الهزيمة تعني الانكسار في معناه الواسع، وهي تشمل المادي والنفسي المعنوي، فقد يكون هنالك إنسان مهزوم نفسيا أو معنويا، ومثال ذلك ما يحدث في المعارك الطاحنة للجيوش العملاقة والأصغر، حيث تلعب الحرب النفسية والمعنويات دورا هائلا في تحقيق الانتصار أو إلحاق الهزيمة بأحد الطرفين، هل يمكن أن يكون هناك طرف أو شخص خاسر مسبقا؟، الجواب نعم، وتلك هي الهزيمة النفسية، بمعنى تلك التي تصيب النفس قبل الجسد، وعندما تحدث الهزيمة النفسية لا ينفع معها الجسد حتى لو كان من العمالقة.
هناك كتاب ذائع الصيت، لمؤلفه الكاتب الامريكي دايل كارنيجي، يحمل عنوان (دع القلق وابدأ الحياة)، يقدم هذا الكتاب تصورات واضحة ودقيقة عن حالات الهزيمة والتردد التي قد تصيب الإنسان أأو قد يتعرض لها لسبب أو آخر، ثم يؤكد مضمون الكتاب المقولة المعروفة، لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، ويقدم هذا الكتاب تجارب ووقائع حدثت فعلا لأناس أصابتهم حالة الانهزام قبل أن تتوفر الأسباب المؤدية الى ذلك، بمعنى أنهم هزموا نفسيا، وعندما وعوا الحالة وقرروا كسب المعركة، انقلبت الموازين، وتغلبوا على الهزيمة المعنوية وحتى المادية من خلال إرادة قوية وإصرار على الانتماء للحياة وجمالها، وطرد حالات التردد التي قد تسيطر على الإنسان في مثل هذه الحالات، فتدمر قدراته كافة وتجعله مكتوف العقل قبل اليدين.
أسباب التردد النفسي والعملي
من هنا ينبغي الحذر من التردد، وطرد الانهزامية، وعدم السماح لها بالتسلل الى الشعور الذاتي، فهي بمثابة الحاجز والمانع أمام الإقدام، وقد تقف حجر عثرة، في طريق تطور الإنسان وتقدمه في المجالات كافة، وكما يقول علماء النفس، إن الهزيمة النفسية تحلق ضررا بالإنسان (الفرد والجماعة) أكثر مما تلحقه به الهزيمة المادية، فهي آفة تفتك بقدرات الإنسان وتشل عقله بصورة شبه تامة، وتمنعه عن التفكير في أي شيء إيجابي، سوى تلك المشاهد والمواقف والصور السوداوية التي تحيط به وتلوّن حياته، واذا استمر الحال هكذا، ربما يقود ذلك الى حالات أذى خطيرة كالانتحار مثلا، فحذارِ من أن يسلم الإنسان زمام أموره لمثل هذا الشعور الذي قد يكون لا أساس له في الواقع، وحتى لو كان موجودا بالفعل على الإنسان أن يواجهه بحزم وعزيمة لا تلين، لأن علم النفس أثبت أن قوة الإنسان لا تكمن في ضخامة جسده وقوة عضلاته، وإنما لابد أن يتميز بالقدرة على طرد الهزيمة النفسية خارج إطار حياته.
هنالك احتمالات عديدة لظهور حالات الانهزام لدى الإنسان، وحتما ثمة أسباب قوية تقف وراء تصاعد وتنامي هذه الحالة بين الأفراد، أو بين شرائح واسعة من المجتمع، فإنها قد تعود الى التربية في المحيط العائلي، وطبيعة الأفكار التي يتغذى عليها ذهن الطفل، صعودا الى مراحل المراهقة والشباب والكهولة، فالأساس التربوي للإنسان له دور حاسم في خلق شخصية متوازنة، او مهزوزة، مقدامة أو مترددة، وقد يكون للوراثة دور ما في هذا الجانب، إلا أن المحيط الذي ينشأ فيه الفرد، له دور حاسم في القضاء على الشعور بالانهزام النفسي المعنوي الذي يقود حتما الى جميع الهزائم التي تحدث للإنسان في الواقع الفعلي.
