ونحن صغار كنّا نسمع من أهلنا، الآباء والأمهات، أن ديننا أوجب الصيام حتى يعرف الغني جوع الفقير، ويشعر بمعاناته، ويمد له يد العون، ويتعاون معه إنسانيا، ولكن مع اتجاه الحياة وأنماط العيش نحو التعقيد المادي، بات الإنسان أكثر ميلا للتقاليد والقيم المادية التي تمجّد الذات وتهمل الآخر، وهي مشكلة تفاقم الفقر في العالم...
ونحن صغار كنّا نسمع من أهلنا، الآباء والأمهات، أن ديننا أوجب الصيام حتى يعرف الغني جوع الفقير، ويشعر بمعاناته، ويمد له يد العون، ويتعاون معه إنسانيا، ولكن مع اتجاه الحياة وأنماط العيش نحو التعقيد المادي، بات الإنسان أكثر ميلا للتقاليد والقيم المادية التي تمجّد الذات وتهمل الآخر، وهي مشكلة تفاقم الفقر في العالم.
هناك في عالم اليوم دراسات تضع قيمة أو ثمن الخبز مقياسا للفقر فيما بين البلدان، فإذا كان ثمن رغيف الخبز عاليا كان ذلك البلد معرّضا للغلاء الفاحش وأهله فقراء، ويصح العكس، بالطبع هذه القضية نسبية وليست دقيقة علميا.
ولهذا يتفق المسلمون في أرجاء العالم، على أن شهر رمضان شهر الخيرات والأعمال الجيدة، ولا يختلف العراقيون عن الآخرين في هذه النظرة العريقة لهذا الشهر الكريم، ولكن هناك تناقض بين مسمّيات هذا الشهر وأجوائه وبين ما يحدث من ارتفاع واضح لأسعار السلع والمواد الغذائية على وجه الخصوص، حيث تتضاعف الأسعار أكثر وتثقل كواهل محدودي الدخول.
ظاهرة لا تليق بالمسلمين
وإذا اتفقنا على أن شهر رمضان غايته إشعار (الشبعان بالجوعان)، فإن الارتفاع المُغالى به في الأسعار مرفوض تماما، بل أي نسبة ارتفاع حتى لو كانت قليلة تتناقض مع الأهداف التي وُضِع من أجلها هذا الركن المهم، فمن الذي يقف وراء هذه الظاهرة التي لا تليق بالمسلمين ولا بالعراقيين ولا حتى بهذا الشهر الكريم.
قد لا يرى كثيرون أهمية لهذا الموضوع، وهناك من يستكثر علينا الاهتمام بمواضيع كهذه، وينتقدنا، وهناك من يقول توجد مواضيع أهم يجب طرحها ومناقشتها، وهو رأي صحيح ومحترم، لكن وفق سلّم الاحتياجات التي يحتاجها الإنسان، يأتي الغذاء في المرتبة الأولى، لأن فقدان الغذاء، أو قلّته، أو رداءته، وعدم القدرة على الوصول إليه، تعني هلاك الناس.
المجتمعات الراقية والدول التي تتربع على قمم التطور، لا تهمل غذاء شعوبها، وتسعى دائما لتوفيره بأرخص الأثمان، وفي بعض الدراسات والمقاييس يعدّ رخص ثمن الخبز في البلدان دليل على تطورها وتقدمها، ومن المفارقات المثيرة أن بلدا كالعراق يعدّ فيه ثمن الخبز مرتفعا، في حين تعاني بلدان أخرى من ضائقة مالية وحصارات اقتصادية لكن الخبز فيها يُباع للناس بأسعار تكاد تكون رمزية.
في العراق هناك مؤشرات أخرى على إنهاك الناس بالأسعار المرتفعة، منها مثلا (وفي هذا الشهر الكريم بالذات) ترتفع أسعار كهرباء المولدات الأهلية مع أن تجهيز الكهرباء الوطنية يكاد يكون مستمرا، فلماذا يدفع الناس أثمان بلا مقابل، وقد دفع مواطنون (10000) عشرة آلاف دينار عن كل أمبير (في شهر رمضان) وهذا المبلغ يكاد يُدفَع لأصحاب المولدات بلا مقابل، مع العلم أن المواطن يدفع فاتورة الكهرباء الحكومية بشكل كبير أيضا لأن التجهيز مستمر، هذا الأمر يحتج عليه الناس ويرفضون هذا الدفع المزدوج.
تبريرات وحجج لزيادة الأسعار
نأتي إلى السلة الغذائية التي خصصتها الحكومة للناس بمناسبة شهر رمضان، سمعنا أنها تحتوي على البيض ولحوم الدجاج أو اللحوم الحمراء، ولكن لا شيء وصل من ذلك حتى اللحظة، الجديد في هذه السلة (نصف كيلو من مادة النشا لكل عائلة)، وهذا يذكر العراقيين (بنصف كيلو العدس في حكومة رئيس الوزراء الأسبق)، ويبدو أنها ستصبح دلالة دائمة تذكّر بتلك الحكومة.
أما طحين الصفر (5 كيلو لكل عائلة) فقد دخلنا النصف الثاني من شهر رمضان ولم نستلمها حتى الآن، هذه الدلالات البسيطة الواضحة، تشير إلى أن هذا الشهر الكريم لا يشكل فرصة لدعم الفقراء، بل كما تشير الوقائع، تتضاعف فيه الأسعار، ويُثقَل فيه كاهل (رب العائلة)، سواء بارتفاع السلع، أو بقلة الدعم الحكومي.
بالإضافة إلى تقاليد العيد في المجتمع، حيث يكون أرباب الأسر في حالة إنذار لشراء الملابس الجديد لعوائلهم، وهذا يُحدِث قفزة بأسعار الملابس أيضا، فأما يحجِم الآباء الفقراء عن الشراء، أو يلجأون إلى الملابس المستعملة (البالة) لتهاود أسعارها بالقياس مع الجديد منها.
أخيرا هذه الكلمات والشواهد الواردة في أعلاه، تمر في بال معظم العراقيين، ويأملون أن تفكر الحكومة وصنّاع القرار، وأثرياء البلد وتجّاره الكبار، وكل من يهمه الأمر، بمعالجة الضغط الحاصل بالأسعار على العوائل، أما التبريرات التي تقول بأن هذا الارتفاع (حالة عالمية)، فهي تبريرات ليست مقنِعة، لأن الأموال الموجودة بالعراق، تكفي إطعام العراقيين مجانا لمئة سنة قادمة.
اضف تعليق