تأثيث التجربة العقلية للإنسان بالفنون الراقية، تعني الارتقاء به فكرا وثقافة ومن ثمّ تصرّفا، بعد أن يتدخل الفن ويشذّب شخصية الإنسان، لهذا تدخل الفنون المتنوعة ضمن دائرة الإبداع، وهي بذلك تعد من العوامل المساعدة على تطوير الإنسان، من حيث التفكير والتصرّف، وتسعى لتشذيب الشخصية وتنقيتها من حالات التطرف والتعصب...
تأثيث التجربة العقلية للإنسان بالفنون الراقية، تعني الارتقاء به فكرا وثقافة ومن ثمّ تصرّفا، بعد أن يتدخل الفن ويشذّب شخصية الإنسان، لهذا تدخل الفنون المتنوعة ضمن دائرة الإبداع، وهي بذلك تعد من العوامل المساعدة على تطوير الإنسان، من حيث التفكير والتصرّف، وتسعى لتشذيب الشخصية وتنقيتها من حالات التطرف والتعصب، وتحميها من موجات الكراهية التي تستهدف العقل والأفكار معا.
والفن كما يعرّفه المعنيون هو عبارة عن مجموعة متنوعة من الأنشطة البشرية في إنشاء أعمال بصرية أو سمعية أو أداء (حركية)، للتعبير عن أفكار المؤلف الإبداعية أو المفاهيمية أو المهارة الفنية، والمقصود أن يكون موضع تقدير لجمالها أو قوتها العاطفية.
كما قسّم المهتمون الفن إلى ثلاثة فروع كلاسيكية هي الرسم والنحت والعمارة. وتتضمن الفنون الجادة أيضا ومنها المسرح والسينما والفنون المسرحية الأخرى، وكذلك الأدب وغيرها من الوسائط مثل الوسائط التفاعلية، في تعريف أوسع للفنون. حتى القرن السابع عشر، كان الفن يشير إلى أي مهارة أو إتقان ولم يتم تمييزه عن الحرف أو العلوم.
لكن بعد القرن السابع عشر، أصبح للاعتبارات الجمالية أهمية قصوى، وأخذ المهتمون بفصل الفنون الجميلة وتمييزها عن المهارات المكتسبة بشكل عام، مثل الفنون الزخرفية أو التطبيقية، وكما هو واضح يحتاج الإنسان لهذه الفنون لتغيير حياته وجعلها أكثر أهمية وإنتاجية وجمالية وإنسانية من السابق، لهذا يحتاج كل فرد وكل مجتمع التخلص من فقر الفنون، كي يتجنب مخاطر التلوث الفكري الذي قد يصيب عقله في عالمنا المفتوح إعلاميا.
مناهج مختلفة للفنون
وفي ظل شحة المصادر الفنية، وانتشار الفقر الفني بين الناس، لاسيما في الأمم المتأخرة، بات الفن في آخر اهتمامات الناس، وقد زاد غموض الفن في إهماله، إذ (على الرغم من أن تعريف الفن يشكل موضوع خلافي وغير متفق عليه، وقد تغير مع مرور الوقت، فإن الأوصاف العامة تشير إلى فكرة عن مهارة إبداعية أو تقنية ناشئة بواسطة البشر. يتم استكشاف طبيعة الفن والمفاهيم ذات الصلة، مثل الإبداع والتفسير، في فرع من الفلسفة المعروفة باسم الجماليات) العميقة وليست السطحية أو الشكلية.
وبعد حالة الغموض التي أصابت الفن كمفهوم، وتراجع دوره في المجتمعات المتأخرة وعيا وثقافة، تضاعف مشكلة ماهية الفن، وهكذا أصبح تعريف وتقييم الفنّ مشكلة خاصة منذ أوائل القرن العشرين، إلى أن تم تمييز تعاريف الفنّ على يد ريتشارد ووليهم على ثلاثة مناهج مختلفة وهي:
الواقعية: حيث الجودة الجمالية هي قيمة مطلقة مستقلة عن رأي الإنسان.
الموضوعية: حيث أنه هو أيضا قيمة مطلقة، ولكن يعتمد على التجربة الإنسانية عامة.
النسبوية: وهو ليس من قيمة مطلقة، بل هي المنحى الفلسفي الذي يعدم وجود حقيقة مطلقة.
وقد قسم الباحثون المعنيون الفنّ قديما إلى سبعة أقسام وهي: (نحت/ عمارة)، (رسم/ زخرفة)، (تلوين تمثيلي/ تلوين صرف)، (إيماء/ رقص)، (أدب/ شعر)، (سينما/ إضاءة).
نشر الفنون الجادة
ماذا يحتاج المجتمع كي ينشر الفنون الجادة، ويغرسها في تكوين الإنسان، ولماذا يسعى إلى ذلك، السعي يأتي بهدف الارتقاء بالإنسان خصوصا في ناحية التفكير الإيجابي، والهدف من ذلك بناء إنسان حر وواعي، وهذا يتطلب وجود قطبين أساسين في المجتمع وهما، الأول هو الفن الذي أوضحناه آنفا، والثاني هو الفنان، فما هو التوصيف القريب من شخصية الفنان؟
إنه وفق المعنيين من باحثين وكتاب في شؤون الفن، (شخص منخرط في نشاط يتعلق بإبداع الفن أو ممارسة الفنون أو العروض الفنية. يشير الاستخدام الشائع في كل من الكلام اليومي والخطاب الأكاديمي إلى ممارس في الفنون البصرية فقط. ومع ذلك، غالبًا ما يستخدم المصطلح أيضًا في مجال الترفيه)، لكن الفنان يجب أن يكون منتجا جيدا وناجحا للفنون التي ترتقي بالفرد والمجتمع.
هل يوجد تعارض بين الظواهر المسيئة للمجتمع وبين الميل إلى ترسيخ الفنون بين أفراده وجماعاته؟، يُطرح مثل هذا التساؤل أحيانا، وهنالك آراء مختلفة بشأنه، منها ما يرفض الفن عندما يستدرج الإنسان إلى (الفقر الفني)، من خلال المنهج الاستعراضي الهابط بعض الفنون، وكل هدفها والقائمين عليها، ليس تعميق الفن، وإنما الربح المالي التجاري من الأعمال الفنية الهابطة، والهدف هنا مادي بحت.
بالتالي لا يدخل مثل هذا المنهج الفني التجاري، ضمن الأهداف السامية للفنون الجادة التي لها القدرة الفعلية على انتشال المجتمعات والناس من فقر الفنون الذي يصيبهم، فيجعل من حياتهم جافة عجفاء لا روح ولا إبداع فيها، لهذا فإن المجتمعات الحيوية هي التي لا تتخلى عن الفنون وتنميتها ورعايتها، لكنها في نفس الوقت ترفض أن تهبط الفنون إلى التفاهة والسفاهة حين يكون هدفها ماديا ربحيّا بلا إبداع وبلا رسالة.
اضف تعليق