لقد حفت حياة السيدة زينب عليها السلام القصيرة التي لم تتجاوز الثمان والخمسون عاماً بالأعمال المهمة والمواقف الربانية الخالدة التي تنهل من ثمارها الأجيال عبر السنين والأيام، فقد نالت هذه السيدة الجليلة الاحترام والتكريم من قبل جميع المعصومين عليهم السلام إبتداءاً من سيد الكائنات محمد (صل الله عليه واله وسلم) الى الإمام الحجة (عج)، فقد كان الإمام الحسين عليه السلام يقوم لها إجلالا وتكريما عندما تدخل عليه ويجلسها في مكانه، بل كان يضع القرآن جانباً ويقوم للسيدة زينب عليها السلام عندما تأتي ويجلسها في مكانه.
وقد وصفها الإمام زين العابدين بالعالمة ولكن بدون معلم والفاهمة بدون من يفهمها الأشياء، حيث قال يا عمة انت عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة، وهناك طريقتان للحصول على العلم أما اكتسابي أو لدني، واللدني أما عن طريق الوحي أو الإلهام وكليهما مصدر التعليم المباشر هو الله سبحانه وتعالى، فعلم السيدة الزينب عليها السلام علم لدني مصدره الله سبحانه وتعالى مباشرةً.
وقد ظهر هذا العلم من خلال حياتها اليومية أيام أبيها أمير المؤمنين عليه السلام عندما كانت تعقد الدروس في تفسير القرآن وتوضيح المسائل الفقهية والعقائدية أو من خلال حياتها الجهادية التي طرحت الكثير من العلوم من خلال خطبها الثورية أمام الطغاة والمنحرفين والجلادين من بني أمية وأتباعهم المرتزقة كعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن.
فقد أظهرت العقائد الحقة وبينت طريق الله القويم ومن يمثله وطريق الشيطان ومن يسلكه ومتبنيه وقرأت المستقبل وصرحت به للأجيال وضربت به وجه يزيد بن معاوية عندما قالت له (فكد كيدك وأسع سعيك وناصب جهدك فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يرحض عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم بنادي المنادي إلا لعنة الله على الظالمين).
فكانت عليها السلام متفانية في عبوديتها لا ترى الأشياء الا من خلال هذه العبودية، فإنها ترى العاصي المتبع لخطوات الشيطان حقير ذليل أضعف من أن يخاف منه إنسان، والمؤمن عندها قوي لا يمكن مواجهته الا بالحق وإن كان ضعيفا أو فقيرا، وقد واجهت جبابرة الأرض وطواغيتها والمهيمنين على رقاب الناس بكل جرأة وشجاعة قَلَ نظيرها وكأنها تريد أن تصفعهم بالحق وهم جالسون على كرسي القيادة والسلطة.
فهذا جوابها لعبيد الله بن زياد عندما أراد ان يتشفى منها (ما رأيت إلا جميلا وهؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون اليه وتختصمون به فأنظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يا بن مرجانة).
وقد هاجمت الصديقة الصغرى (عليها السلام) يزيد وهو جالس على عرشه يحيط به قادة جيوشه ووزراءه وكبار شخصيات الدولة بالإضافة الى ممثلي الدول المجاورة في ذلك الزمان وألبسته الخزي والعار في الدنيا والآخرة وانتزعت من بين يديه الانتصار وجعلته يعيش الهزيمة والخذلان في الدنيا والآخرة، وبينت له ولجميع من حضر مجلس الطاغية من بني أمية وباقي العرب ومن يرتبط بهم من شخصيات أن طريق الحق لا يمكن الانتصار عليه بل هو المنتصر في كل الأوقات والمناسبات وما نصر حزب الشيطان إلا أضغاث أحلام يرسمها لهم الشيطان.
حيث أطلقت الصرخة العلوية الفاطمية في مجلس الطاغية كأنها أمها الزهراء عليها السلام وهي تهز حيطان مسجد الرسول (صل الله عليه واله) امام من تقمص الخلافة وهي تقول وأعلموا أني فاطمة وأبي محمد، فقد نهضت الصديقة الصغرى كأنها الجبل الأشم ما بين الأودية والمطبات تهز عاصمة الكفر والأصنام دمشق حيث قالت (لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى....الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء.......).
وهكذا أفشلت السيدة زينب عليها السلام المخطط الأموي في ضرب الخط المحمدي الأصيل وجعلت المجتمع الإسلامي يهتز ويرتعب من الكارثة التي أراد أن يسحبهم لها بنو أمية، من خلال إخراجهم من النور الى الظلمات ومن طريق الله القويم الى طريق الشيطان اللعين، وجعلت هذه السيدة من كربلاء الحسين عليه السلام الشعلة التي لا تطفئ أبداً لكي تنير الطريق لكل الشعب وتجعلهم يتجهون الى طريق محمد وال محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
ومن خلال نجاح السيدة زينب عليه السلام في مهمتها العظيمة التي من خلالها نقلت ثورة ابا الأحرار عليه السلام الى العالم الإسلامي كافة، وهكذا قامت هذه السيدة بإكمال جناحي الرسالة المحمدية التي من خلالها استطاعت هذه الرسالة أن تطير بهما عبر الزمان وما تسلط عليه من الدول الظالمة والمخططات الطاغوتية المجرمة وتصل هذه الرسالة الى جميع شعوب المعمورة، فكان الطائر هو الإسلام المحمدي والجناحان هما مصيبة الزهراء عليها السلام وعاشوراء الحسين عليه السلام، فأصبحت بحق هذه السيدة الجليلة من أهم الحلقات التي أوصلت الرسالة المحمدية السمحاء الى جميع شعوب المعمورة.
اضف تعليق