هذا الوضع العالمي المتأزم هو حصيلة مواقف فردية لا تستثني أحدا من البشر، نحن جميعا لنا مواقفنا التي ستدخل في وعاء الحافظة التارخية، وكلٌ سوف يُذكَر بحسب مواقفه، هناك من ساعد الناس بقدر المستطاع، وهناك من خذلهم رغم أنه قادر على ذلك، هناك من قسَّم ما عندهُ من خبز...
هناك حافظة عظيمة لا يفوتها شيء إلا وتحفظهُ للقادمين من البشر، هذه الحافظة لها سعة الكون كلّه، تستقبل كلّ ما يودَع فيها من حوادث وحكايات وأخبار وأزمات وأوبئة ومواقف وحروب، تحفظ الشخصي والعام، الجيد والرديء، وتكون شاهدا على مواقف وأخلاقيات الأمم والدول والجماعات والأفراد، لكن ما يُؤسَف له أنّ هذه الحافظة تستقبل المزيَّف مما يودَع فيها، ولا تقتصر على الناصع الأصيل فقط، وهذه مشكلة أدخلت البشرية في سجالات لا نهاية لها ولا طائل من ورائها!
اليوم نحن نعيش جائحة كورونا، العالم كلهُ يرتجف من هذا الفايروس لأنه حصد عشرات الآلاف من الأرواح، وأجبر مئات الآلاف على المكوث في المستشفيات، وشلّ حركة العالم أجمع، وأوقف عجلة الاقتصاد، بل أربك السياسة العالمية، وتوقفت الأنشطة الرياضية والأدبية والفنية والعلمية، وباتت المؤتمرات السياسية الكبرى تُعقَد عن بعد عبر الإنترنيت.
هذا الوضع العالمي المتأزم هو حصيلة مواقف فردية لا تستثني أحدا من البشر، نحن جميعا لنا مواقفنا التي ستدخل في وعاء الحافظة التارخية، وكلٌ سوف يُذكَر بحسب مواقفه، هناك من ساعد الناس بقدر المستطاع، وهناك من خذلهم رغم أنه قادر على ذلك، هناك من قسَّم ما عندهُ من خبز وأموال قليلة بينه وبين أقربائه وأصحابه وجيرانه وحتى الغرباء، وهناك من ملأ بيته بالمواد الغذائية والطبية والعصائر والمياه كأنه سوف يعيش بها إلى الأبد.
كاميرا السبت رصدت بعض هذه المواقف وصوّرتها بأمانة ومنها:
أولا: تعاون جيد أبداه بعض الناس تجاه الآخرين، فأبدوا مساعدات مالية وعينية للمحتاجين وهو فعل يستحق الإشادة والفخر في وضع حرج كالذي يعيشه العراقيون والعالم اليوم.
ثانيا: هناك من تعامل بلامبالاة مع الكورونا، فلم يلتزم بالحضر والبقاء بالمنزل، ولم يكتفِ بذلك فصار يصطحب معه أطفاله خارج البيت، للأسواق وغيرها وكأنه في نزهة ضاربا عرض الحائط التحذيرات الرسمية والإعلامية الصحية، غير عابئ بما يحصده كورونا من أرواح في العالم أجمع.
ثالثا: شخص لا يمتلك الكثير من المال، عزل قسما مما يمتلكه من أموال واشترى كمية من الطماطم والباذنجان ووزعها في أكياس نايلون، في كل كيس 2 كيلو طماطم وباذنجان، ثم خرج بها يدور على بيوت في أحد الأحياء العشوائية، بدأ يطرق الباب ويسلم كل بيت كيس واحد، وهكذا إلى أن بقي عنده كيس واحد فطرق آخر بيت، خرج منه رجل متوسط العمر واضح عليه الوقار والحكمة رفض استلام حصته وأشار للرجل المحسن على بيت آخر وقال له: ذلك البيت أحوج مني بكثير.
