نور وجهه المبارك أذهل الحاضرين وهيبة مقامه الشريف اخرس الجميع، حبات العرق أخذت تغزو وجوههم خجلا وتهيّباً من وجوده المبارك، البعض منهم، طأطأ رأسه أمام كل ذلك الشموخ، والبعض كان يسترق النظر من هنا وهناك كي تقرَّ عينه برؤية إمام زمانه، فالمعروف أنه ليس باستطاعة أي شخص أن يحظى برؤية إمام زمانه، وان ينظر الى تلك الأقمار المنيرة!.
بريق عينيه كان يبعث الأمل في القلوب ويضيء حدائق الروح، ويدعو الجميع الى الإنصات.. عظيم كان يهيئ الأجواء لإخبار الجميع عن حدث عظيم!.
عالِم آل محمد (الإمام الصادق) يريد أن يتكلم، يا ترى عن أي سر يريد أن يكشف الغطاء؟، حُبِسَتْ الأنفاس في الصدور، لحظات صمت ومن ثم خرج اللؤلؤ والمرجان من ثناياه حضوره المبارك، تكلم عن حدث سوف يحدث في المستقبل ويغير أوضاع وحياة الشيعة في تلك المنطقة!.
يا ترى هل يريد أن يحدثهم عن كنز؟ ليرتفع رصيدهم المالي؟ أو أن الأمر أعظم من ذلك؟! أهل البيت أعظم من ذلك، يقدمون الأفضل دائما وأبدا، من المؤكد أنه (ع) يتكلم عن كنز يرفع من رصيدهم المالي والمعنويّ!.
بعد لحظات مليئة بالانتظار والشوق يتكلم عليه السلام فيقول ويخبر شيعته بأن أرضهم سوف تصبح مهدا للعلم والمعرفة، وسوف تصبح مباركة بعدما تطأها قدم امرأة مباركة، فتتشرف تلك البقعة بحَمْلِها.
إنه عليه السلام سيحدّث الناس عن قدوم فاطمة المعصومة المطهرة المباركة، ويمهد هذا الحدث المبارك، استعدادا لمجيئها، يا لها من عظيمة، حيث يتكلم إمام معصوم عظيم، عن معصومةٍ وعظمتها فيقول:
ألا أن لله تعالى حرما وهو مكة.
ألا إن لرسول الله حرما وهو المدينة. ألا أن لأمير المؤمنين حرما وهو الكوفة. ألا ان حرمي وحرم ولدي بعدي قم، ألا أن قم كوفتنا الصغيرة. ألا أن للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها الى قم تقبض فيها امرأة هي من ولدي، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة باجمعهم .
ارتسمت البسمة على شفاه الحاضرين وتمنى كل من كان حاضرا في تلك اللحظة ان يحظى برؤيتها وان يسكن في جوارها، انتشر الخبر في أرجاء المدن بين الشيعة بسرعة فائقة، مما تسبب بهجرة الناس في المدن المجاورة الى مدينة قم، وظل الجميع يترقب موعد ميلادها المبارك لسنوات عديدة.
اقتربت الساعة وانشق القمر
في اليوم الأول من ذي القعدة عام ١٣٧ه، في المدينة المنورة، في بيت الوحي، نجمة سماء موسى الكاظم (ع)، امرأة مغربية كانت تناجي ربها بالخلاص، تدعوا ربها ليخلصها من آلام الولادة، إنها لحظات مربكة، تضجّ بالاختناق والترقّب، بينما كان النور يصلي في محرابه ويدعو لتسهيل أمر النجمة.
ارتفع صوت التكبير والتهليل في أرجاء البيت، رائحة العود والعنبر كانت تفوح من تلك الغرفة، وأخيرا وبعد انتظار طويل وُلِدتْ النجمة، فماذا يمكن أن نتوقع منها؟ إنها نجمة ولَدت نجمة.
يا لها من نجمة، سوف تنير سماء قم .
وها هي معصومة أشرقت الدنيا بنورها، وراحت طيور الفرح تغرد بأجمل الألحان والتهاني، وتهدلُ بأجمل آيات التهاني والتبريكات. وجاءت الى ساحة النور المبين موسى الكاظم (ع)، جاءت من سكنت قلب أبيها ومن قال ع في حقها: فداها أبوها:
سر اﻹله بضعة الرســـــــــــولِ .....
بنت الكاظم سليلة الــــبـــــتــولِ .....
أخت الإمام عمّة الـــــــــــــــجوادِ .....
شفيعة لمحشــــر العبـــــــــــــــــــــــــادَ .....
بِحُبِّها أرجو النجاة في الـــغدِ .....
من العذاب و النكال السرمدِ .....
بل من عذاب القبر والسؤالِ .....
وكلّ ما يعقّب من أهـــــــــــــوالِ .....
قُبِّتها محبوبة الجبّـــــــــــــــــــــــــــــارِ .....
زائرها مشمول لطف الباري .....
وقبرها مستمسك البريّــــــــــــــــة .....
في كلّ ما ينزل من بليّـــــــــة .....
روضتها معتكف الملائـــك .....
ومستجار عابد وسالـــــــــــــــك .....
قد زال عنه الضرّ والبلاء .....
وجاءه النعماء والســــــــــــــراء .....
وكم لها من عتقاء النـــــــــار .....
بعد وصول الغضب الجبارِ.....
وحُبّها من كلّ شرّ جُـــــــــــــنّة .....
وبغضها مُبعّد من جَنّــــــــــــة .....
وأصلها من أطيب الأصولِ.....
من دوحة سلالة الرســـــــــــــولِ.....
اضف تعليق