مطلوب من الشباب خصوصا، وعموم الفئات العمرية الأخرى أن تسعى بصورة جدّية إلى الحصول على وعي اقتصادي جيد، يسمح بإنشاء مشاريع ناجحة، وكذلك يدخل في تنظيم موارد الأسرة الذي يسهم في نهاية المطاف في تكوين مجتمع مثقف اقتصاديا، يمكنه العيش في بيئة عصرية تساعد الفرد والمجتمع...
توجد في منطقتنا السكنية عائلتان متساويان في الدخل الشهري، فالدخل الشهري لهاتين العائلتين يكاد يكون متساويا أو متقاربا كثيرا، وموارد العائلتين بشكل عام متقاربة أو مساوية، لكن المفاجأة حدثت حين زرتُ العائلتين بالتتابع كوني صديقا لهما، فقد وجدتُ عالميْن مختلفين، وثقافتين متناقضتين، وبيئتين مختلفتين في كل شيء تقريباً، وحين حاولتُ معرفة ما يكمن وراءَ الاختلاف، توصَّلتُ من خلال ملاحظتي لأفراد العائلتين، إلى أنّ الأسباب تعود إلى مستوى وعي وثقافة كل عائلة، لاسيما قائد الأسرة في كل بيت منهما.
اكتشفت أيضا أن المال لا يمكن أن يرتقي بالإنسان إذا لم تكن لديه ثقافة اقتصادية كافية وناجحة، وهذا ليس بجديد، فهناك عائلة يدخلها مورد يساوي ضعف ما يدخل إلى عائلة مجاورة لها، لكن الأخيرة التي يقلّ دخلها تعيش حياة أفضل من العائلة ذات الدخل المضاعف، فهل هناك دخل مباشر أو غير مباشر للثقافة الاقتصادية في أنماط وأساليب العيش؟
علم الاقتصاد وعلمائه يقولون نعم، إن الثقافة الاقتصادية لها دخل كبير في تحسين المستوى المعيشي للفرد والمجتمع، وأذكر هنا قولا لأحد المختصين بالاقتصاد يقول فيه مخاطبا جميع الناس: (لا أقول أن الثقافة الاقتصادية سوف تجعل منك غنيا، ولكنها سوف تساعدك على أن لا تكون فقيراً)، هذا يعني أن الوعي الاقتصادي سوف يحمي الإنسان من السقوط في فخ الفقر، وإذا لم ينتمِ إلى طبقة الأغنياء، فإنّ موقعه سوف يكون من ضمن الطبقة الوسطى.
هذا يعني أننا جميعا مطالبون بتحصيل الوعي الاقتصادي، وأن نبذل جهودا كافية كي نحوز ثقافة اقتصادية تساعدنا على تنظيم مواردنا، ومن يكون واعيا اقتصاديا سوف لا يكتفي براتب الوظيفة المحدود، ولن تكون حياته روتينية مقيتة، بمعنى أن ثقافته الاقتصادية سوف تمنحه بعدا استثماريا أوسع وأفضل من سواه، وسوف يطمح إلى فتح مشاريع اقتصادية صغيرة، تدّر عليه أرباحا ربما تفوق ما يأتيه من راتبه الوظيفي الشهري.
كذلك من تكون لديه ثقافة اقتصادية سوف لا يخطئ في مشاريعه الاستثمارية، أو على الأقل تكون أخطاؤه محسوبة ومتوقَّعة على عكس الإنسان الذي يجهل الاقتصاد ولم يسعَ إلى تطويره معلوماته ووعيه وثقافته الاقتصادية.
في منطقتنا أيضا هناك شابّان تجاوزا العشرين، ومرحلة الشباب عادة تدفع الإنسان إلى بناء حياة قائمة على الطموح الذي قد يصل حدّ المغامرة، اتفقا هذا الشبان على فتح مشروع يدرّ عليهما بعضا من الأرباح، على أن يكون بداية للدخول في عالم الاقتصاد والتجارة، مشروعهم عبارة عن فتح متجر لبيع ملابس الأطفال.
أول خطوة قاما بها هي العثور على محلّ أو متجر للإيجار في منطقة مناسبة فيها كثافة سكانية حتى يكون الإقبال على المتجر جيدا، وفعلا حصلا على مكان جيد لكن المشكلة أن الإيجار الشهري للمحل مبلغهُ كبير باعتبار أن المنطقة جيدة أو تسمى منطقة تجارية، ومنذ الخطوة الأولى ذهب نصف المبلغ إلى المؤجر مالك المتجر، وبقي لديهما من رأس المال نصف المبلغ الذي اتفقا على تحضيره لهذا المشروع.
المتجر يحتاج إلى تأثيث، بمعنى صبغ أو تغليف جدران المحل، وعمل سقوف ثانوية ورفوف وبوابة زجاجية ولفكس فيه إضاءة عالية وبتصميم متميز يتصدّر واجهة المتجر، وبعد أن أكملوا نواقص المتجر وأصبح جاهزا لاستقبال بضاعتهم المخصصة لملابس الأطفال، نفذ المبلغ الذي جمعاه لمشروعهم، وهنا اكتشفا أنهما لم يفكرا تفكيرا اقتصاديا سليما، فما فائدة أن يكون لديك دكان أو محل أو متجر في منطقة تجارية إذا لم يكن فيه بضاعة.
وما فائدة المتجر المؤثث بصورة حديثة وعصرية وتتصدر واجهته لوحة ضوئية جذّابة وليس فيه بضاعة، لقد صرفا رأس المال كلّه على جوانب جمالية وتركا الجانب الأهم في المشروع ألا وهو البضاعة التي يتم عرضها في المتجر، وإذا أردنا معرفة أسباب فشل هذين الشابيّن في أول مشروع وأول خطوة اقتصادية لهما، فإننا سنكتشف أنهما لا يمتلكان الوعي والثقافة أو التفكير الاقتصادي السليم، فكان عليهما أن يخطّطا جيدا لمشروعهما هذا، وأن يضعا خطوات تنفيذية محسوبة مسبقا، ولو أنهما حسبا هذه الخطوات التي قاما بها، والتكلفة لكل خطوة، لما وقعا في الخطأ الذي أدى إلى ضياع رأس المال بالكامل.
فصاحب المحل رفض أن يعيد إليهما مبلغ الإيجار المدفوع مقدما، كما أنه رفض أن يدفع لهما مبلغ تأثيث المتجر بالرفوف والسقوف الثانوية وورق الجدران وغيرها من مصاريف، وهكذا فشل مشروعهما، السبب الأساس في مثل هذه الأخطاء قلّة الخبرات، وعدم التسلّح بثقافة اقتصادية تحمي الإنسان من الفشل.
لذلك مطلوب من الشباب خصوصا، وعموم الفئات العمرية الأخرى أن تسعى بصورة جدّية إلى الحصول على وعي اقتصادي جيد، يسمح بإنشاء مشاريع ناجحة، وكذلك يدخل في تنظيم موارد الأسرة الذي يسهم في نهاية المطاف في تكوين مجتمع مثقف اقتصاديا، يمكنه العيش في بيئة عصرية تساعد الفرد والمجتمع على تنظيم موارده بطرائق ناجحة.
اضف تعليق