إنّ من أبرز صفات الرسول الأعظم (ص) انّه كان لا عنفاً إلى أبعد حدّ، حيث وصف أبي سعيد الخدري رسول الله (ص): «شديداً من غير عنف». (الامام الشيرازي).
ما هي الصورة التي يمكن أن نراها بوضوح في الواقع الاسلامي الآن؟، سؤال يتردد في أذهان الكثيرين، مسلمين وغيرهم، وثمة سؤال آخر أيضا، لماذا بلغ العنف (المنسوب للاسلام) أقصى حدوده؟، وما هي الاسباب التي تدفع القائمين به الى الاعلان بإصرار عن أن ما يقومون به ينبع من تعاليم الاسلام!؟.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه الذي يحمل عنوان (اللاعنف في الاسلام) حول رؤية الاسلام وقادة المسلمين للعنف ولكيفية التعامل معه: (من خلال أحاديثهم الشريفة الداعية إلى نبذ العنف وترك ردّ الإساءة للغير، ربّى الرسول الأعظم صلى الله علية وآله، وأئمة أهل البيت عليهم السلام، المسلمين على السماحة واللين، الأمر الذي أخذ بأيديهم نحو التقدّم والرقي بعد أن كانوا أذلّة خاسئين).
إذن نحن نلاحظ في الكلمة أعلاه، حالة الارتباط الوثيق بين اللين وبين ارتقاء الامم، بمعنى كلما كانت مستويات العنف منخفضة في المجتمع كلما كان أكثر تطورا وارتقاءً من سواه، وينسحب هذا على الافراد ايضا، أي أن تطور حياة الافراد مرتبطة باعتمادهم منهج (عدم رد الإساءة)، وهو امر يمكن ملاحظته على الناس المسالمين، الذين لا يردون الاساءة بمثلها، وهذا هو منهج الرسول الكريم وآل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام، أما التحليل المنطقي لهذا النوع من السلوك البعيد عن العنف وفوائده، فهو يسمح للانسان بالتفرغ للامور الجادة، والانشغال بما هو اكثر إبداعا وفائدة للانسان، بدلا من الانشغال بالمهاترات والمشادات والصراعات التي لا تجلب سوى التوتر وحالات العداء التي تحد من تطور الانسان وتقدمه، ففي حالات التعامل العنيف مع الاخرين لابد ان تكون هناك ردود افعال عنيفة ايضا، فيبقى الانسان متوترا منشغلا بحالة العداء، بدلا من انشغاله وصب تفكيره في الانتاج الأفضل.
من هذا المنطلق الراقي وفي هذا الطريق القويم، استمر وتبلور تعامل رسولنا الاكرم صلى الله عليه وآله مع الجميع، حتى مع أعداء الاسلام، ومع المنتمين الى اديان اخرى، فكسب بذلك فرصا كبيرة للتقدم، وحقق في غضون عقدين على مستوى بناء الدولة والمجتمع، ما لم تستطع تحقيقه مجتمعات اخرى في قرون، وهذه هي تحديدا فوائد وانعكاسات اللاعنف على الأمم.
واذا سألنا الآن، كم هي درجة التناقض بين منهج النبي الكريم وآل بيته عليهم الصلاة والسلام، وبين العنف بأقصى حدوده، الذي تعتمده جماعات وتنظيمات تطلق على نفسها (جماعات اسلامية)، وتنسب نفسها لدين النبي الاكرم صلى الله عليه وآله، الذي علّم المسلمين اسلوب اللين ومنهج اللاعنف في ادارة علاقاتهم وشؤونهم كافة، ورسّخ قواعد السلم في جميع التعاملات السياسية والاجتماعية وسواها، وهو منهج أثبتته التدوينات التاريخية من لدن الجميع، حتى اعداء الاسلام والمسلمين أقرّوا بالمنهج السلمي لقائدة دولة الاسلام الاولى الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله.
فمن أين استمدت التنظيمات الارهابية التي تنسب نفسها للاسلام منهجها، وكيف وصلت بالعنف الى آخر حدوده في واقعنا الراهن المحتقن، ثم من أباح لهم ذبح وتفجير وحرق الابرياء؟؟، وأي منهج هذا الذي يعكس صورة وحشية في الفكر والسلوك، وما علاقته بإسلام محمد وآل بيته عليهم الصلاة والسلام؟، أليس الاهداف المبيّتة من هذا السلوك الأعنف واضحة؟، إن أبسط العقول فهماً وتحليلاً، لا يمكن إلا أن تحيل مثل هذه الافعال العنفية الاجرامية وإلصاقها بالاسلام لغير هدف الإساءة المبيّتة لمبادئ الاسلام السمحاء، ومن المفارقات العجيبة، أن يتم تفخيخ السيارات والطرق والمنازل، بل حتى تفخيخ جثث الموتى بالمتفجرات وكل هذا يتم باسم الاسلام، وهو الذي يرفض العنف ويجنح الى السلم طريقا ومنهجا للحياة، أثبتته سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وسيرة آل بيته الاطهار، كما يدوّن لنا التاريخ ذلك المنهج البعيد كل البعد عن العنف، رغبة بالتطور والارتقاء، والابتعاد الكلي عن التطرف، والتمسك بمنهج اللين كأسلوب متطور لادارة المجتمع.
إن تنظيمات القاعدة وما يتفرع عنها من جماعات ارهابية (داعش، بوكو حرام، النصرة) وسواها، توغل في منهج العنف وتدّعي انها تطبق على الواقع الراهن منهج الاسلام، لكنها بذلك تتناقض كليَا مع منهج الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، كما تؤكد ذلك جميع المدوَّنات التاريخية، لذلك ليس امام المحللين المنصفين سوى الوصول الى نتيجة واحدة متَّفق عليها بينهم جميعا، تنص على أن هذه التنظيمات ما هي إلا وليدة الفكر التكفيري، وهي ممولة من قوى مضادة للاسلام، فتقوم برعاية هذه التنظيمات، وتمولها وتمدها بأسباب القوة والبقاء، لكي تخوض نيابة عنها حروبا مستعرة ضد الاسلام، من اجل تشويهه والاساءة الى قيمه الانسانية الراقية، أما الادّعاء بأن ما يقوم به الارهابيون بأنه دفاع عن الدين وعن فكر الاسلام ومنهجه، فهو لا يعدو كونه كذب وخداع، الغرض من تمرير هذا المنهج العنيف باسم الدين من اجل الاساءة له، وهي لعبة مكشوفة تماما.
لكن لا تزال هذه اللعبة قائمة، ولا يزال هناك اشخاص وعقول متطرفة، تعتمد العنف باسم الاسلام، (المجاميع الارهابية) وتنسى أن نبي الاسلام وفحوى الدين وتعاليمه وضع العنف في قائمة المحظورات، وتم اعتماد المنهج المناقض للعنف، وقد أعطى نتائجه التي تجسّدت في بناء أعظم دولة اسلامية على مر التاريخ، تمكنت ان تقف الى جانب بل تضاهي أقوى الإمبراطوريات في حينها، علما وادارة وحضارة، وقد تم هذا بإسلوب لا علاقة له بالعنف الذي تعتمده اليوم تنظيمات وجماعات متطرفة، تنسب نفسها للاسلام وهو منها براء.
اضف تعليق