تقول بعض دراسات علم النفس، والبحوث النقدية في هذا المجال، ان بعض علماء النفس يدّعون ان العنف والعدوان احد مكونات النفس، او يقع ضمن التكوين البشري منذ الولادة، كما يرى فرويد في نظرياته وآرائه النفسية عن غريزة أسماها غريزة العدوان، واتُّهم الانسان بأنه يحمل غريزة العدوان في نفسه وهي غريزة أصيلة عنده، وكأنه يعتبر العنف والاعتداء بين البشر عملاً مشروعاً أو مبرراً على أقل تقدير، ولم يكن فرويد وحده هو المتهم بذلك من بين مؤسسي مدارس علم النفس ومنظري هذه المدارس، كما يقول احد الكتاب، فقد أشارت المدرسة الإيثولوجية بلسان أكثر من عالم من علمائها إلى أنه يمكننا أن نعتبر العدوان سمة مرتبطة بالنوع البشري، وفي مراحل تالية لظهور مدرسة التحليل النفسي الفرويدية والمنحى الإيثولوجي تحولت اهتمامات مدارس علم النفس إلى دراسة العدوان من مداخل أخرى، ففي مجال علم النفس الاجتماعي مثلاً، كانت العوامل البيولوجية تعتبر خلفية يمكن أن تهدئ تأثير الاستفزاز في الموقف المباشر الذي يعيشه الفرد، والذي يتطلب الدخول في نزاع مع الآخرين.
اذن نحن ازاء ظاهرة يرى بعض المعنيين انها تدخل ضمن التكوين النفسي للكائن البشري، ولكن ما هي السبل والوسائل والطرق العملية والنظرية، التي يمكن للبشرية من خلالها ردع العنف، وتجفيف منابعه في العقل والنفس؟ وهل هناك وسائل وسبل يمكن ان نكافح بها العف؟، الجواب نعم هناك قدرة للناس على مكافحة العنف بصورة فعالة، شرط ان تتوافر عناصر مهمة في هذا المجال، كالايمان بالحوار، واحترام الاخر، ورفض العنف كطريقة للوصول الى النتائج مهما كان نوعها واهدافها.
ولعل احدى اهم وسائل تقليل العنف وتجفيف منابعه، هي الثقافة، ففي حالة استثمار الثقافة بطريقة صحيحة، يمكن ان نصل من خلالها الى نتائج ملموس، لاسيما ان عدد من المختصين أكدوا على دور الثقافة في هذا المجال، كما نلاحظ ذلك في الافكار التي يطرحها الامام محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، فهو يركز على قضايا مهمة في هذا المجال، أي في مجال مكافحة العنف، ويرى أن السبيل الاقوى لدحر العنف وإضعافه هو نشر الثقافات المضادة للعنف، كما نقرأ ذلك في نظريته المعروفة عن العنف، والتي عالج من خلالها اسباب التطرف والعنف وناقشها وعرض لها بطريقة علمية، وقدم حلولا وبدائل وخطوات عملية لمكافحة العنف عن طريق السبل الثقافية.
نقرأ ذلك ايضا في إسهامات الكاتبة باربرا ويتمر التي تم ترجمة كتابها للعربية ضمن سلسة عالم المعرفة الكويتية بعنوان "الأنماط الثقافية للعنف"، وقد بحثت التأثيرات العميقة في الثقافة الغربية التي أدت إلى جعل العنف مشروعاً في هذه الثقافة برأيها. وهذا الجهد يمكن أن ينبه إلى أن مشكلة العنف التي تفاقمت في الفترات الحالية من تاريخ البشرية يمكن أن تواجه بالجهد العلمي المترافق مع الإصلاح في المجال الثقافي الذي ينمو فيه العلم، وقد قدم علم النفس خلال مسيرته في العلم الحديث من خلال تفسيراته للعدوان، قدم مناهج واستراتيجيات وتطبيقات متعددة لعلاج الاضطرابات النفسية التي تؤدي للسلوك العنيف لدى الأفراد.
لكن يبدو أن مكافحة السلوك العنيف على مستوى التجمعات والمجتمعات البشرية تحتاج إلى اتصال وتكاتف بين هذا العلم وعلوم أخرى، وكذلك إلى اتصال بين هذا العلم والأطر الثقافية التي ينمو فيها وتعمل تطبيقاته في مجتمعاتها، كما يرى ذلك الكاتب سمير التقي الذي اكد على أن العنف ليس تصرفاً يجبر عليه الفرد بأصل تكوينه وخلقه، وكذلك ليس سمة ملازمة لبعض المجتمعات، ويمكن أن تتم مواجهته بإصلاح ثقافة هذا المجتمع، وفي الثقافة العربية والثقافة الغربية وغيرهما من الثقافات كثير من المواضع التي نحتاج أن نواجهها بالنقد لنعرف إن كانت توجه أبناء المجتمع نحو السلوك العنيف.
اذن الثقافة والمثقفون مطالبون بمضاعفة جهودهم في هذا المجال عبر توظيف الثقافة والافكار والمقترحات النظرية والعملية، وفق السبل الصحيحة لمكافحة العنف وكما يلي:
- اهمية الايمان وخاصة لدى صنّاع القرار، بأن الثقافة قادرة على مكافحة العنف.
- وضع الخطط المدروسة بجدية وعلمية لمكافحة العنف بالثقافة، على ان تضعها عقول متخصصة لها خبرات وقدرات مشهود لها.
- وضع الامكانيات كافة تحت تصرف المؤسسات والمنظمات العاملة في مجال مكافحة العنف.
- الشروع بطرد العنف من النفوس بدءاً من الحاضنة الاجتماعية الاولى العائلة.
- أهمية مساهمة المدارس وجميع محيطات العمل في حملات متواصلة ومدروسة لزرع الثقافة المناهضة للعنف.
- للمؤسسات الخيرية والدينية دورها الكبير في هذا المجال.. لاسيما في تعضيد الجانب الفكري التنويري ..
- للاعلام كذلك دوره الرئيس في هذا المجال، خاصة في ظل القص الواضح في البرامج الثقافية الغنية والجيدة.
- الشروع في بناء الاسس السليمة لثقافة اللاعنف.. وتطوير منهج سلوك مسالم ينحو الى الابداع والانتاج الافضل.
اضف تعليق