q
إن التعامل العنيف مع التيار الشيرازي الاصيل، يؤدي الى خسارة فادحة تضر بالجميع، في وقت تحتاج البلاد الاسلامية جمعاء، الى الافكار والطروحات المعمّقة والأصيلة التي تنتهجها الشيرازية كمبدأ اللاعنف والاستقلالية الفكرية، لتجاوز المحن والمشاكل، وليس أقلها؛ الجهل والتخلف ثم التحديات الخارجية الماحقة

ضمن تداعيات حادث اعتقال نجل المرجع الديني السيد صادق الشيرازي في مدينة قم المقدسة، كان لزاماً على وسائل الاعلام العالمية التي تناقلت أنباء الاحتجاجات، تحديد أهم عنصر في الخبر وهو: "من" او بطل الحدث، وكأي حدث من هذا النوع في أي مكان بالعالم نقرأ: "اتباع" أو "جماعة"، إن لم يكن في الحدث تنظيماً سياسياً او مدنياً، أما فيما يتعلق باتباع المرجع الشيرازي، فقد حرصت بعض وسائل الاعلام على إطلاق تسمية "الفرقة" أو "الفئة" وتسميات اخرى توحي الى التمذهب والظهور بكيان جديد متفرع من الكيان الشيعي الكبير.

ولمن يراجع تاريخ الفرق الدينية والتيارات الفكرية والسياسية في عالمنا الاسلامي وفي العالم أجمع، يجد أن قاسمها المشترك في الانبعاث؛ ردود الفعل السلبية على الاوضاع الاجتماعية والسياسية القائمة، ولتكون هي البديل الافضل او المنقذ للناس مما يعانون منه، مثال ذلك؛ البهائية التي انطلقت من إدعاء شخص (علي محمد الشيرازي) بانه "باب الله" للناس، وانه المهدي الموعود والمنقذ، ونشطت بقوة في ايران ثم في العراق وتركيا وانحاء اخرى في العالم قبل ان تحط رحالها اخيراً في اسرائيل!

وفي ميدان السياسة نلاحظ الدعوات لمقارعة الاستعمار والنضال لنيل الاستقلال، ثم انشطر هذا التيار الى نصفين؛ احدهما يصر على الاستقلال السياسي وهو مسكونٌ بهاجس المؤامرة وظلال الاستعمار و"الاستكبار"، بينما الآخر راح يدعو الى الاستقلال الفكري والتوجه لايقاظ العقل ونشر الوعي والثقافة بعيداً عن تأثير الاحزاب الحاكمة والزعامات السياسية.

ففي اعقاب ظهور الاحزاب والتنظيمات السياسية الواعدة بالوطن السعيد والحرية والرفاهية وغيرها كثير من الشعارات، ظهر جيل من الكتاب والمفكرين يدعون الى حرية الفكر والاستقلالية في اتخاذ القرار بعيداً عن مؤثرات السياسة والمال وحتى الدين ايضاً، وقد تعاملت الانظمة السياسية مع هذه التيارات على أنها مجرد كيانات باحثة عن دور او جماعات لها اجندات خاصة، في مقدمتها؛ الاجندات الخارجية.

بينما التيار الشيرازي الذي انطلق من مدينة كربلاء المقدسة وانتشر في انحاء العالم، فانه لم يبشر بنظرية سياسية جديدة او مذهب فكري جديد، بقدر ما عمل المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي على إحياء التجارب الحضارية الناجحة للرسول الأكرم، ومن بعده الامام علي بن أبي طالب، ومحاولة استنباط الحلول للمشاكل المعاصرة، ولعل أبرزها؛ فكرة السلم واللاعنف، فعندما يأتي على ذكرها المرجع الشيرازي الراحل، يعنونها فوراً باسم الرسول الأكرم، وما قام به في فتح مكة، وفي سيرة حياته، وكذا الحال بالنسبة للنهضة الفكرية والتطور الاجتماعي والسياسي فانه يعنونه باسم الامام علي، وتجربته السياسية، وايضاً تجربة الامامين، الحسن والحسين، في خلق السلم، وفي خلق الثورة، هذا "التوجه الرسالي" كان يتعرض للتغييب تارةً، وللتجاهل تارةً اخرى في الساحة الاسلامية طيلة السنوات الماضية، ومايزال.

