الهجرة بمعناها الواضح والبسيط، تعني انتقال شخص او جماعة من مكان لآخر، بحثا عن فرص عيش أفضل، قد يكون هذا المكان ضمن حدود الدولة الداخلية التي ينتمي إليها المهاجر، وهذا النوع من الهجرة أقل ضررا من الهجرة الخارجية، وهي تعني ترك الشخص او الجماعة المهاجرة لبلادها الى بلد آخر تحي أسباب عديدة منها توافر شروط حياة أفضل وأكثر أمنا، ولم تكن الهجرة وليدة العصر الراهن او الظروف المعقدة التي يعيشها العالم اليوم، لاسيما منطقة الشرق الأوسط.
فقد عرف الانسان الهجرة منذ أقدم الأزمان، كما أنها ليست ممنوعة، بل قد تكون محمودة في بعض الأحيان، كما أن بعض الأديان تحث على الهجرة، اذا ضاقت سبل الحياة الكريمة بالانسان، ومنها الدين الاسلامي كما يرد ذلك في النص القرآني ((هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ/ سورة الملك15)، ولكن تبقى الظروف المحيطة هي التي تحدد خيارات الانسان بالنسبة للهجرة بالاضافة الى الاسباب السياسية والاقتصادية، الداخلية والخارجية أيضا.
في العراق هناك هجرة يمكن أن توصَف بأنها (غير مسبوقة) لشريحة الشباب خارج البلاد، وهناك أسباب كثيرة تقف وراء ما يحدث في هذا المجال، يتقدم هذه الأسباب الفشل السياسي والاقتصادي لإدارة البلاد، فعلى الرغم من أن العراق يعد من أغنى دول العالم، ويمتلك موارد وإيرادات تعد كبيرة قياسا لعدد نفوسه، لكن مع ذلك ايضا يعد من أفقر بلدان العالم حاليا، إذ يعيش تحت خط الفقر ما نسبته 24% من سكانه!، وهذا الرقم أعلنته جهة حكومية، الأمر الذي يدل على فشل مؤكّد لقادة البلد في ادارة الاقتصاد.
الغرب والعصابات والفشل الحكومي
وثمة ما يتعلق بالفشل الاقتصادي أيضا، ونعني به الفساد المالي وهدر ثروة البلاد الكبيرة في الصفقات الفاسدة والوهمية، واختلاس مليارات الدولارات، مع الإفلات من العقاب، في حين كان يمكن أن يتم توظيف هذه الاموال الكبيرة في مشاريع تخدم الشباب وتمتص طاقاتهم، ويتم من خلال ذلك توظيف العقول الشبابية النادرة لخدمة التنمية في العراق، وبهذه الطريقة تحافظ الدولة على الشباب والعقول المتميزة، وفي الوقت نفسه تبني البلد بطريقة متطورة.
ومن أسباب الهجرة أيضا فشل القادة العراقيين في إدارة الشؤون السياسية، حيث أدى هذا الفشل الى غياب أهم عنصر لتوثيق العلاقة بين الشباب وبين وطنهم، ألا وهو عنصر الأمان، إن الشاب الذي يقبل على الحياة والعمل بشغف، يحتاج الى وسط آمن ينشط فيه ويبني حياته ويكوّن أسرة ويحقق طموحاته كافة، فإذا ضاع عنصر الأمان، لم تعد هناك قدرة للشاب على البناء، لهذا يبدأ يفكر بجدية البحث عن مكان آمن خارج حدود مناطق الخطر في بلاده، وفقدان الأمن يتآزر مع الإهمال الحكومي للشباب، فتصبح الهجرة هدفا مقنعا لهم.
