هل ثقافة إدارة الوقت وتنمية المهارة شأن فردي أم هو أوسع من ذلك، أي مجتمعي عام يجب أن يهتم به المجتمع كله؟، وهل هناك دور مسؤول وواضح رسمي حكومي ينظّم وقت المجتمع ويطور مهاراته ويجعل من هذا الأمر ثقافة سلوكي اجتماعية عملية يومية شاملة؟...
في مجتمعاتنا، من النادر أن تتم مناقشة الوقت بين اثنين أو أكثر، ولا يُنظَر له باعتباره عنصر مهم من عناصر النجاح، وهناك من لا يهتم كثيرا بالمقولات والأفكار التي تركّز على أهمية الوقت، وتنادي بالحرص الكبير على عدم هدره، أو تضييعه دون جدوى أو إنجاز، ومنهم من ينظر إلى مناقشة أهمية الوقت على أنها ادّعاء كاذب، وضرب من ضروب التبجح، وهؤلاء لا يروْن أي ارتباط بين إدارة الوقت وتنمية المهارات.
لا يوجد في ثقافتنا ومنظومتنا السلوكية واهتماماتنا شيء اسمه تنظيم الوقت، وحتى لو وجدنا شيئا من هذا القبيل فيكون ذا طابع فردي، بمعنى قد نجد أفرادا هنا أو هناك يهتمون بتنظيم الوقت وإدارته، لكن كثقافة عامة يعمل بها الجميع هذا غير موجود في مجتمعنا، وهو خطأ أو نقص ثقافي سلوكي يجب معالجته، عبر نشر ثقافة الاهتمام بالوقت وتنظيمه.
في البداية ماذا نعني بإدارة الوقت؟
تعرَّف إدارة الوقت بحسب مختصين بأنها عملية تخطيطية، تهدف للسيطرة على الوقت الذي يقضيه الإنسان في مختلف الأنشطة. وإدارة الوقت عبارة عن نشاط تجميعي يهدف إلى تحقيق أقصى فائدة عامة لمجموعة من الأنشطة الأخرى، في إطار شرط الحدود لفترة زمنية محدودة، حيث لا يمكن إدارة الوقت نفسه نظرًا لأنه ثابت.
قد يتم مساعدة إدارة الوقت من خلال مجموعة من المهارات والأدوات والتقنيات المستخدمة لإدارة الوقت عند إنجاز المهام والمشروعات والأهداف المحددة التي تتوافق مع تاريخ الاستحقاق. في البداية، أشارت إدارة الوقت إلى أنشطة العمل أو العمل فقط، ولكن في النهاية تم توسيع المصطلح ليشمل الأنشطة الشخصية أيضًا.
اقتران الأعمال بجداول زمنية
نظام إدارة الوقت هو مجموعة مصممة من العمليات والأدوات والتقنيات والأساليب. عادة ما تكون إدارة الوقت ضرورة في أي مشروع تطوير حيث إنها تحدد وقت إنجاز المشروع ونطاقه. يوجد تساؤل مهم يُطرَح على طاولة النقاش، هل هناك ربط بين إدارة الوقت وتنمية المهارة للفرد أو الجماعة؟، بدءاً لابد من الاطلاع على ما تعنيه تنمية المهارات.
تُفسَّر تنمية المهارات بأنها منهج أو طريقة تساعد الفرد على اكتساب القدرة في تأدية فعل أو نشاط جديد حتى يتمكن من إتقانه، وفي حالة تنمية مهارات الأطفال، فالأمر يعني تدريبهم بشكل مستمر على الاتيان بفعل معين، أو اتباع منهجية في التفكير والتعامل اليومي، سواء مع أسرهم أو المجتمع من حولهم.