هذا التأصيل في الطرح يجعل من العسير جداً على المناوئين لهذا التيار والتوجه الرسالي، قمعه في زاوية محددة وتصغير حجمه على أمل القضاء عليه، لانه يضرب بجذوره في الوجدان والضمير الانساني، ولعل أبرز شاهد على ذلك، التيار الجارف الذي خلقه المرحوم السيد محمد رضا الشيرازي، نجل المرجع الراحل، بمحاضراته الثقافية والمعمّقة التي جذبت الملايين خلال فترة وجيزة قبل وبعد وفاته عام 2008، وما تزال هذه المحاضرات تشكل بالنسبة لشريحة واسعة من المجتمع، منهلاً للدروس والعبر والافكار الداعية الى التغيير الانساني والمجتمعي.

وعليه؛ فان ما قام به الامام الشيرازي الراحل، والمسيرة المستمرة من بعده، منذ انطلاق "العمل الاسلامي" نهاية الخمسينات من القرن الماضي، يشكل امتداداً لما مضى من الحراك الاسلامي – الشيعي لتحكيم قيم السماء، حتى الخصال الحميدة التي تميّز بها عن غيره، فهي مستمدة من الكبار ممن سبقوه، وكما ذكر هو ذات مرة، بأنه كان يشهد كيف أن السيد ابو الحسن الاصفهاني، زعيم الحوزة العلمية في حينه، كان يلقي التحية والسلام على جميع أصحاب الدكاكين الذين يمر امامهم في السوق بمدينة كربلاء المقدسة، وهي الخصلة التي لازمت حياته، فكانت تشمل حتى الاطفال الصغار، وكذا الحال بالنسبة لتنمية الاخلاق والدين والفكر لدى افراد المجتمع من شباب ونساء واطفال، وحثّ على الانتاج والابداع والتحدي، كل هذا وغيره كثير يشكل نفحات نهضوية ذات جذور عميقة في التاريخ الشيعي.

إن التعامل العنيف مع هذا التيار الجديد في الامة، يؤدي الى خسارة فادحة تضر بالجميع في وقت تحتاج البلاد الاسلامية جمعاء في الوقت الحاضر تحديداً، الى الافكار والطروحات المعمّقة والأصيلة لتجاوز المحن والمشاكل، وليس أقلها؛ الجهل والتخلف ثم التحديات الخارجية الماحقة.

وقد جربت الامة طيلة العقود الخمسة الماضية هذه الافكار والطروحات الحضارية، وكان النتيجة ما كشفه الزمن، ولا أدلّ على هذا؛ سيول الدماء التي سالت في العراق بعد الاطاحة بصدام من خلال الحرب، ثم الاستمرار بالضغط والاستفزاز لاستثارة المناوئين والمعارضين للعهد الجديد، فيما دعا الامام الشيرازي الراحل قبل هذا الحدث الكبير بحوالي عشرين سنة، الى الاستفادة من تجربة النبي الاكرم في فتح مكة، وإطلاق العفو العام وكسب الناس وبناء الامة، واليوم نلاحظ كيف ان دعوات تطلق هنا وهناك للتقارب والمصالحة والدمج وغير ذلك، مع الذباحين والارهابيين الذي سفكوا دماء عشرات الآلاف من الابرياء.

وتستمر المسيرة مع التقويم الانتقاد لمجمل الاوضاع في البلاد الاسلامية بهدف تطوير الواقع السياسي والاقتصادي وتنمية الانسان والمجتمع من خلال إثارة روح الأمل والثقة بالنفس فيه، وتذكيره دائماً بقدرته على المشاركة في الإصلاح والتطوير كما كان حال المسلمين في عهد الرسول الاكرم والامام علي بن أبي طالب، عليهم السلام.

اضف تعليق


التعليقات

ابو يعقوب الحلي
الناصرية
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تختلط المفاهيم يصبح الجاهل عالم والعالم جاهل. المرجع السيد الشيرازي مشكلة أعدائه لايفهمون حقيقة مطلبه إنه يريد خلاصهم من النار والسعير وهو يصرون على ذلك . كتبه سيرته منهجه في الحياة كانت رحمه الله ينبع من محبته لله وعشقه له وحبه للناس . وإلا ماذا فعل الراحل المرجع حتى يجازى بأن يدفن في مكان غير لائق ماذا فعل حتى يقتل ابنائه ومن يحبه ..
المهم عند الأعداء أن يقتلوا كل نفس يقول لالهم2018-03-17