ومن أسباب الهجرة أيضا، والتشجيع عليها، عصابات التهريب التي تجني أموالا طائلة منها، حيث تروّج للهجرة وفق خطط مدروسة تدفع الشباب الى التعاقد مع هذه المافيات والعصابات، وتجعلهم يدفعون أموال كبيرة حتى من دون ضمان، فضلا عن مخاطر الهجرة التي غالبا ما تكون غير مشروعة وعبر طرق غير آمنة، كالبحار والغابات وما شابه، وهي مميتة في معظم الأحيان، ومع ذلك يفضل الشباب الهجرة مع المخاطر على البقاء في بلاد لا تحافظ على حقهم في حياة حرة كريمة تضمن حاضرهم ومستقبلهم.
ولا ننسى دول الغرب في هذا المجال، فهي ايضا لديها أسبابها التي تجعلها تستقبل الشباب العراقي المهاجر إليها من دون تردد، فهي شعوب تفتقر للطاقات الشبابية، وتسودها شريحة الشيوخ والعجزة من كبار السن، بمعنى أن نسبة الموارد العالية في البلدان الغربية يمكنها ان تستفيد من الشباب العراقي أفضل الفائدة، وتستخدم عقولهم وجهودهم العضلية في بناء بلدانهم، مقابل توفير السكن والمأكل والأمن لهم، وهو ما لا يستطيع ان يوفره لهم بلدهم الأم العراق، بسبب الفشل الحكومي والفساد الذي يدمر كل شيء.
بعض الحلول لمن يهمه الأمر
إن هذا العرض المستفيض لهذه المشكلة الكبيرة، وتأشير معظم الأسباب التي تقف وراء ظاهرة هجرة الشباب العراقي الى أوربا وسواها، ينبغي أن ترافق ذلك حلول مقترحَة، توضع أمام من يهمهم الأمر، لاسيما أن الخسائر التي تنتج عن هجرة الشباب خطيرة وكبيرة، ولا تقتصر على الواضع الراهن للعراق، بل تمتد المخاطر الى الأجيال القادمة، لأن التفريط بشريحة الشباب العراقي وطاقاتهم، يعني تفريطا بالعراق نفسه حاضرا ومستقبلا!!.
وفي حالة إصرار قادة البلد لإهمال الشباب، وحصرهم في زاوية ميتة، والتغاضي عن وضع الحلول اللازمة التي تحد من هجرة الشباب، فإن الشعب (الذي يتظاهر الآن على الفساد وتحقيق الإصلاح)، لن يصمت إزاء ذلك، بالإضافة الى أن التاريخ سوف يذكر ذلك، فيتم تدوين كل سياسي قائد ومسؤول عن ما يحدث الآن.
لذلك يتطلع العراقيون الى وضع الحلول اللازمة واتخاذ الخطوات التشريعية والإجرائية الفعالة التي تعالج هذه الظاهرة من الجذور، وهي في الحقيقة تقوم على الخطوات العملية التي يمكن أن تُدرَس ويتم التخطيط لها بصورة فاعلة وعلمية وفق خطط يضعها متخصصون، ومن هذه الخطوات التي نقترحها ونضعها أمام من يهمهم الأمر ما يلي:
- بناء الأرضية اللازمة في العراق لتحقيق النجاح في المجالين السياسي والاقتصادي.
- العمل الرسمي الجاد والحقيقي للقضاء على الفساد وإهدار المال العام.
- هذا الإجراء سوف يوفر أموالا طائلة لخزينة الدولة ووفرة مالية، لا تذهب الى جيوب حيتان الفساد.
- تحقيق الحاضنة الاجتماعية السياسية الاقتصادية الآمنة للشباب.
- بناء مشاريع كبرى تتيح للشباب فرص عمل تناسب مواهبهم وإمكاناتهم ومعارفهم العلمية.
- ضمان الحياة الكريمة للشباب من حيث الزواج والعمل والسكن.
- تستدعي مثل هذه الخطط الكبيرة أموالا هائلة، يمكن تحصيلها اذا تم القضاء على الفساد.
- كل الخطوات السابق ذكرها في أعلاه، تستدعي تحسين الأداء السياسي والاقتصادي.
- وهذا بدوره يتطلب قيادات نزيهة وأمينة ولديها مؤهلات تمكنهم من قيادة العراق وشبابه الى بر الأمان.
اضف تعليق