على أن تقترن الخطوات السابقة بجدولة زمنية محددة، ووضع توقيتات واضحة ومناسبة لبدء العمل، وتخصيص الوقت اليومي له، ومن ثم توضيح الإطار الوقتي لكل إنجاز يومي أو أسبوعي أو شهري، وفي حال تنظيم الوقت وضبط التوقيتات اليومية مثل (بدء العمل ونهايته، وقت الاستراحة، وقت تناول الطعام، الاجازات اليومية والدورية....)، ستكون النتائج أفضل بكثير في حال أداء العمل بشكل عشوائي، ومن دون عناية بالوقت وتنظيمه,
وقت أقل ومهارة أفضل
لماذا يُبدي المعنيون كل هذا الاهتمام بإدارة الوقت، وربط هذا الجانب بتنمية المهارات؟، لقد أصبحت المهارات من أهم الموضوعات - إن لم يكن أهمها على الإطلاق - في مجال التعليم، وخاصة عندما يسجل العالم أعلى مستويات التعليم في التاريخ. ولأن صناع السياسات أدركوا تحديدا أن زيادة سنوات الدراسة لم تتحول بالضرورة إلى مزيد من التعلّم أو تنمية المهارات أو النمو الاقتصادي.
فقد بدأ معظم البلدان في تنفيذ إصلاحات التعليم القائم على الكفاءة تدريجيا، وخاصة في العقد الأول من القرن 21. والمثير للدهشة أن هذه الإصلاحات لم تنجح دائما في تحسين نتائج التعلم، أو على الأقل ليس بالوتيرة المتوقعة. وبالتالي، فإن السؤال الذي يُثار هنا هو، كيف يمكننا تعليم المهارات عمليا؟، مع تحديد الوقت اللازم لهذا النوع من التعليم.
لقد ثبت بالتجربة العملية الدامغة، أن المهارة تتطور أسرع بكثير إذا كانت الدروس عملية، يقوم بها المتدرب نفسه، وهذا الأسلوب أفضل بكثير من التعليم النظري، وتكمن الأفضلية بتنمية المهارة عمليا في جانبين هما:
الأول: السقف الزمني للتعلّم العملي يكون أقل بكثير من الوقت المستهلَك في التعلّم النظري.
الثاني: القابلية على التعلّم تكون أسرع لدى المتدرب، مما يعني استهلاكا أقل للوقت، وهنا يتحقق لنا إدارة جيدة للوقت، وإتقان أسرع وأدقّ للمهارة، وهذا هو المطلوب تحديدا.
لذلك يجب أن يتنبّه القائمون على صناعة القرار الاقتصادي والسياسي، ومنها الجهات التي تُعنى بامتصاص البطالة وبتحسين الفرص للشباب، يجب أن يتنبّهوا إلى قضية الربط بين تنظيم الوقت وتنمية المهارة، والتفريق بين التعليم الذي يستهلك وقتا أكثر ويعطي خبرات أقل، وبين التعليم الذي يأخذ وقتا أقل وينمّي المهارة بشكل دقيق وممتاز.
السؤال الذي يجب أن يُثار أيضا، هل ثقافة إدارة الوقت وتنمية المهارة شأن فردي أم هو أوسع من ذلك، أي مجتمعي عام يجب أن يهتم به المجتمع كله؟، وهل هناك دور مسؤول وواضح رسمي حكومي ينظّم وقت المجتمع ويطور مهاراته ويجعل من هذا الأمر ثقافة سلوكي اجتماعية عملية يومية شاملة؟
لابد من القول أن إدارة الوقت وتنمية المهارة يشمل الطرفين، فهو شأن فردي وجماعي في نفس الوقت، كما أنه شأن رسمي حكومي وأهلي أيضا (قطاع خاص)، وهذه الجوانب يجب أن تتحول إلى ثقافة فكرية سلوكية شاملة، يقوم بها المجتمع والحكومة ومؤسساتها المعنية، بالإضافة إلى دور القطاع الخاص المهم في تنمية المهارات وربطها بعدم التفريط بالوقت الفردي والجماعي المجتمعي معا.
اضف تعليق