسي، انها يمكن أن تمر على الناس من دون أن يلاحظوها او يشعروا بها، وغالبا ما تعتقد الانظمة القمعية السلطوية أن نتائج الاحتيال التشريعي الذي تقوم به ادواتها ومؤسساتها الشكلية التابعة لها، سيعود عليها بنتائج تكفي لاخفاء النهج الاستبدادي لها، لكن المؤشرات بل الأدلة الدامغة تكون حاضرة دائما، كي تفضح تلك الانظمة القامعة للصوت المعارض، بل لمكونات الشعب كافة من دون تردد طالما كان الامر يتعلق باستمرارية النظام في السلطة.
لذلك يعلم الجميع، وأولهم تلك الانظمة الاسلامية الملفعة بعباءة الاسلام السياسي، أن الدين لا يقر بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، لأنه غير وارد في النصوص القرآنية أو الاحاديث الشريفة، بل تؤكد هذه النصوص والاحاديث المباركة، على أهمية الصوت الحر، والرأي الصادر عن قناعة تامة لصاحبة، بل هناك تحريم بالغ الوضوح من لدن الدين وتعاليمه ومبادئه، لأية أساليب تهدف الى محاصرة الرأي الحر وقسره أو إكراهه بالقبول بأمر ما، ومهما حاولت بعض الانظمة الاسلامية أن تبرر أساليبها الاستبدادية وأن تشرعن هذه الاساليب، فهي تعلم علم اليقين أن أساليبها هذه بعيدة عمّا يريده الاسلام ويدعو إليه، لأن الاسلام الذي يحتمي به بعض ساسة الاسلام السياسي يرفض مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ويضع حرية الانسان المشروعة فوق كل اعتبار.
ومع ذلك نلاحظ أن بعض الانظمة الاسلامية، تضع تعاليم الاسلام خلف ظهرها مع سبق الاصرار، لأن تلك الانظمة غالبا ما تكون في حالة تناقض مع ما يدعو اليه الدين وما يبتغيه الاسلام، وما يهمها أصلا ليس الدين وتطبيق مبادئه، بل ما يهمها هو السلطة، والبقاء خلف دفة القيادة ليوم اضافي جديد، وذلك لاستثمار امتيازات النفوذ وسرقة المال العام بصورة منظّمة، أما النتائج الخطيرة التي تتعرض لها الشعوب، فهي ليست ذات أهمية بنظر حكومات القمع والتسلط، ويبقى المهم لها كما ذكرنا، هو بقاؤها اطول فترة ممكنة في الحكم مع علمها أن هذا الاسلوب المنافي للاسلام يعجّل بسقوط الحكومات ويسرّع من انهيارها.
اضف تعليق