q

مظاهرات أو تظاهرات مفردة تعطي المعنى نفسه، تلجأ إليه جماعات الضغط، عندما تتلكأ الحكومات في اداء واجباتها حيال الشعوب، وهو حق مكفول في جميع الدساتير التي تعتمدها دول العالم، حتى في ظل الانظمة الفردية التي غالبا ما يكون دستورها شكليا، هناك حق كفالة التظاهر للشعب، وقد وردت عدة توصيفات للتظاهرة، معظمها يتمحور حول أحقية الشعوب بالتعبير عن آرائها، ضمن شروط متفق عليها، كسلمية التظاهر مثلا.

والتظاهر بحسب المختصين، يمثل تعبيرا عن الرأي، مجموعاً بضغط من أجل تحقيق مطلب، للمواطن، كأحد أشكال المشاركة السياسية، والتظاهر فعل سياسي جماعي، كما أنه يتطلب تنظيماً وتحديداً للأولويات، وتلك من السمات المهم تواجدها في أي مجتمع، وقد يكون هدف التظاهر التأييد أو الاحتجاج.

ونلاحظ أن حق التظاهر منصوص عليه في مواثيق حقوق الإنسان الدولية كحق أساسي، وهو جزء من حق (التعبير عن الرأي)، وأيضاً هو جزء من حق (المشاركة السياسية)، وسبب اعتباره حق ليس إيماناً بأن الإنسان يولد به، بل سببه تطورات سياسية شهدتها أوروبا منذ القرن الثالث عشر، منها الميثاق الكبير في بريطانيا الذي قيّد حقوق الملك وزوّد حقوق المواطن.

ومع الثورة الفرنسية تكرر الأمر بصورة أوضح، عند ولادة ميثاق حقوق الإنسان والمواطن سنة ١٧٨٩، والذي أعطى حقوق أوسع للمواطن منها (حقوق التعبير)، كما تكرر في ثورات أخرى منها (إعلان الولايات المتحدة الأمريكية) مما أعطى حق التظاهر اليوم صبغة عالمية، ولكن لابد من معرفة أن التظاهر ليس حقاً مطلقاً، بل هو حق تنظمه قوانين خاصة بكل بلد، ويتعلق هذا التنظيم بالمكان والتوقيت والفترة، وغالباً ما يتم ذلك من خلال لجنة متخصصة.

مظاهرات بأنواع مختلفة

ومن المفارقات التي تتعلق بالمظاهرات، أنها قد تتخذ أشكالا وصورا وتسميات مختلفة، لاسيما أن منطقة الشرق الاوسط باتت مسرحا لعدد من المظاهرات العارمة التي حدثت في عدد من الدول العربية أطاحت بأنظمتها، كما حدث في تونس ومصر وليبيا وسواها، ومن انواع التظاهرات التي ظهرت حديثا، (مظاهرات الفراشة)، وهي نوع من المظاهرات حدثت في مصر بعد ثورة 30 يونيو، وتعتمد على احداث مظاهرة ذات عدد قليل من المشاركين، وتلتئم في وقت قليل، وتُقام في الشوارع الجانبية ويتم فضها طوعيا بسرعة حتى تفلت من التضييق والمطاردة.

في العراق جرّبت الجماهير عددا من التظاهرات في حقب ومراحل مختلفة، خاصة بعد نيسان 2003، وكانت ساحة الفردوس في بغداد مكانا لعدد كبير من المظاهرات، فضلا عن ساحة التحرير التي شهدت أكبر المظاهرات قبل سنوات قليلة، واليوم نعيش في الوقت الراهن حالة عامة من التظاهر، بدأت من البصرة، عندما اطلقت القوات الامنية النار على المتظاهرين المطالبين بخدمة الكهرباء في درجات حرارة عالية، فقتلت شابا وجرحت آخرين، لتمتد المظاهرات الى العاصمة والمحافظات الاخرى.

المظاهرات حالة حقوقية صحية، تؤشر وعي الجماهير، وفي الوقت نفسه اذا كانت محمية من الاجهزة الامنية تنم عن تعامل حكومي سليم معها، الاسباب التي تقف وراء هذه المظاهرات، يتمحور معظمها حول نقص الخدمات التي تقدمها الدوائر الخدمية الحكومية للمواطنين، وخاصة الكهربا، ولكن هناك اسباب اخرى تتخفى خلف قلة وضعف الخدمات، ألا وهو الفساد الضارب في النسيج السياسي والاداري للمؤسسات الحكومية بصورة عامة.

