q
اليوم يعيش العراقيون في أزمة سياسية خانقة، الحياة معطّلة، الآفاق تبدو مغلقة، لكن في الحقيقة هناك بوادر مهمة للتغيير، إذا تحلّى العراقي بالتفاؤل، وتمسك بجدية في صنع أسس مستقبلية سليمة، وأظهر تمسكا والتزاما بتأدية مسؤولياته، سوف تكون هذه بداية عظيمة لصنع مستقبل يحسدنا عليه الجميع...

المستقبل هو أحد أبعاد الزمن الثلاثة، الماضي يليه الحاضر ثم المستقبل، هناك تشابك بين هذه الأبعاد، بعضها يؤثر في بعض، بعض المختصين يرى أن الحاضر هو من يصنع المستقبل، وبعضهم يرى العكس، أي أن المستقبل له دور في صنع الحاضر، وهناك من يؤكّد أن الماضي هو مجموع التجارب التي تؤسس للحاضر والمستقبل، بعضها آراء فلسفية قابلة للنقاش.

العلماء المختصون يفسرون المستقبل بأنّهُ كل ما سيحدث في وقت بعد الوقت الحاضر. ويعتبر وصوله لا مفر منه، بسبب وجود الوقت وقوانين الفيزياء، ونظرا للطبيعة الجلية للواقع، وحتمية الطبيعة. مفهوم المستقبل والخلود موضوعان رئيسيان في الفلسفة، والدين، والعلم، واستعصت أعظم العقول على الدوام إيجاد تحديد لهما غير مثير للجدل. يشيع استخدام التصور الخطي للوقت؛ باعتبار المستقبل هو جزء من خط الزمن المتوقع له أن يحدث. أما المستقبل في النسبية الخاصة، فهو المستقبل المطلق، أو المخروط الضوئي للمستقبل.

أما بخصوص التفاؤل فهو عبارة عن ميل أو نزوع نحو النظر إلى الجانب الأفضل للأحداث أو الأحوال، وتوقع أفضل النتائج. أو هو وجهة نظر في الحياة والتي تبقي الشخص ينظر إلى العالم كم كان إيجابياً، أو تبقي حالته الشخصية إيجابية، والتفاؤل هو النظير الفلسفي للتشاؤم. المتفائلون عموما يعتقدون بأن الناس والأحداث جيدة أصلاً، وأكثر الحالات تسير في النهاية نحو الأفضل، ويعتقد بعض المتفائلين بأنه بغض النظر عن العالم أو الحالة الخارجية، يجب على الشخص أن يختار شعور الارتياح ويستفيد إلى أبعد الحدود منه. هذا النوع من التفاؤل لا يقول أي شيء حول نوعية العالم الخارجي؛ هو تفاؤل داخلي حول مشاعر الخاصة.

لكنَّ الأمر المفروغ منه، أنّ كلا المفهومين، المستقبل والتفاؤل، يرتبطان بالإنسان فردا كان أو جماعة، والشعوب أو المجتمعات هي التي تصنع حاضرها ومستقبلها، ولا يُستثنى من ذلك أحد، بيد أن مستوى صنع المستقبل من حيث الجودة والارتقاء يختلف من شعب إلى آخر، ويمكن أن نجزم في هذا الجانب، بأن التفاؤل لهُ القدح المعلّى في بناء الأسس السليمة لمستقبل زاهر.

لماذا لا نتحلى بالتفاؤل؟

العراقيون لأسباب تراكمية، نفسية وعملية، لا يتحلّون بالتفاؤل، إلا في استثناءات قد تكون نادرة، فمما رصدهُ علماء الاجتماع وبعض المؤرخين، أن التشاؤم نسبتهُ أعلى في تأثيث الطبيعة الفكرية والسلوكية للعراقيين، هذا أحد الآراء التي قيلت عنهم، لكن ذلك لا يلغي ما أنجزه العراقيون من قفزات ثقافية وإبداعية وفكرية لا يمكن التنكّر لها أو إلغاءَها بشكل تام، وكان الداعم الأساس لها هو حيوية العقل العراقي عبر أحقاب متلاحقة.

في الواقع الاجتماعي الحاضر للشخصية العراقية، هناك يأس بائن يهيمن على الكثير من العراقيين، وتكاد حالة التشاؤم تشكل جزءاً من شخصية العراقي، وربما لا نبالغ إذا أكّدنا بأن الفرد العراقي يعاني من حالة اليأس هذه، وغالبا ما يهيمن التشاؤم على أقواله وأنشطته المختلفة، مما يحدّ من إنتاجيته في الميادين كافة.

