سبل التخلّص من الفقر النفسي تبدأ من معالجة هذا الفقر عند الأطفال، صعودا إلى الفئات العمرية الأكبر، حتى في المجتمعات المتقدمة هناك انتشار كبير للفقر النفسي، لكن هذه المجتمعات تهتم بمكافحة هذا النوع من الفقر، وتسعى للمعالجة النفسية ولا تجد عيبا في ذلك بل واجبا على الإنسان أن يحمي نفسه من الأمراض النفسية...
نعني بالفقر النفسي ذلك النقص الهائل عند الناس بأهمية معرفة النفس، والإشكالات الكثيرة والخطيرة التي يمكن أن تتسبب فيها للإنسان في حال يجهل نفسه، فقد تكون المشكلة النفسية أشد استعصاءً من المشكلة العضوية أو الجسدية، وقد تبلغ من التعقيد ما يجعل الإنسان غير فاعل في المجتمع، أو مسلوب التفكير، ومعطّل القوى العقلية والفكرية معا.
علم النفس (أو السيكولوجيا)، يهتم بالنفس البشرية، وهذا العلم هو دراسة أكاديمية وتطبيقية للسلوك، والإدراك والعلوم الآلية المستنبطة منهما. ويقوم علم النفس عادة بدراسة الإنسان لكن يمكن تطبيقه على غير الإنسان أحيانا مثل الحيوانات أو الأنظمة الذكية.
تشير كلمة علم النفس أيضا إلى تطبيق هذه المعارف على مجالات مختلفة من النشاط الإنساني، بما فيها مشاكل الأفراد في الحياة اليومية ومعالجة الأمراض العقلية. وباختصار علم النفس هو الدراسات العلمية للسلوك والعقل والتفكير والشخصية.
ويمكن تعريفه بأنه: الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية، وخصوصا الإنسان، وذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به قبل حدوثه لكي يسهل التحكم فيه.
كما أنه من العلوم المهمة حديثا، حيث لم يتوسعوا فيه قديما، وهذا العلم لا يقتصر على فرع واحد بل لديه عدة فروع وأقسام، بالإضافة إلى ذلك فإنه من العلوم الممتعة مع أن دراسته قد لا تكون سهلة، ويساعد هذا العلم في معرفة أنماط الشخصيات المختلفة.
يختلف العلماء المعنيون في تعريف علم النفس، فقد عرّفه فلاسفة الإغريق بأنه علم دراسة الحياة العقلية. وعرّفه علماء التحليل النفسي بأنه علم الحياة العقلية الشعورية واللاشعورية. وعرفه السلوكيون بأنه علم دراسة السلوك.
وأفضل تعريف لعلم النفس هو ما يجمع بين العقل، والسلوك، والشعور، واللاشعور وهو أن علم النفس هو العلم الذي يبحث في السلوك من حيث علاقته بالحياة العقلية، شعورية كانت أو لا شعورية. فأين تكمن أهمية الفقر أو الغنى النفسي في المجتمع.
مرض الاكتئاب المزمن
الإجابة السريعة عن هذا السؤال يمكن توضيحها ببساطة، أن الغنى النفسي يجنّب الإنسان والمجتمع المشاكل النفسية، وهي في مجملها حزمة من الأمراض التي قد تكون سهلة المعالجة، ومنها صعبة العلاج ومعقدة، ومن أخطر الأمراض النفسية التي تُصاب بها المجتمعات والأفراد الكآبة، أو مرض الاكتئاب المزمن.
لماذا يشكل الفقر النفسي خطرا على الفرد والمجتمع ومتى؟، إن خطر الفقر النفسي يكمن في شل طاقات وإمكانيات ومهارات الفرد، وإذا انتقلنا إلى المرض النفسي جماعيا فإنه يمكن أن يشل طاقات مجتمع بأكمله، أو غالبيته إذا كان يعاني من الاكتئاب والأمراض النفسية الأخرى، كالذهان، والفصام، والتشوّش، والعصاب وغيرها من الأمراض التي تبدو غير مرئية ولا ظاهرية، لكنها يمكن أن تحيل حياة الفرد إلى جحيم.
وقد تستنفذ قدراته العقلية والحركية بشكل تام، لدرجة يصبح فيها الإنسان غير قابل للحياة، وغير مفيد لها ولا يناسبها، بسبب تفكيك قدراته، وتهميش شخصيته بعد أن يتم تجنّبه من أقرب الناس إليه.
لهذا السبب تهتم المجتمعات الناجحة بالصحة النفسية لأفرادها، وتبدأ المعالجات من أعمار صغيرة، فالأطفال يمكن أن يخضعوا إلى معالجات نفسية وتربوية داخل الأسرة، بعد أن تدرس الأم والأب وأفراد الأسرة الأساليب النفسية الناجحة بشكل جيد، فيكون هذا البيت أو هذه الأسرة غنية نفسيا، أي بالمعلومات والدروس النفسية لأطفالها وعموم أفرادها.
ثم ينتقل الاهتمام النفسي من البيت أو الأسرة، إلى المرحلة الدراسية الأولية أو الابتدائية، حتى في رياض الأطفال هناك دروس تربوية نفسية تعلّم الإنسان تجنب الأمراض النفسية، وتجعلهم عارفين أغنياء في الجانب النفسي، وبذلك تحمي هؤلاء من الانهيارات والصدمات النفسية قبل أن تتجذر في عقولهم ولا وعيهم ونفوسهم ومن ثم ترسخ في سلوكياتهم.
أساليب مكافحة الفقر النفسي
من الأهمية بمكان أن يتم القضاء على الفقر النفسي الذي يعني نقص في فهم المشكلات النفسية التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان لأسباب كثيرة، وفي حال تم إهمال حالة الفقر النفسي فإن الفرد سوف يعاني كثيرا ويفقد الكثير من فرص المعالجة والنجاح الاجتماعي.
يخشى الأفراد في المجتمعات المتأخرة أخذ الدروس النفسية، أو الذهاب إلى المصحّات والعيادات للمعالجة النفسية، حتى لا يُقال بأنهم مرضى نفسيا ومصابون بـ (الخُبال)، فيخشون أن ينبذهم المجتمع، ويفقدون ثقتهم بأنفسهم، ويصابون بالشلل الفكري والحركي أو العملي، وبذلك يهيمن عليهم الفقر النفسي ويدمّر حياتهم ويشل مهاراتهم وقدراتهم.
سبل التخلّص من الفقر النفسي تبدأ من معالجة هذا الفقر عند الأطفال، صعودا إلى الفئات العمرية الأكبر، حتى في المجتمعات المتقدمة هناك انتشار كبير للفقر النفسي، لكن هذه المجتمعات تهتم بمكافحة هذا النوع من الفقر، وتسعى للمعالجة النفسية ولا تجد عيبا في ذلك بل واجبا على الإنسان أن يحمي نفسه من الأمراض النفسية.
هذا هو السبب الذي يجعلنا مجتمعات فقيرة نفسيا، فكلنا أو معظمنا يخشى العلاج النفسي لأسباب تم ذكرها، لهذا علينا جميعا، أن نعتاد على الذهاب إلى عيادات الأطباء النفسيين، وأن لا نتردد في اتخاذ هذه الخطوة، وأن نربي أطفالنا على أن المرض النفسي والعضوي لا يختلفان إلا من حيث المظهر، لذلك لابد من حملات متواصلة لمكافحة الفقر النفسي، يتصدى لها الجميع من دون استثناء لاسيما الأسرة والمدرسة ودائرة العمل وسواها.
اضف تعليق