لدرجة لم يعد معها السكوت مجديا، لأن البلاد بسبب دوامة الفساد، تنحدر الى منزلق خطير، قد تنهار بسببه اجهزة الحكومة ومؤسسات الدولة، لذلك ينبغي النظر الى هذه المظاهرات بجدية، وعدم التعامل الحكومي معها بطريقة الاهمال أو اللامبالاة، وينبغي ان تكون هناك خطوات فاعلة وشاملة ومباشرة، تجعل المتظاهرين على ثقة بأن الاجهزة الحكومية المعنية، أخذت تبادر بالمعالجات التي تحد من الفساد أولا، وزيادة تقديم الخدمات الاساسية للمواطن.

معظم الأدلة تشير الى أن المنهج الحكومي لا يزال قاصرا في التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم، وهذا ليس صحيحا بطبيعة الحال، لاسيما أن لهيب المظاهرات أخذ ينتشر من مدينة الى اخرى، في وقت يمر فيه البلد في حالة حرب شعواء ضد الارهاب متمثلا بعصابات داعش التي تحتل عددا من المناطق العراقية المهمة وتطمع بالمزيد، لذلك نحن في وضع لا يصح معه أن تتحول المظاهرات الى حالة من الفوضى لا يحمد عقباها.

ما هي نتائج المظاهرات الحالية؟

لا يختلف المراقبون على أن التظاهر حالة صحية تنم عن وعي الجماهير بحقوقها، وأهمية الحفاظ عليها من التجاوز الحكومي، وكما ذكرنا تشير كثير من الحالات والدلائل الى أن التقصير الحكومي حاضرا بقوة، وهو سبب أساس في اندلاع المظاهرات، لذلك ليس أمام الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية جميعا، سوى الاستئناس بمطالب الجماهير، والاهتمام بها، والتعامل معها بطريقة تختلف عن التعامل مع المظاهرات السابقة.

ان التعامل مع المظاهرات الحالية، يستدعي نوعا مختلفا من الذكاء الحكومي، لاسيما أن هناك موجة متصاعدة من التظاهرات بدأت تنتقل من مدينة الى أخرى، فضلا عن نهوض شبه جماعي للمطالبة بحقوق مختلفة كانت الجماهير صامتة عليها، بسبب يأسها من الحكومات والدوائر الرسمية المعنية، ولكن الوضع مختلف الآن، إذ لابد أن تتحرك الجهات المعنية الحكومية والتشريعية وسواها، لاحتواء غضب الجماهير بشكل ذكي وصحيح وجدي وفاعل في الوقت نفسه، عبر الشروع باتخاذ ما يلي:

- الشروع الفوري بملاحقة بؤر الفساد في الدولة، والبدء بالمعالجة القانونية الصارمة لمساءلة المسببين للفساد من دون تردد او مجاملة!.

- البدء فورا بتحسين الخدمات الاساسية المقدمة للشعب.

- اصدار التعليمات القاطعة والاوامر الواضحة بعدم التعامل العنيف مع المتظاهرين مهما كانت الاسباب.

- منع حالات اطلاق النار على المتظاهرين من لدن بعض الاجهزة الامنية منعا قاطعا.

- السماح لوسائل الاعلام بأداء عملها من دون مضايقات من لدن افراد حماية المتظاهرين.

- التأكيد على أهمية الالتزام بسلمية المظاهرات لاسيما أن البلد يمر في حالة حرب شعواء مع تنظيم داعش الارهابي.

- تنظيم التظاهرات بعيدا عن الفوضى، ورفض اي مظهر من مظاهر العنف مهما كان بسيطا، بما يجعلها مظاهرات جماهيرية واعية هدفها الاصلاح وليس التخريب!.

- حتى هذه اللحظة على الرغم من انطلاق المظاهرات منذ اكثر من اسبوعين، لم تكن الاجراءات الحكومية والتشريعية مناسبة أو مواكبة لها.

- لابد أن يؤمن الجميع (الجماهير والحكومة)، أن الهدف من المظاهرات هو الاصلاح وليس سواه، لذلك لا يجوز مطلقا حرف المظاهرات عن مظهرها المدني المسالم.

اضف تعليق


التعليقات

كريم المحمداوي
بغداد
مهما كان نوع الحراك الشعبي هو افضل واحسن من الجمود، في الحركة بركة، اظن ان الشعب يقوم بشيء جيد وصحيح الآن، بقي الامر معتمدا على مصداقية الحكومة وقدرتها على تنفيذ وعودها، المقال جيد يوفر معلومات جيدة ويخلو من رؤية واضحة...2015-08-05