q
لا تزال الكتل والاحزاب السياسية العراقية، تتصارع في حلبة المصالح والاهواء، بحثا عن مسلك يقودها خارج عنق الزجاجة، فمنذ شهور متلاحقة، يعاني المشهد السياسي العراقي انسدادا من طراز خاص، ونصفه بالخاص لأنه لم يسبق لأية تجربة سياسية حصل فيها مثل هذا الانسداد الذي جعل الجميع يتخبطون...

لا تزال الكتل والاحزاب السياسية العراقية، تتصارع في حلبة المصالح والاهواء، بحثا عن مسلك يقودها خارج عنق الزجاجة، فمنذ شهور متلاحقة، يعاني المشهد السياسي العراقي انسدادا من طراز خاص، ونصفه بالخاص لأنه لم يسبق لأية تجربة سياسية حصل فيها مثل هذا الانسداد الذي جعل الجميع يتخبطون ولا يعرفون ما الذي يفعلونه للخروج من هذا المأزق.

المشكلة واضحة ومعروفة للجميع، وهي عقدة السلطة، وساحة الصراع على المناصب، والتمسك بمنهج التوافقية من جهة، والأغلبية الوطنية من جهة أخرى، لكن العراقيين لا يثقون بالأحزاب ولا بالكتل ولا بالشخصيات السياسية، وهو أمر واضح في حالة اليأس التي ترافق تعليقات الناس، سواء في الشوارع، أو المقاهي، أو سيارات الأجرة، أو مواقع التواصل الاجتماعي.

فالجميع يلفّهم نوع من القلق والنقمة والسخط المغلّف باليأس التام، فالعراقيون لم يعد لهم ثقة بمن يقودهم بعد سنوات طويلة من الصراع على السلطة ومغانمها، واليوم يتحدث مختصون وغير مختصين، ومعنيون وغير معنيين عن المدد الدستورية لتشكيل الحكومة والتصويت على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

فبعد أن اطمأن الحلبوسي وجلس على عرش البرلمان، بدأت رحلة الصراعات على رئاستيّ الجمهورية والوزراء، وجميع المكونات تجدها داخلة في الصراع، بعضهم يقول إن ما يجري في البرلمان وفي المشهد السياسي المنغلق أو المسدود دليل على ديمقراطية لم تكن موجودة في عهد الحكومات التي سبقت نيسان 2003، ويعضّدون رأيهم هذا بأن برلمانات الأمس كانت شكلية، ولا دور لها في تشكيل الحكومة التي يرأسها رئيس عسكري متفرّد بالسلطة.

التخلص من الحكم الفردي

هذا الكلام لا يجافي الحقيقة، وهو دليل على أن الفردية والدكتاتورية قد ولَّت إلى الأبد، مع الاعتراف بكل الأخطاء والمشاكل السياسية، لكن الصراع على السلطة بين الأحزاب، يثير العديد من المخاوف والمشكلات والظواهر السلبية، ومنها ظاهرة (حس المؤامرة) والخوف من الآخر الذي يسيطر على الفرقاء السياسيين في العراق، لدرجة تغيب معها الثقة العملية على نحو شبه تام.

فيؤدي ذلك بدوره الى ضعف او غياب الثقة الدستورية، وعدم احترام المدد التي تتشكل فيها الحكومة ويتم فيها التصويت على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

هذا الخوف المتبادل بين الكتل والأحزاب بعضها مع البعض الآخر، لا يبقى في دائرة الساسة المغلقة، وإنما ينعكس على الشارع، ويبدأ المجتمع كله يعاني من هذا الصراع السياسي المغلق، وقد ينتقل حس المؤامرة إلى الناس، فيعرقل حياتهم اليومية ويصيبها بكثير من القلق وعدم الاطمئنان.

فالمواطن يريد أن يرسو على بر، ويريد أن يشعر بالاستقرار والأمان، لاسيما أن جميع مقومات الأمن والاستقرار موجودة في العراق بسبب تواجد الأسس الداعمة لهذا الهدف، فالعراق بلد غني، واقتصاده يمكن أن يكون من الاقتصادات القوية جدا، في حال تمت إعادة النظر فيه من قبل خبراء اقتصاديين وطنيين.

ولكن هذا الاستقرار ينبثق من الاستقرار السياسي بين الساسة والأحزاب والمشاركين في السلطة أنفسهم، لأن الانسجام السياسي بين المشاركين في إدارة السلطة سوف يؤدي إلى انسجام بين مؤسسات الدولة المهمة، الامر الذي يساعد على دفع عجلة التطور والتقدم الى امام في معظم ميادين الحياة.

نبذ سياسة كسر الإرادات

إذا هذه المرحلة تحتاج إلى نوع من التقارب بين الكتل والأحزاب، وليس إلى التصادم وسياسات كسر الإرادات، لكن يجب أن يقرّ الجميع بإن إدارة الدولة وفق سياقات قديمة وتكرارها في تشكيل الحكومة امر لم يعد ذا نفع وليست هناك نتائج ملموسة على تغيير الأوضاع الصعبة في العراق.

فالمطلوب هو البحث عن خطة جديدة وبرنامج حيوي، ليس بالشكل ولا بالألفاظ والديباجات وحدها، وإنما بالمخرجات التي تنتج عنها، وأهم هذه المخرجات، أن يلمس المواطن تغييرا في حياته، وتطويرا في الخدمات، وقفزة في القدرة الشرائية، وتخطيطا مستقبليا يضع في الحسبان حياة الأجيال القادمة، كتأسيس الصندوق السيادي على سبيل المثال.

وهكذا يبدو المشهد السياسي مرتبكا ومستعصيا ومثيرا للقلق، كما نلمس ذلك لدى الشارع العراقي، إذ حتى بسطاء الناس باتوا يتساءلون بقلق واضح، عما يحدث بين السياسيين، وعملية جر الحبل التي ما زال يمارسها الفرقاء السياسيون منذ أشهر، دون الوصول الى الحل الذي يرضي جميع الاطراف.

فإذا كانت الثقة غائبة بين الفرقاء السياسيين، عليهم العمل فورا على إعادتها، وتثبيت دعائمها من خلال الحوار المدعوم بالصبر والصدق والانفتاح على الآخر دونما مخاوف، ويجب أن يكون الهدف الأول والأخير، هو تحقيق تقدم ملموس في السياسة والاقتصاد والاجتماع، والنهوض بالعراق بما يؤمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين من دون استثناء.

إن الحاجة الى معالجة المرحلة الراهنة واشكالاتها التي تبدو على قدر كبير من الخطورة، تستدعي حكمة عالية من لدن القادة السياسيين انفسهم، وتتطلب ايضا إنعاش منهج الحوار ورفض العنف بكل أشكاله.

مع مراعاة الاستعداد المستمر من الجميع لتقديم تنازلات متبادلة، لخلق حالة من التوازن والاستقرار، والبحث عن سبل وطرائق مناسبة لفتح ثغرات في حالة الانسداد السياسي الذي يصفه كثير من المراقبين بأنه انسداد من طراز خاص.

اضف تعليق