كبرنا في عز الشباب، فات الأوان قبل ان يحين، يد الزمان سرقت أمانينا والرعد مزقها، طحنت الحروب أهالينا وتُرِكنا حيارى نمضي يمينا وشمالا، نضيع في الشتات، لم تبقى وردة أمل في حديقتنا بل تحولت كلها الى رماد!، تكلَّست قلوبنا وكستها طبقة دخان اسود.. كيف للقلب ان يبقى سالما تحت أرجل الدهر ورجاله؟ لقد اكتسح العالم السواد.
كيف للعين ان تعي معنى الأبيض وهي غارقة في النكبة السوداء؟ هذه كلماته عندما همّ بالفرار من ماضيه وحاضره وأهله ووطنه ..سويعات وغرقتُ في بحر الخيبة، وصدقتْ كلماته المملوءة بالتشاؤم والسلبية، خارت قواي وشعرت بأن الدنيا ليست سوى كذبة مخيفة وتافهة.
كان الحق معه، لماذا نعيش؟.
لماذا نصبر على المآسي وندفع شبابنا كبش التضحية لرؤساء الظلام؟، لماذا في باقي البلدان يعيش الناس في رفاهية وهنا يجب ان نغوص في مصيبة تلو أخرى؟، شعرت بأن دمي فقد لونه أو بالأحرى أصبح كالحاً! لا يوجد احد يهمه أمري وأمر ابناء جلدتي! هل قلت لا احد يهمه أمري؟ هل يجب ان يهتم احد بأمري؟.
أصبحنا في زمن لا يهتم احد بأمر أخيه حتى !فكيف ابحث عمن يهمه امرنا؟.
شعرت بشيء يطبق على قلبي ويخنق نبضاتي، شيء يطالب قلبي بالمزيد من ضخ الدم وفي نفس الوقت يمنع وصول الدم الى قلبي حتى لا يضخه الى أرجاء الجسد، قلبي المسكين أصيب بمرض لا اعرف ما هو!
كأن كل جرائم المجتمع أثقلت كاهلي بعبئها، مرَّرتُ يدي على قفصي الصدري وحبست أنفاسي لأسترق السمع لضربات قلبي كي أحس أنني على قيد الحياة، نعم كنت على قيد الحياة ولكن ربما كانت هذه أنفاسي الأخيرة...
من كثرة تفكيري في المصائب والمصاعب، لم اعرف بأي مصيبة أفكر ولا أي منها أجد لها حلا، ولا أية واحدة أودعها، غطى الليل بسواده كل الحقائق وأمر الأحزان بأن تمنع الأحرار من النوم عقابا لهم على مشاعرهم التي حملوها صدقا وبراءة، فالمنافقون لا يتعبون ومن يدّعون الإنسانية لا يسهرون.
فكرت مليا علني أجد حلا لأمنعه من الفرار ولكن دون جدوى، بل هو من شجعني لأفر معه من ماضيي وحاضري وأهلي ووطني، تغيرت المعادلة رأسا على عقب، هنا شعرت أنني لم أعد هنا، بل أصبحت هناك، هناك في عالم جديد، عالم مدجج بالأحلام الذهبية المضيئة، عالم خالٍ من الظلم والفساد والغدر، ولكن في عالم اليقظة لا يوجد مكان للأحلام كيفما كان لونها لأنها تضمحل في محيط اليأس والغدر.
يا لبساطتي تعثرتُ بكلامه وسقطت في بئر الخيبة، ولم تبقى زاوية واحدة في تلافيف دماغي إلا وبحثتْ عن إجابة، لما يحدث في وطني بعد ليلة طويلة التي حرقتني نار خيبتها أشرقت الشمس حاملة مع شعاعها الذهبي مفاجئة لي
صغيرة ذهبية اللون كادت تقترب مني إنها هي الإجابة التي كنت ابحث عنها (نحلة) تذكرت درر أمير الكلام: كن كالنحلة
اذا أكلت أكلت طيبا، واذا وضعت وضعت طيبا، واذا وقفت على العود لم تكسره. لماذا يضرب المثل بنحلة؟ ما هي خصائص النحلة ليُضرَب بها مثل؟.
إنها تشعر بالآخرين، وترى مالا يراه الآخرون، متعددة المهارات والانجازات، تتقن عملها، يهمها الجوهر أكثر مما يهمها المظهر، تعمل بشكل جماعي، حقا هذا ما ينقصنا لنسد به الفتور المتواجد في مجتمعنا، ينقصنا العمل الجماعي والشعور بمعاناة الآخرين وان يكون اهتمامنا بجوهر الاشياء لنخرج من دائرة النكبة!.
النحلة اذا أكلت اكلت طيبا.. إنها تختار الجيد فقط، تبحث عن وردة ذات جودة عالية، اذا كان الانسان يفكر في أكله هكذا ويبحث عن الجيد كم سيتقدم، ولكن للأسف أكل الحرام والرشا أصبح جائزا في عيون بعضهم، وفي المقابل سوف تتغير النتيجة لا محالة، النحلة تأكل طيبا وتضع طيبا وهناك بيننا ومنا الآن يأكل الحرام وفي المقابل يضع الحرام!.
يا رباه هل هذا معقول! الإجابة أمامنا ونحن نبحث عنها في غير مواضعها.
إن الانسان المؤمن في نظر أمير المؤمنين علي (ع) كالنحلة إذا وقفت على عود لم تكسره. يشير مولانا علي (ع) الى أن الإنسان النحلة لا تتسبب للآخرين بالأذى بل تشعر بهم. حقا إن الخيبة تتحول الى رماد امام عظمة النور المبين والصراط المستقيم علي (ع).
أدركت أننا السبب في مشاكلنا، لأننا لم نثق بأنفسنا، لو أننا نعمل بشكل جماعي يداً بيد ونهتم بأمر الآخرين ونحب لهم ما نحب لأنفسنا، فإننا سوف نبني مجتمعا متماسكا، لذا يجب أن نثق بأنفسنا كي نتسلق سلم المجد، كما أرشدنا الى ذلك سيد البلغاء علي (ع): أتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر!.
ليس ثمة حاجة للفرار من الماضي والحاضر والأهل والوطن، ولنقتدي بإمام العدل والمساواة والرحمة، إمام العفو والأخلاق العظيمة، إمام البناء والنجاح والسعادة، إمامنا علي بن ابي طالب عليه السلام.
اضف تعليق