الحاكم كما هو معروف، يمثل رأس السلطة التنفيذية في الحكومات التي تقود الدول والشعوب، وطالما أن السلطة التنفيذية تمثل القيادة السياسية والاقتصادية والادارية المباشرة للدولة ومفاصلها، فإن دور الحاكم هنا ومسؤولياته وطريقة ادائه لدوره، محكوم بالنجاح او الفشل استنادا الى شخصيته وافكاره وسلوكه في كيفية ادارة الدولة، وفقا للصلاحيات المخوّل بها والمعطاة له استنادا الى الدستور، علما أن الأخير وقدرته على تنظيم العلاقة بين الحاكم وشعبه، تعتمد على تطور الشعب سياسيا واقتصاديا وثقافيا، فضلا عن طبيعة النظام السياسي ونوعه وطريقة ادارته للدولة، تبعا للنظام السياسي وما يؤمن به.
العلماء في السياسة قسّموا الانظمة السياسية التي تقود دول العالم الى انواع، منها النظام الديمقراطي، ونظام الحزب الواحد، ونظام القائد الأوحد اي النظام الفردي، ولا شك أن طبيعة الحكم في هذه الحالة تتحدد وفقا لطبيعة النظام، ولكن على العموم عندما نتحدث عن الانظمة السياسية في الدول الاسلامية والعربية، وربما الشرقية ايضا، فإننا سنلاحظ أن الدستور غالبا ما تتم صناعته وفق رؤية الحاكم وسبل حماية العرش والسلطة، ولذلك غالبا ما يكون الدستور هنا مؤقتا، ومكتوبا بطريقة حددها الحاكم نفسه، أو حزبه، وحكومته، وفي هذه الحالة لا فائدة من وجود الدستور الذي يعد في هذه الحالة دستورا لذر الرماد في العيون، أو انه دستور ذو طابع شكلي لا يمكن أن يحدد صلاحيات الحاكم الفرد او صلاحيات حكومته.
على العكس من الانظمة الديمقراطية التي تعتمد دستورا حقيقيا يكتبه الشعب وفق رؤيته ومصالحه هو، وهناك صلاحيات محددة وواضحة للحاكم وحكومته، وهناك ضوابط حازمة وقواعد أمينة لا يمكن تجاوزها أثناء أداء وظيفة الحكم، وفي هذه الحالة لن يكون هناك تأثير كبير وقاطع للحاكم على شعبه ودولته، لأن ادارة السلطات هنا تكون جماعية او مؤسساتية، تديرها السلطات المختلفة ومؤسساتها الراسخة.
في التاريخ الاسلامي والعربي، سادت حكومة الفرد، باستثناء حكومة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، وحكومة الامام علي عليه السلام، حيث كانت الحكومة استشارية وليست فردية، وكان للصوت المعارض حضوره الواضح، وكان اللين والعفو هو المنهج الحكومي في ادارة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولكن يؤكد تاريخنا أن هناك حكام طغاة أو غلوا في دماء شعوبهم، واستهتروا في طرق إدارتهم لشعوبهم ودولهم، والامثلة معروفة في هذا المجال، مرورا بالمراحل اللاحقة للحكم، ووصولا الى عصرنا الحديث، حيث الطابع العام للحكومات الاسلامية والعربية هو سيادة سلطة الحاكم الفرد.
وقد حدثت أخطاء شنيعة في ادارة الحكم وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في دول عديدة اسلامية وعربية، ولا تزال (الدماء التي تسببت بها تلك الانظمة ساخنة حتى اللحظة)، فالذاكرة الشعبية للمسلمين والعرب لا تزال تحتفظ بأشكال الطغيان وصور البطش وانواع الظلم وسبل التوحش التي اعتمدها الحكام الطغاة مع شعوبهم، وهذا يعود الى ان اولئك القادة لم يتعلموا من التجارب الحكومية المضيئة في التاريخ الاسلامي، فكانت انظمة هؤلاء فردية مدعومة بالحزب الواحد والحكومة الموالية مع غياب تام للمعارضة الدستورية، اي المسموح لها بالعمل السياسي دستوريا، لذلك تكون سلطة الفرد الحاكم مطلقة في هذه الحالة، فيعيث فسادا بالشعب والارض وحتى العرض، وعندئذ تظهر الحاجة الكبيرة الى الحاكم العادل الذي يستطيع بعدله وحكمته وحنكته وإنسانيته ان يعدل بين الناس جميعا.
لذلك من الوصايا المهمة التي اوصى بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، للامام علي عليه السلام، كما جاء في كتاب تحف العقول: (يا علي ما كرهته لنفسك فاكرهُّ لغيرك وما أحببته لنفسك فأحببه لأخيك، تكن عادلا في حكمك، مقسطاً في عدلك، محباً في أهل السماء، مودودا في صدور أهل الارض، احفظ وصيتي ان شاء الله).
فالشرط الاساس في الحاكم هنا، هو أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، هذه القاعدة اذا التزم بها الحاكم وعموم المسؤولين، فإن جميع حالات الظلم تنتفي تماما، وهذه لوحدها كفيلة بإنها جميع مظاهر الطغيان والبطش والاقصاء وما شابه، والسؤال الذي ينبغي أن يتم اعلانه بوضوح هنا، تُرى هل الحاكم الاسلامي والعربي اليوم، يتَّصف ويتَّسم بهذه القاعدة التي اوصى بها الرسول (ص) الامام علي (ع)؟؟، وكم هي حاجة هذه الدول والشعوب لها؟.
فإذا بدأنا من الشق الثاني للسؤال نقول، نعم هناك حاجة قصوى للدول الاسلامية والعربية الى هذا النوع من الحكام، لاسيما أنها عانت ولا تزال من حكام قساة، وحكومات فردية، ودساتير شكلية مغيّبة، فكانت النتائج دائما ولا تزال، وقوع ظلم لا حدود له على الناس وضياع حقوقهم وتعرضهم الى اقسى انواع الحرمان والفقر والتشريد فضلا عن انواع التمييز والبطش والتقتيل الذي كان يطال الناس بحجة حماية النظام والسلطة والقانون!.
لذلك فإن الاجابة على الشق الأول من السؤال بدت واضحة الآن، أي أن الحاكم الاسلاميين والعرب اليوم، هم في الغالب لا يمتلكون مما أوصى به النبي (ص) عليا (ع)، لأنهم في الحقيقة لا يحبون للناس ما يحبون لأنفسهم، ولا يكرهون للناس ما يكرهون لأنفسهم، بل يمكننا أن نقول (استنادا الى الأدلة والتجارب الحاسمة) أن حكامنا طبقوا الوصية النبوية الشريفة ولكن بطريقة معاكسة، لذلك كانوا وربما لا يزلون لا يحبون للناس ما يحبون لأنفسهم.
وهذا حقيقة يستدعي من الحكام، بل والمسؤولين جميعا، بغض النظر عن صلاحياتهم وطبيعة وظائفهم، أن يلتزموا بهذه الوصية منذ اللحظة، كونها الطريق الأقصر للخلاص من التخلف الذي يهيمن على دولنا وشعوبنا، نعم نحن نعاني من التخلف في وقت اصبحت فيه امم كانت وراءنا تتقدمنا اليوم كثيرا، لهذا ليس امام حكامنا وعموم المسؤولين سوى الالتزام الحرفي والعميق بهذه الوصية العظيمة (أحب لأخيك ما تحب لنفسك واكره لأخيك ما تكره لها)، فهي سبيلنا الاسرع لأخذ المكان الحقيقي لنا بين الامم والدول جميعا.
اضف تعليق