إن الإنسان كما نعرف جميعا، ينحو الى التطور دائما، ويتطلع الى التقدم وانجاز ما يطمح إليه، لكي يُشار له بالبنان، من أقرانه والمحيطين به، ولذلك تحدث حالات المنافسة بين الأصدقاء، والأشقاء، والعاملين في مجال واحد، وقد تتحول هذه المنافسة الى صراع، والسبب دائما رغبة الفرد في التقدم والانجاز الأفضل والتميّز عن الآخرين.
ردع الشعور المسبق بالهزيمة
ولكن عندما يتسلل الشعور المسبق بالهزيمة الى طبيعة وسلوك الشخص، فإنه تصيبه بحالة من الانطواء والكآبة، وتقوده شيئا فشيئا الى حالة من العجز التام، فيغدو معطّلا عن التفاعل والإبداع والخلق، كونه يصبح كائنا يائسا، لا يجد ما هو مجدي وجميل في حياته، او حتى في حياة من يحيطون به، من أهل وأقارب وأصدقاء وغيرهم، وبهذا يتحول بسبب اليأس، الى طاقة قيمتها صفر، فيشكل بذلك حملا على الآخرين، كالعائلة او أرباب العمل وما شابه، وما أصعب أن يتحول الإنسان الى كائن عاجز تماما عن الفعل أو التفكير، لأنه في هذه الحالة لا ينتج، ولا يقدم ما يستحق كي يبقى على قيد الحياة!ّ.
من هنا كلما ازداد عدد الانهزاميين، كلما انتشر التردد وعدم الإقدام في عموم المجتمع، لهذا يؤكد علماء النفس على أهمية العلاج النفسي، كون اليأس في أغلب الأحوال، تقف خلفه أسباب نفسية، لهذا لابد أن يتم منع تأثير حالات اليأس على الناس، ومنع انتشارها بينهم بكل السبل، على أن يكون العمل على ذلك منظما، والمبادرة في ذلك تبدأ من لدن الجهات الرسمية المختصة، ثم المنظمات المدنية القادرة على مد يد العون لليائسين، بالإضافة الى المؤسسات الخيرية.
لذا لا بد من حلول ناجعة يضعها المعنيون من خبراء وقادة نخب وما شابه، فهؤلاء تقع عليهم مسؤولية زرع الثقة في نفوس المجتمع أفرادا وجماعات، إن الحلول تستدعي تعاملا جديا واستعدادا دائما للحد من تأثيراتها، وانتشار مخاطرها، لأنها ببساطة يمكنها أن تصنع مجتمعا مشلولا تماما، يعيش عالة على الأمم والمجتمعات الأخرى، من خلال المساعدات وما شابه، حتى لو امتلك الثروات الكبيرة، لأن الهزيمة المعنوية تشل التفكير وتدمر التخطيط السليم، بل ويعطّل التنفيذ السليم، فيبقى المجتمع الغني بثرواته فقيرا، بسبب هيمنة هذا الشعور على العقول والنفوس.
لذا يجب أن نصر وتكرر القول بأنه ينبغي أن تتصدى النخب والمنظمات المعنية، مع أهمية حضور الجهد الحكومي، ومؤازرة الجهد المدني، تخطيطا وتطبيقا، و وضع البرامج التنموية النفسية والمهارية التدريبية التي يمكنها طرد حالة الانهزام بعيدا، وتسهم في تطوير قدرات الفرد والمجتمع، والتي تقود بدورها الى تسلق الأمة والمجتمع سلم الازدهار والمجد، من خلال قوة العزيمة والإصرار على التفوق والنجاح، فالشرط الأول والأخير، يكمن في العمل الجاد والمنظم، لزرع الثقة في داخل الإنسان أولا، حتى تتطور الحالة الفردية، لتصبح حالة ثقة جمعية، تصنع أمة ومجتمعا واثق بقدراته، وطاردا للهزيمة من فكره وسلوكه طالما بقي على قيد الحياة.
اضف تعليق