أرجعَ أحد المفكرين الغربيين، أسباب ضعف المسلمين الى التناحر فيما بينهم، وعدم قدرتهم على تحقيق وحدة الصف والكلمة، جاء ذلك أمام جمع من المسلمين في ندوة ناقشت شؤون الدول العربية والاسلامية، وما وصلت إليه أوضعاهم من فرقة واحتراب، وقد عزا هذا المفكر حالة الضعف والاضطراب التي تعاني منها الدول العربية والاسلامية، الى المسلمين أنفسهم، لأنهم ضعفاء ولا يستطيعون أن يتوحدوا، ولا يتفقون على هدف واحد يجمعهم حسب وصفه، ولا يعنيهم حاضرهم ومستقبلهم ولا ثرواتهم، ويقول بالحرف الواحد وهو يخاطب جمهوره من المسلمين، إنكم السبب الوحيد الذي جعل أوضاعكم تصل الى هذه الدرجة من السوء، وضعفكم هو السبب الرئيس الذي جعل الآخرين (الدول الغربية والمجاورة) يطمعون بسرقة ثرواتكم!!.
هكذا بهذا الوضوح، وهذه اللغة المباشرة، ينفي هذا المفكر الغربي، أية مسؤولية للدول الغربية (امريكا، وأوربا، واسرائيل) ودول اخرى (تركيا والسعودية وغيرهما)، عن الأوضاع المتردية التي يعيشها العرب والمسلمون، ويؤكد أن السبب يكمن في المسلمين والعرب أنفسهم، فكل ما يحدث من حالات قتل واحتراب في سوريا او ليبيا او العراق لا علاقة لأمريكا به، ويقول أن امريكا والغرب لا يعنيها تعدد الأديان والمذاهب والطوائف بين المسلمين، فهي لا تعرف السني والشيعي، ولا يعنيها ذلك، ولكن العرب والمسلمين على الرغم من انهم يتكلمون بلغة واحدة، لكنهم لا يستطيعون أن يتوحدوا على هدف واحد.
وقال المفكر نفسه، توجد في المجتمع الغربي اكثر من 150 لغة، وينبغي أن تكون عامل تفرقة بينهم، لكنهم متوحدون فيما بينهم، ويعرفون ماذا يريدون لكي يتحدوا ويتوحدوا، أما أنتم، ويقصد المسلمين والعرب، فالسبب في ضعفكم عدم اتفاقكم مع بعضكم البعض، وحالات الضعف التي تجتاحكم، هي التي تشجع الآخرين على سرقة خيراتكم، وعندما تصبحون أقوياء، لا تستطيع أية قوة في العالم، ان تطمع بكم او تسرق ثرواتكم.
وحين نحاول أن نحلل أقوال المفكر الغربي التي تم عرضها في شريط فديو، نشرته مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام، قد نختلف معه حول بعض الأسباب التي قال أنها تقف وراء تدهور المسلمين، وانها تشجع الاخرين على سرقتكم، وقال أنكم عندما تصبحون أقوياء لا يفكر أحد بالتجاوز على خيراتكم، هنا يكمن التساؤل التالي: كيف يستعيد المسلمون قوتهم التي فقدوها منذ قرون؟، حتى تبدأ مرحلة استعادة الحقوق، وردع القوى التي كانت ولا تزال تطمع بهم وبأرضهم وثرواتهم؟؟.
التقصير والقصور الذاتي
حتى هذه اللحظة لم يعرف المسلمون والعرب، مكامن القوة التي توجد لديهم، إنهم كما يبدو، منشغلون بأسباب الفرقة بينهم أكثر من انشغالهم بالعوامل التي تساعدهم على تحقيق الوحدة الاسلامية، ومن قضايا وعوامل القوة الأهم التي يهملها المسلمون، قضية (الفكر الحسيني)، والتحرك الجاد لاستثمار هذا الفكر في تحقيق الوحدة الاسلامية، لاسيما أن كل ما ينطوي عليه الفكر الحسيني من مضامين ورؤى ومسارات نظرية وعملية، تنطلق من الركيزة المبدئية الإنسانية التي تضع قيمة الانسان فوق كل اعتبار، وترفض الظلم، وتضع العدل معيارا لتحديد العلاقات بين الافراد والجماعات من جهة، وبينهم وبين النظام السياسي الحاكم من جهة اخرى.
ولكن هنالك تقصير واضح للمسلمين في هذا الجانب، فضلا عن القصور الذي يشكل جانبا من تكوينهم ورؤيتهم للحياة، ومع أننا لا ننفي تأثيرات العوامل الخارجية في إضعاف المسلمين، كتدخل القوى الاجنبية البعيدة والقريبة، وإثارتها للفتنة بينهم، وزرعها لعناصر الفرقة والاحتراب، إلا أن التقصير الذاتي له الحصة الأكبر في هذا المجال، فلو أن المسلمين استلهموا المبادئ التي سار عليها الامام الحسين (ع)، ولو أنهم آمنوا بها، ووثقوا بسليل الدوحة المحمدية، وما قدمته للمسلمين من انجازات عظيمة ابان البعثة النبوية المباركة، لكانت أمة الاسلام قد اختصرت الطريق، واستعادت وحدتها وقوتها.