هذه الظاهرة لا يمكن التنصل منها، هي موجودة بين العراقيين وعلينا أن لا نتهرَّب منها، فمعالجة المرض يبدأ بتشخيصه الدقيق وعدم التخوّف أو التهرّب منه، نحن نريد أن نصنع إنسانا عراقيا يتحلى بالتفاؤل ويؤمن بالمستقبل الراسخ المتميز الناجح، وهذا لا يمكن أن يتحقق ما لم نكافح اليأس وأسبابه، فكيف يمكن أن يتم ذلك على نحو موثوق؟

علينا كعراقيين أن نقر بصعوبة تاريخنا، وبفداحة الأحداث والأزمات الكبرى التي عصفت بنا، ولابد أننا نعي تماما بأن تداعيات تلك الهزّات الكبرى عبر تاريخنا، زرعت في نفوس العراقيين بذور الألم واليأس، على الرغم من موجات الكفاح المتواصلة التي أبداها العراقيون في مواجهة الأزمات.

ولكن الفرد العراقي هو لبنة التصدي والتغيير، منه يبدأ بناء الحاضر والمستقبل، تشبثه بالتفاؤل سوف يقوده إلى مستقبل وضّاء، لا يوجد حل آخر في مكافحة التردّي والتراجع سوى العمل بتفاؤل على إعداد الخطط الصحيحة لصنع وتأسيس ركائز مستقبلية ثابتة في حواضن الحاضر الذي نعيشه اليوم.

خطوات تأسيسية لمستقبل مضمون

لوحظَ على العراقيين خوفهم من حاضرهم، وقلقهم بشأن المستقبل، الفرد العراقي خائف من شيء لا يعرفه بالضبط، حتى أولئك الذين يمتلكون ضمانات العيش تجدهم قلقين خائفين، هذا بالطبع يزيد الوضع النفسي تعقيدا، ويدفع بالإنسان العراقي إلى التفكير بنفسه فقط، وعدم شعوره بالآخرين، المهم لديه كيف يؤمّن حياته ولا دخل له بما يحتاجه الآخرون.

ولكن أنت لم تعش فردا وحيدا في بلدك وعالمك، إنك تشارك الملايين، وعليك أن تشترك في مسؤولية صناعة حياة حاضرة مستقرة، مع تحمل الإعداد لركائز مستقبلية لا يمكن تجاهلها أو التنصل منها تحت حجج بناء النفس والنأي بها عمّا يواجهه الآخرون من أزمات ومشكلات.

ما هو التفكير السليم الذي يمكن أن يجعل المجتمع العراقي قادرا على بناء مستقبل مضمون؟

- التفاؤل يجب أن يكون رفيقك في الدرب الذي يتم إعداده لصناعة المستقبل.

- لا تتخلى مطلقا عن التفكير بالآخرين.

- عليك أن تشعر بما يحتاجه الآخرون.

- يمكنك تأمين احتياجاتك المعنوية والمادية، ولكن هذا لا يلغي مسؤوليتك بالمشاركة مع الآخرين لتأمين حاضر ناضج ومستقبل جمعي مضمون.

- التفاصيل البسيطة في الحياة اليومية مهمة حتى وإن بدت غير ذات أهمية، كأن تركن سيارتك في مكان وقوف خاطئ يؤذي الآخرين.

- كأن يحتاجك أحدهم وتغض الطرف عنه، تهرّبا من مد يد العون له!

- حياتنا في هذا البلد كأننا نعيش في مركب واحد، إذا غرق المركب لأي سبب لن تكون أنت من الناجين وأنا من الغارقين، سنغرق جميعا أو ننجو جميعا.

- صناعة المستقبل مهمة جماعية، مرفقة بالتفاؤل.

- التشاؤم أو التفاؤل قد يكون حالة جمعية، يعيشها المجتمع، مسؤولية الفرد أن يتخلص من التشاؤم ويساعد الآخرين على تحقيق ذلك.

اليوم يعيش العراقيون في أزمة سياسية خانقة، الحياة معطّلة، الآفاق تبدو مغلقة، لكن في الحقيقة هناك بوادر مهمة للتغيير، إذا تحلّى العراقي بالتفاؤل، وتمسك بجدية في صنع أسس مستقبلية سليمة، وأظهر تمسكا والتزاما بتأدية مسؤولياته، سوف تكون هذه بداية عظيمة لصنع مستقبل يحسدنا عليه الجميع!.

اضف تعليق