الاستهلاك هو استخدام سلع أو إتلافها أو التمتع بخدمات، وذلك من أجل إشباع حاجات أو رغبات معينة.
ويعرّف الاستهلاك على أنّه (النفقات على السلع والخدمات المستخدمة في تلبية احتياجات ورغبات خلال فترة معينة). وهي في العادة سنة تقويمية، ويشمل استهلاك الدولة للبضائع الاستهلاكية كالملبس والمأكل والأدوات المنزلية بالإضافة إلى المواد الخام كمواد البناء والقطن والوقود والمعادن.
ويعرف أيضًا بأنه: (الفعل المتحقق من قبل الفرد في شراء أو استخدام أو الانتفاع من منتج أو خدمة متضمنة عدد من العمليات الذهنية والاجتماعية التي تقود إلى تحقيق ذلك الفعل).
ويعرف أيضًا بأنه (ذلك الفعل الشخصي الذي يقوم في جوهره على الانتفاع والاستخدام الاقتصادي للسلع والخدمات ومتضمنة عدد من العمليات المترتبة على تحقيق القرار لذلك الفعل).
برزت سوسيولوجيا الاستهلاك بشكل كبير في العقدين الاخيرين، وشكلت تحديات جذرية للأسس الرئيسة لعلم الاجتماع. ففي استعمالاتها الانكليزية المبكرة كافة تقريبا، نجد ان كلمة الاستهلاك كانت تحمل دلالات سلبية، حيث كانت تعني الاهلاك والتبديد والاستنزاف. وبحلول القرن التاسع عشر، اصبح يتم مضاهاة الكلمة بالحسنات الايجابية و(الذكورية) للانتاج كاطار مفيد اجتماعيا، بينما اصبحت النظرة الى الاستهلاك نفسه باعتباره عملا تقوم به النساء وحدهن. وكان مؤيدو اتخاذ مدخل جديد في التعامل مع الاستهلاك قد اصروا على ان فهم طبيعة الحياة الاجتماعية المعاصرة يتطلب التخلي عن المخاوف القديمة لمنظّري القرن التاسع عشر الذين جعلوا من الانتاج الصناعي وموقع الطبقات المصدر الرئيس للمعنى والتنافر في المجتمع. وليس من قبيل الصدفة رؤية ان الكثير من الدراسات الرئيسة التي تناولت الاستهلاك نشرت في الثمانينيات، عندما مر الكثير من البلدان بحالات من ازدهار الانفاق الاستهلاكي التي دفعت النمو الاقتصادي، وان البلدان تبنت سياسات سوقية تقوم على الليبرالية الجديدة، واصبح خطاب حرية الاختيار يتخلل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولاتقتصر التعريفات السوسيولوجية الجديدة للاستهلاك على عمليات الشراء الشخصية واستخدامات السلع والخدمات التي كانت بادية في هذا الوقت، ذلك انها تكشف عن العلاقات الاجتماعية التي تهيكل الفردية الواضحة التي تسم هذه الخيارات والرغبات والمعاني.
ويمكن النظر إلى الاستهلاك على أنه الهدف أو الغاية الأساسية لكل النشاطات الاقتصادية. وللاستهلاك علاقة عضوية بـ الإنتاج، فالاستهلاك يواجه دائماً إما بالسلع التي تنتج في ذلك الوقت وإما بالسلع التي أنتجت من قبل. وللاستهلاك دور أساسي في تركيب البنيان الاقتصادي وفي تحريك العجلة الاقتصادية، إذ إن الاستثمارات وفرص العمل هما أمران متعلقان بحجم الطلب الكلي على السلع والطلبات.
يعتبر الاستهلاك أحد مكونات الدخل القومي لأي بلد، كما أنه أحد مؤشرات الرفاهية في المجتمع، وتصب كل دراسات سلوك المستهلك في محاولة معرفة مجددات الاستهلاك، وتوازن المستهلك، كما يعتبر الاستهلاك مفهوماً منافساً للادخار؛ حيث يعتبر الأخير تأجيلاً للاستهلاك في الوقت الحاضر إلى استهلاك مستقبلي، وبمعنى آخر على مستوى الاقتصاد الكلي هو تنازل الجيل الحالي عن جزء من الاستهلاك الحالي لصالح الأجيال القادمة؛ وذلك لأن الدخل يمكن تقسيمه إلى استهلاك إضافة إلى ادخار ولا بد من تحقيق موازنة معقولة بين الاثنين تؤدي إلى الوصول إلى مستوى الإشباع المطلوب.