هذا الموقف على بساطته، يدلّ على أن الناس متعاونة ومتراحمة وتشعر ببعضها البعض وهو دليل على أن هذا الفايروس سوف ينهزم ولا تبقى سوى المواقف العظيمة للناس.
رابعا: أخبرني أحدهم بهذه الحكاية في زمن الكورونا فقال: قبل قليل خرجت كي أشتري خبزا، أنا لا اخرج إلا مرة واحدة لأمر مهم كالخبز، رأيت عن بعد خمسة أفراد عند فرن بيع الخبز من بينهم طفلة 5 سنوات، المسافة بين بعضهم قريبة، واحد منهم فقط يرتدي كمامة، خفتُ التقرًب منهم، كانت ظهور المشترين أمام بصري، أحلاهم الطفلة بشعرها الكستنائي الأخّاذ، كانت تمسك بكف أبيها بقوة بانتظار دورهم في الحصول على الخبز، من على بعد خمسة أمتار أشرت للخباز أريد عشرة أرغفة، أشار لي بالإيجاب، لحظتها التفتَ لي ثلاثة من المشترين مستغربين وقوفي بعيدا عنهم، من بين الثلاثة الذين التفتوا لي الطفلة ذات الشعر الكستنائي التي ما أنْ رأتني حتى أقبلت عليَّ راكضة وهي تفرد يديها كجناحين، كانت تريد أن أضمها إلى صدري كما كنا نفعل ذلك قبل كورونا، حاولتُ التخلّص منها لكنها رمت نفسها على صدري بقوة لأننا لم نلتقِ منذ عشرة أيام على الرغم من أنها حفيدتي، حضنتها بلهفة وحنان وأنا أفكر بكورونا التي تريد أن تحرمنا من إنسانيتنا ومن اقرب الناس إلينا.
خامساً: أحد المسؤولين في إحدى المحافظات ظهر في أحد شوارع المدينة التي تبدو الحركة فيها قليلة، كان يحيط به مجموعة من المعاونين، كان يرتدي الكمّامة والكفوف، وجميع من كانوا معه يرتدون الكمّامات والكفوف، ظهر هذا المسؤول وهو يقاضي مواطناً خرج إلى الشارع رغم فرض حضر التجوال، حاسبهُ المسؤول كأنه قاضٍ مختص بالمقاضاة، وأمر بحجزه، وعندما اعتذر المواطن وطلب السماح، أفرج عنه وحذّره من الخروج في الحظر، هذا الإجراء كان صحيحا، لكن هناك ملاحظة لم ينتبه لها هذا المسؤول أو أنّهُ أهملها عمداً، إنه لم يسأل المواطن لماذا لم يرتدِ الكمّامة والكفوف لا هو ولا عائلته على الرغم من أن المسؤول وجميع من كان معهلإ كانوا يحتمون من الفايروس القاتل جيدا، كان على المسؤول أن يمنح المواطن وسائل الحماية نفسها بل كان عليه أن يمنح جميع مواطني مدينته المسؤول عنها الكمامات والكفوف الحامية من الفايروس، لكنه حاسب المواطن على كسر الحضر وأغفل الحماية الأهم ولم يأمر بتوفيرها.
سادسا وأخيرا نشر أحدهم هذا المنشور في الفيس بوك أنقله كما هو:
حين جاءت ابنتي للدنيا، أطفأت حربا طاحنة في ١٩٨٨، كأنها ماء بارد على نار فأخمدتْ تلك الحرب الطاحنة...
اليوم ابنتي التي أطفأت تلك الحرب، ولَدتْ بنتاً تشبهُها سوف تطفئ جائحة كورونا إن شاء الله....
حمداً وشكراً لله........
حفيدتي حلّت ضيفةً على الأرض المريضة بكورونا.. لكنها فأل خير وأمل......
#كورونا #تندحر
اضف تعليق