ان المجتمع العراقي له جذور جيدة في جانب الحوار الاجتماعي، حيث كانت مكوناته المختلفة ملتزمة بثقافة الحوار، وكانت تحتوي النزعات المختلفة في اللحظة الأولى وقبل اشتعالها، ولكن هناك أوقات معينة وتحت أسباب عديدة تضعف سمة الحوار الاجتماعي، وتتراجع لأسباب مختلفة قد تكون السياسة أو الاقتصاد وراؤها...
الحوار في اللغة: من حاور يحاور محاورة، وقد ورد في تاج العروس أن الحوار يعني تراجع الكلام، كما ورد في لسان العرب لابن منظور تحت الجذر (حور) وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام.
والمحاورة: مراجعة المنطق، والكلام في المخاطبة. وقد حاوره. والمَحُورَةُ: من المُحاوَرةِ مصدر كالمَشُورَةِ من المشاورة كالمَحْوَرَةِ، إذا الحوار في اللغة، هو الرجوع عن الشيء، والارتداد عنه، وحار عن الأمر وإليه (رجع عنه، أو إليه).
أما الحوار في الاصطلاح: فهو (مراجعة الكلام، وتداوله، بين طرفين، لمعالجة قضية من قضايا الفكر، والعلم، والمعرفة.. بأسلوب متكافئ، يغلب عليه طابع الهدوء، والبعد عن الخصومة).
وهنالك آداب محدّدة للحوار وهي آداب جمة، ينبغي للأطراف جميعهم التحلي والالتزام بها، حتى لا يتحول كلامهم إلى مراء، أو جدال.. ومن أهم آداب الحوار :أن يكون كافة الأطراف، على علم تام بموضوع الحوار. وأن يكون لدى كافة أطراف الحوار، الجرأة، والشجاعة، على الاعتراف بالخطأ، في حال خالف (الصواب).
وكذلك أن يتأدب كل طرف مع الآخر، باختيار الألفاظ المناسبة، التي يرتضي المحاور أن يسمعها من غيره. وأن يحترم كل طرف، عقيدة الطرف الآخر، ومبادئه، وأن يراعي نفسيته. وأن يكون الدافع الرئيس لدى جميع أطراف الحوار إصابة الحقيقة، وأن يكون الهدف من قبل الطرفين هو الوصول إلى الصواب، والحق.
وبهذا لابد من البعد عن الغضب وأسبابه مع الحرص على الاعتدال حتى نهاية الحوار. وأن يكون لدى كافة الأطراف، القدرة على التعبير. والمرونة في الحوار، وعدم التشنج.
أولوية تدعيم السلم الأهلي
أما بالنسبة لدمج الحوار مع الاجتماع أو الاجتماعي فسوف نستخلص منهما مفهوم مزدوج هو (الحوار الاجتماعي) وهو في غاية الأهمية لتدعيم ركن السلم الأهلي، وحفظ التعايش والتآزر والتعاون فيما بين مكونات المجتمع المتنوع من حيث الأعراق والأديان والطوائف وسواها، حتى يضمن هذا الحوار الاجتماعي تفاهما جمعيا يتمحور حوله الجميع ويدعمونه.
يشير مصطلح الاجتماعية إلى سمة من سمات معيشة الكائنات كما ينطبق على السكان البشر والحيوانات الأخرى، وهو يشير دائمًا إلى التفاعل بين الكائنات الحية بعضها البعض وجماعية التعايش، بغض النظر عما إذا كانوا يدركون ذلك أم لا، وبغض النظر عما إذا كان التفاعل طوعيًا أو لا طوعيًا.
أما تعريف الاجتماع فمع عدم وجود اتفاق حول معناه، يستخدم مصطلح «الاجتماعية» في العديد من المعاني المختلفة ويعتبر مفهومًا غامضًا، ويشير من بين أمور أخرى إلى: لعبة الاتجاهات، أو التوجهات أو السلوكيات التي تضع مصالح الآخرين أو نواياهم أو احتياجاتهم في الاعتبار (على النقيض من السلوك غير الاجتماعي) دورًا ما في تحديد الفكرة أو المبدأ.
من الأمور التي تم رصدها في المجتمع العراقي قلة وضعف وضمور الحوار الاجتماعي بين مكونات المجتمع المختلفة، وهذه تشكل حالة أو ظاهرة لا تصب في صالح الاجتماعية العراقية، ذلك لأن الحوار هو العمود الفقري للإنجاح البنية الاجتماعية لأي مجتمع، ومع غياب أو ضعف الحوار الاجتماعي سوف يكون الناس عموما أمنا سيل من الأزمات والنزاعات التي لا يمكن تجنبها.
معالجة أسباب تراجع الحوار
وحين تكثر الأزمات والنزاعات في أي مجتمع، فإن البنية الاجتماعية تكون هشة بل في أضعف حالاتها، وهذا ما نلاحظه اليوم في المجتمع العراقي، لاسيما النزاعات الكثيرة وبعضها كبير وخطير يحدث بين جماعات مختلفة، قد تكون عشائر أو أقارب أو جماعات يربطها رابط معين، ولأن الحوار ضامر أو غائب فإن هذه المشكلات تكاثرت وباتت تهدد السلم الأهلي بشكل جدي، مما يتطلب رصد ظاهرة ضمور الحوار الاجتماعي وتفعيلها.
مع أننا يجب أن نؤكد بأن المجتمع العراقي له جذور جيدة في جانب الحوار الاجتماعي، حيث كانت مكوناته المختلفة ملتزمة بثقافة الحوار، وكانت تحتوي النزعات المختلفة في اللحظة الأولى وقبل اشتعالها، ولكن هناك أوقات معينة وتحت أسباب عديدة تضعف سمة الحوار الاجتماعي، وتتراجع لأسباب مختلفة قد تكون السياسة أو الاقتصاد وراؤها.
لكن في العموم يجب أن تتنبه نخب المجتمع العراقي إلى هذا الغياب غير الصحيح للحوار الاجتماعي، ومن المهم جدا، بل من الضرورة الحاسمة أن يتم العمل الجاد على إزالة حالة الضمور في الحوار الذي يجب أن يتجدد ويستمر بالحضور والتفاعل فيما بين المكونات الاجتماعية المختلفة، بغض النظر عن التنوع الاجتماعي المعروف في المجتمع العراقي.
وأخيرا من الأهمية بمكان أن يتم الاهتمام بهذا الجانب من قبل الذين يهمهم هذا الأمر، سواء على المستوى الرسمي أو المستوى الأهلي المدني، فالحوار هو الضمان الأكيد لبناء حالة اجتماعية رصينة، تُسهم بشكل فاعل في جعل المجتمع العراقي أكثر تماسكا وتقاربا فيما بين مكوناته، وهذه الحالة (حالة الحوار الاجتماعي المفعّلة) تصب في كل الأحوال في صالح العراقيين مجتمعين.
اضف تعليق