وبذلك تتحقق النقطة الشرطية التي وضعها المفكر الغربي (أعلاه)، والتي حدد فيها السبب الأساس الذي يقف وراء ضعف المسلمين، والتي حددها بالتفرقة التي تفتك بهم، وتزيدهم ضعفا وتناحرا، ومن ثم تشكل السبب الأهم في تشجيع الآخرين على سرقة ثروات المسلمين، ولو أننا نظرنا بشيء من الموضوعية للملاحظات المهمة التي طرحها المفكر الغربي في مناقشته لأسباب الضعف العربي والاسلامي، مع جمهور من المهتمين (طلاب ومعنيين ومفكرين عرب ومسلمين)، لاكتشفنا فعلا أننا نحاول أن نتملص من المسؤولية الملقاة على عاتقنا، بخصوص حالة الضعف التي تفتك بالنسيج المجتمعي الاسلامي.
وعندما يكرر هذا المفكر بأن المسلمين هم السبب الأول في ما يحصل لهم، وأنهم غير مستعدين لمواجهة أنفسهم ومعالجة أسباب ضعفهم، وهم غير قادرين على توحيد صفوفهم وكلمتهم، فإننا سوف نلاحظ درجة كبيرة من الدقة في هذه الملاحظات والأقوال التي استقاها (القائل)، من واقع المسلمين بصورة فعلية، والدليل يتضح في إهمالهم للفكر الحسيني ومبادئه، وإمكانية الاستفادة منه لتحقيق الوحدة الاسلامية، وفي المقابل يهتمون على نحو واضح بالاختلافات التي تفرّق بينهم، ثم يتحدثون كثيرا عن الأعداء وخاصة الغربيين منهم، ويكثرون من الحديث عن دورهم في إثارة الفتن بين المسلمين، ولكنهم لا يذكرون إخفاقهم في توحيد صفوفهم وكلمتهم.
هل هناك فرصة لتوحيد المسلمين؟
ليس من قبيل الأمل الفارغ، عندما نقول أن آفاق الوحدة الاسلامية كبيرة وواسعة، وهي تلوح في الأفق، فليس كثيرا على هذه الأمة أن تستعيد مجدها، وهي التي قدمّت الكثير للجمع البشري، وأثبتت للجميع أنها أهل للدور الانساني الريادي الذي يخدم الانسان في الأرض، ولم يكن هذا الهدف من قبيل الكلام المجرد، إنما لمست الأمم الاخرى (التي شاركت المسلمين في اقتسام الضرع والزرع والعلم)، ما قدمه المسلمون لهم من حضارة وفكر محدث، أسهم بشكل أو بآخر في تطوير البشرية كلها، لذلك من المعيب أن ينكر هؤلاء فضل المسلمين عليهم.
لذلك الاجابة عن السؤال حول فرصة المسلمين في تحقيق وحدتهم، فإن جوهر الفكر الحسيني الإنساني يتيح لهم تحقيق هذا الهدف، ولكن قبل كل شيء لابد أن تكون هناك إرادة حقيقة لجميع المسلمين، للسعي نحو هذا الهدف، لاسيما أن الخروج من مأزق الضعف والتخلف والفرقة والانحدار والانحراف والتطرف والانشغال بالفتن الداخلية، يعتمد بصورة كليّة على المسلمين أنفسهم، لاسيما أن هناك من يتربص بهم من سكان الأرض، لأنهم أصحاب ثروات هائلة، تجعل لعاب الجميع يسيل طمعا بها.
فيندفع هؤلاء (كما ذكر المفكر الغربي) لنهش الجسد الإسلامي، الذي لا يريد عقله أن يسعى لتحقيق الوحدة الاسلامية، ويتضح هذا من إهمال المسلمين لفرصة ذهبية تتكرر أمامهم سنويا، وهي موجودة بينهم على مدار الساعة، ونعني بها التعاليم والمبادئ التي تتوافر للمسلمين في الفكر الحسيني، فليس عصيبا على قادة المسلمين، أن يجتمعوا ويوحدوا كلمتهم استنادا الى هذه المبادئ التي ترفض الظلم، وترفع راية العدل، وتدعو الى الرحمة، والتوحيد.
وهي مبادئ تستمد وجودها من الجذر المحمدي، فالحسين (ع) هو سبط النبي (ص)، وهو يمثل الامتداد الشرعي لهذه الدوحة النبوية التي نشرت العدل والرحمة والسلام في ربوع الأرض، واذا اراد المسلمون أن يتحملوا مسؤوليتهم في الانتقال من التناحر والفتن والاحتراب فيما بينهم، الى الاتحاد والقوة والاستقرار، فإن الطريق لاستثمار الفكر الحسيني مفتوح أمامهم جميعا.
اضف تعليق