المراءاة مفردة تشير الى الرياء، وهي أن تعلن شيئا وتخفي الأصل، نوع من الخداع والتحايل المبطّن، والمنافق مفردة لها معناها القريب من الرياء ايضا، فالأخير يعلن شيئا وفي قلبه شيء آخر، وهو من اصحاب الوجوه المتعددة، بحيث لا يمكن كشفه، من قول او فعل، ولكن غالبا ما تفضحهم وجوهم ومشاعرهم التي تغص بالحقد والضغينة على كل شيء صحيح، فالسليم والمعتدل والمستقيم لا يلتقي مع مآرب المنافق وأهدافه.
أما الكسلان، فهو الانسان الذي يعتاش على جهود غيره، أفكارا أو أعمالا، فهو سارق ولكن بطريقة مبطّنة، وغالبا ما يلقي بواجباته على الآخرين بسبب كسله، واعتماده على جهود الآخرين، حتى يفرط في التواني، وهذا بدوره يقوده الى الضياع، والاخير يقوده الى ارتكاب الآثام والمعاصي بسبب كسله المستدام.
هذه التوصيفان عن (المرائي، والمنافق، والكسلان)، حاولت أن تقدم صورة لجوهر هؤلاء، وفي الغالب نجد هذه العلامات مشتركة في أناس بعينهم، بمعنى المرائي يمكن أن يكون منافقا، ويمكن أن يكون كسلانا في الوقت نفسه، وعندما تجتمع هذه العلامات في شخصية واحدة، عندها نستطيع أن نقدر فداحة الخطر الذي تحمله مثل هذه الشخصيات على الآخرين، فرادى أو مجتمعين.
علامات المسؤول الناجح
فما بالك عندما تجتمع هذه العلامات في مسؤول، له سطوة على الناس، ويمتلك جاها وسلطة ونفوذا، ولديه صلاحيات وقرارات تؤثر في حياة الناس!!، فهل هناك مسؤولين حكوميين وموظفين من هذا النوع؟؟، الجواب نعم هناك مسؤولين من هذا النوع، ويمكن اكتشافهم من خلال تقدم الدولة أو تأخرها في الميادين كافة.
فالحاكم او المسؤول الطاغية المتجبر، هو انسان مرائي حتما، كما انه منافق، وهو كسلان عن أداء اي دور يقع ضمن مسؤولياته تجاه الشعب والدولة، لذلك لا يؤتمن جانب الطغاة، فهم رجال كذابون مخادعون، تتقدم مصلحتهم وامتيازاتهم وحماية عروشهم على كل شيء، ولهذا فإنهم يبذلون كل ما بوسعهم لحماية مصالحهم وعروشهم، معتمدين بالدرجة الاولى على الخداع والكذب والرياء والنفاق، وكل القيم المتخلفة التي تقودهم الى تحقيق مآربهم الدنيئة.
لذلك من اخطر الحكومات على الشعوب هي تلك التي تعتمد مسؤولين وحكاماً (مرائين، منافقين، كسلانين)، لأن النتيجة لن تكون في صالح الشعب مطلقا، ولا يمكن بناء دولة مدنية قادرة على حماية حقوق الشعب، من خلال هكذا حكام وحكومات، لذا من أخطر المسؤولين على الدولة والمجتمع، أولئك الذين تنطبق عليهم وصية الرسول الكرم (ص) لأمير المؤمنين، الإمام علي (ع).
فقد جاء في كتاب (تحف العقول) من وصايا الرسوم الكريم (ص)، للإمام علي (ع): يا علي للمرائي ثلاث علامات: ينشط اذا كان في الناس. ويكسل اذا كان وحده. ويحب أن يُحمد في جميع الامور. وللمنافق ثلاث علامات: إن حدث كذب. وإن ائتمن خان وإن وعد أخلف. وللكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط، ويفرط حتى يضيع. ويضيع حتى يأثم.