يعادل استهلاك دولة ما حوالي 80% من الدخل الإجمالي. ويتضمن استهلاك الحكومة نفقات الدفاع. أما الاستهلاك الشخصي فهو نقود تصرفها العائلات على ما تحتاج من سلع وخدمات، ويرتبط المبلغ الذي تصرفه هذه العائلات بشكل رئيسي بالدخل المتاح أو الدخل بعد الحسم الضريبي، وهو المبلغ المتبقي من الدخل بعد دفع ضريبة الدخل والضرائب الأخرى، ومن العوامل الأخرى التي تؤثّر على الاستهلاك الشخصي تكلفة الإيداعات المصرفية ومعدّل التضخُّم المالي اللذان يؤثران في نزعة الناس للتوفير.
طبقاً لما جاء في جدول أعمال القرن الحادي والعشرين، وهو خطة العمل الخاصة بالتنمية المستدامة والتي أقرت في قمة الأرض في ريو عام 1992، فإن "السبب الرئيسي في التدهور المستمر للبيئة العالمية هو نمط الاستهلاك والإنتاج غير المستدام، لاسيما في البلدان الصناعية".
يبلغ مقدار ما يستهلكه 60 في المائة من سكان العالم ممن يعيشون في البلدان ذات الدخل المرتفع 56 في المائة من إجمالي استهلاك العالم، بينما لا يبلغ استهلاك الـ 40 في المائة الأفقر الذين يعيشون في البلدان ذات الدخل المنخفض سوى 11 في المائة من إجمالي استهلاك العالم. ومع توسع الاقتصاد العالمي في التسعينات وارتفاع مستويات المعيشة في العديد من البلدان، وبينما يستهلك السواد الأعظم من البشر اليوم المزيد من الموارد، ينخفض استهلاك الأسرة المعيشية الإفريقية في المتوسط بمقدار 20 في المائة عما كان عليه منذ 25 عاماً مضت.
غير أن الاستهلاك المستدام ليس مسألة الاستخدام العادل للموارد فحسب. فوفقاً لتدبير قياس استدامة الأثر الإيكولوجي، وهو قياس مستقل يقوم على إحصائيات الأمم المتحدة، فإنه إذا قدِّر لكل فرد على وجه البسيطة أن يحيا حياة شخص متوسط في أحد البلدان ذات الدخل المرتفع، فإننا سنحتاج في هذه الحالة إلى 2.6 كوكب إضافي لإعالتنا جميعاً.
وقياساً على متوسط الأثر الإيكولوجي العالمي، وجِد أن حتى مستويات الاستهلاك والإنتاج الحالية تكون أعلى بنسبة 25 في المائة من قدرة الأرض الإيكولوجية، مما يعني أنه حتى في ضوء المستويات الراهنة، فإن البشرية تقضي على رأس المال الطبيعي لكوكب الأرض بمعدلات لا يستهان بها.
ومنذ انعقاد قمة الأرض، اتبعت مناهج جديدة لتحسين استدامة الاستهلاك والإنتاج، نذكر منها على سبيل المثال:
لجأت العديد من الحكومات إلى استخدام سبل تحفيزية على المستوى الاقتصادي والتنظيمي على حد سواء، منها مثلاً: ضرائب بيئية، ورسوم عن التلوث، وتصاريح لانبعاثات التلوث واستخدام المياه، ونماذج إيداع واسترجاع لإدارة المخلفات، وغرامات عن عدم الامتثال، وضوابط على الأداء، وكذا مواثيق طوعية للأخلاق.
أدخلت العديد من منشآت الأعمال عمليات إنتاج أنظف وأكفأ بيئياً، كما حدت من التلوث ومن الآثار البيئية الأخرى بعمل تصميمات وملصقات وعبوات صديقة للبيئة.
أصبح الجمهور أكثر وعياً بمسئوليات المستهلك والخيارات المتاحة أمامه. فبالإضافة إلى اتساع نطاق انتشار ممارسة الـ 3 "أ"، وهي إقلال، وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير، فقد بات على استعداد لدفع المزيد من الأموال نظير الحصول على المنتجات العضوية والصديقة للبيئة.
في الوقت الحاضر نشأت كثرة من الادبيات التي تتناول الاستهلاك مع قدر اكبر من التأكيد على الثقافة الاستهلاكية والهوية الشخصية. وكان ابرز الاشياء التي تم تجاهلها في هذا الصدد روايات ما أسماه كل من (اليزابيث شوف) و(الان وارد) ب (الاستهلاك غير الواضح) وهو يمثل الابعاد الاكثر دنيوية للممارسات التي تشكل كبرى مشاكل خسارة وتدمير الموارد الشحيحة. وعلاوة على ذلك، فان الانماط الاستهلاكية للعالم الاول تسهم ليس في معاناة بلدان العالم الثالث فقط، وانما كذلك في نشوء شكل من اشكال الاستعمار الذي يذهب بعض النقاد الى انه يؤدي الى تآكل التقاليد والتقليدية.
اضف تعليق