النِعم التي نحظى بها قد تنقلبُ إلى نِقَم، الغنى والثراء من ضمنها، فهناك من لا يتعامل بطريقة صحيحة مع نعمة الثراء والغنى المادي، حينها سوف تتحول الأموال والكنوز إلى عدوٍ لدود للإنسان، وهنالك حكايات وتجارب كثيرة، يستطيع الرائي والمتابع اقتناصها من واقعنا أو تاريخنا...
النِعم التي نحظى بها قد تنقلبُ إلى نِقَم، الغنى والثراء من ضمنها، فهناك من لا يتعامل بطريقة صحيحة مع نعمة الثراء والغنى المادي، حينها سوف تتحول الأموال والكنوز إلى عدوٍ لدود للإنسان، وهنالك حكايات وتجارب كثيرة، يستطيع الرائي والمتابع اقتناصها من واقعنا أو تاريخنا، تؤكّد على أن نعمة الثراء يمكن أن تنقلب إلى شقاء ودمار، إذا لم يكن التعاطي معها مدروساً وصحيحا ومتوازناً.
أب ثريّ جمع ثروته بكدّهِ المتواصل وذكائهِ، تكاثرت هذه الثروة حتى بلغت أرقاما عالية، جمعت كنوزا متخمة بالأموال والذهب، وكثيرا من الأموال غير المنقولة، والأموال أو الثروة إذا توافرت لها عقلية تجارية ذكية، سوف تتضاعف مع مرور الأيام والسنوات، والأب الذي نتحدث عنه من هذا النوع، أي أن ثروته كانت تزداد مع الوقت.
لكن هنالك مشكلة اعترضت هذا الثراء المتصاعد، ليست تجارية، ولا علاقة لها بالبيع أو الشراء أو التخطيط التجاري، هذه المشكلة تربوية بحتة، فالأب لديه ابن شاب وحيد، لم يأخذ من أبيه الذكاء التجاري، أو الرغبة في العمل ومضاعفة الثروة، كان هذا الابن يكره كل شيء له علاقة بالعمل، ولا يعرف من هذه الدنيا سوى اللهو وتبذير الأموال على نفسهِ وعلى شلّة من أصدقاء السوء، كانوا يحيطون به كما يحيط الذباب بقطعة حلوى!.
حاول الأب الذي أخطأ في تربية ابنه أن يصحح خطأه التربوي، لكنه أخفق، فقد اعتاد الابن الدلال وأصبح التبذير واللهو واللهاث وراء الملذات أهم شيء في حياته، بل كل سلوكيات الابن ونظام حياته برمتها قامت على الدلال وتبذير الأموال على الملذات الكثيرة التي تحيط بالابن، ومما زاد الطين بلّة شلّة من الأصدقاء أحاطت بالابن وطمعت به وشجّعته على سلوك دروب اللهو والتبذير بكل أنواعه.
كان الأب يعاني من هذا الخطر التربوي، وكان يتكلّم مع ابنه كثيرا، ويحاول أن يعيده إلى الصواب لكنه أخفق، قال الأب للابن هؤلاء أصدقاء مصلحة ومنفعة مادية، وليسوا أصدقاء أمناء، اليوم يلتفّون حولك من أجل أموالك ونقودك وصرفكَ المستمر عليهم، لكن إذا لم يكن معك أموال ولم تستطع الصرف عليهم سوف يتخلون عنك بسرعة لا تتوقعها.
كلام الأب لم يجدِ نفعا مع الابن الذي ظلَّ سادرا في سلوكه الخاطئ، وذات يوم قرَّر الأب أن ينصح ابنه نصيحة أخيرة بعد أن يئس تماما من ابنه، فجلس معه ابنه وقال له:
- سيأتي يوم أرحلُ فيه عنك وعن هذه الحياة، سأموت وتبقى وحدك، وسوف تستمر بطريقة حياتك البائسة هذه، وسوف تستمر بالبذخ والتبذير على نفسك وأصدقاء السوء، وحين تبذّر كل أموالك عليهم، سوف ينفضّون من حولك ولن تجد صديقاً يعينك على بلاء الفقر، حينذاك أنصحك بشيء واحد، عليك (الانتحار)، وقد هيّأتُ لك طريقة الانتحار بنفسي، فما عليك سوى الصعود إلى الغرفة العلوية، سوف تجد حبلا يتدلى من السقف وفي نهايته أنشوطة الشنق وتحتها كرسي حينذاك اصعد هذا الكرسي، قم بوضع الأنشوطة في رقبتكَ واشنق نفسك.
خرج الأب وتركَ ابنه في حالة من الصدمة، لكنّه مع كل ذلك لم يثبْ إلى رشده وظل هذا الابن موغلا بالتبذير والإسراف ولم يفكّر لحظة بالكف على سلوكه الشائن هذا.
مات أبوه، لكن الابن بقي على طريقة عيشهِ نفسها، يبذخ على أصدقائه حتى صرفَ كل أمواله على الملّذات التي اعتاد عليها هو والأصدقاء، وحين انتهت أمواله ولم يعد قادرا على تقديم شيء ما لأصدقائه، هربَ منه الجميع وتخلّوا عنه، لدرجة أن وجبة الغذاء باتت حسرة عليه، وحين ذهب لأحد أصدقائه كي يحصل على وجبة غذاء واحدة منه، تخلى عنه واعتذر له فذهب للصديق الثاني والثالث والرابع، ومرَّ على جميع أصدقاء السوء والملذات واللهو وكان جوابهم له واحدا، الاعتذار والتحجج بأنهم لا يمتلكون القدرة على مساعدته.
حينها تذكَّر الابن نصيحة أبيه له بالانتحار، ضاقت الدنيا في عينيه وحاصره الفقر المدقع، وضربه الجوع بقوة، لم يجد أمامه سوى تنفيذ وصية ابيه بالانتحار خصوصا وأنه لم يتعلّم حرفة أو مهنة في حياته بسبب انشغاله باللهو وأنواع الملذّات!.
صعد إلى الغرفة العلوية، فتحَ بابها، أشعل المصباح، فرأى الحبل يتدلى من وسط السقف، وأنشوطة الشنق تدعوه إليها، صعد على الكرسي الموجود تحت الحبل، أدخل رأسه في الأنشوطة وشدَّها على عنقه، ودفعا بالكرسي جانبا، فسقط جسده الثقيل نحو أرض الغرفة، وسحب معه السقف الثانوي إلى الأرض، فتساقطت فوق رأسه أنواع الأموال، حيث كان والده يجمع نفائسه الثمينة وأمواله في هذا السقف الثانوي....
صحا الابن من صدمة الشنق، ونظر من حوله في أرجاء الغرفة، فرأى ثروة كبيرة تركها له الأب، ثروة متنوعة تحيط به، استوعب الابن درس أبيه جيدا، وبدأ بالعمل التجاري المتدرّج والصحيح معتمدا على نفسه وعلى بعض أصدقاء أبيه الخلَّص، وابتعد بشكل تام عن اللهو، وغيَّر نمط حياته القديم تماما، وطرد جميع أصدقاء السوء من حياته الجديدة.....
اضف تعليق