ولو أننا تطلعنا الى علامات المرائي، وفقا لوصية الرسول (ص) آنفة الذكر، فإننا سنلاحظ أنها تحذر الانسان من أن يُصاب بها، واذا كان الرسول (ص)، يوجهها كوصية الى الامام علي (ع)، وهو المشهود له من أعظم الحكام المسلمين، فما بال حكام العصر الراهن في الدول الاسلامية من الذين أذاقوا شعوبهم شتى انواع الفقر والحرمان والعوز؟.
الابتعاد عن الرياء والنفاق والكسل
إن المسؤولين الفاشلين، هم أولئك الذين يتسببون بمآسي وكوارث تلحق بشعوبهم ودولهم، لاسيما الفقراء منهم، فالحاكم المرائي (الدكتاتور)، تراه ينشط أمام الناس ويتحرك بل ويتحدث كثيرا، امام الناس لكي يثبت لهم بأنه يقوم بواجباته على افضل وجه، وهو بعيد كل البعد عن هذا الأمر، كونه سرعان ما يعود الى كسله وأنانيته واهتمامه بملذاته ورغباته حالما يكون وحيدا مع نفسه، أما الصفة الاخرى فهو يحب فعلا أن يحمده الآخرون، ويشيدون به على كل شيء حتى لو كان تافها، وهذا هو ديدن الطغاة، تضغط عليهم نرجسيتهم، وتضخّم ذواتهم، فتجعلهم يطالبون الآخرين بمدحهم، حتى لو كانوا أسوأ الناس فكرا وسلوكا!!.
أما المنافقون، من المسؤولين، فإنهم كذابون فعلا وقولا، واذا أودعت لديه أمانة ما سيخونك حتما، لذلك هم دائما يخونون شعوبهم، أما العلامة الثالثة فهي تتعلق بالوفاء بوعودهم، فالحكام الطغاة لا يلتزمون بما يعدون، ولا يعنيهم هذا الامر من بعيد أو قريب، لأن الكذب سلاحهم، والغدر هويتهم، ونكث الوعد سجيتهم.
وقد يقول قائل، هناك حكام وسياسيون قد لا نجد فيهم هذه العلامات، ونحن لا نختلف مع خذا القول، فقد تحدث لنا التاريخ بأبعاده كافة، القريبة والمنظورة والبعيدة، عن قادة وحكام ومسؤولين خدموا أممهم وشعوبهم بأفضل النتائج وأرقاها وأعظمها، وألئك هم الذين يحفظ لهم سجل التاريخ شرفا عظيمة ومواقف لا يمكن إنكارها، وهم خالدون في ضمير الناس ما بقيت الحياة قائمة، وهؤلاء الحكام والمسؤولين هم الذين لا تنطبق عليهم علامات (المرائي، أو المنافق، او الكسلان)، أو من يجمع بين العلامات الثلاث، وهؤلاء لا يمكن أن يتعلقوا بالسلطة وامتيازاتها، بل السلطة هي التي تخضع لهم، كونهم من الزهد والتقوى بحيث لا تعني لهم السلطة والجاه أي شيء.
وخلاصة القول.. اذا اراد السياسيون أن ينجحوا في عملهم السياسي حاضرا ومستقبلا، عليهم أن يبتعدوا عن علامات الرياء والنفاق والكسل، وعليهم أن يجتهدوا في بناء أنفسهم على الزهد وعدم تأثير امتيازات السلطة عليهم، ولابد أن يكون نموذجهم في المسؤولية من عظماء المسلمين، علما أن حاضر الحكومات الاسلامية والعربية، ينطوي على مسؤولين كثر، لا يراعون ما جاء في وصية الرسول الكريم (ص)، لذلك نجد كثيرا من هذه الدول وشعوبها، تعاني من الضعف والتخلف والجهل والعوز، بعد أن كان المسلمون في مقدمة المجتمعات والدول.
اضف تعليق