q

شهر رمضان المبارك له أجواء خاصة مليئة بالخيرات والبركات والنعم والنصر، ويتميز بالروحانية والعظمة لوجود ليلة القدر العظيمة، وبالفرح والكرم فمن بركاته ولادة كريم أهل البيت الإمام الحسن المجتبى (ع) حفيد وريحانة وسبط الرسول الأعظم محمد (ص) وذلك في النصف من الشهر الفضيل، القرقيعان فرحة وبهجة.

بمناسبة مولد سبط وريحانة النبي الأكرم محمد (ص) الإمام الحسن ابن علي (ع) الغالية على قلوب عشاق محمد وال محمد وعلى كل حر وشريف محب للإصلاح والعدالة والحرية والتعددية سنحاول تسليط الضوء حول دور الإمام الحسن المجتبى في قيادة الأمة والتضحية والإباء والثورة الإصلاحية وفضح وتعرية النظام الفاسد، وكشف بعض ما تعرض له كريم أهل البيت الإمام الحسن من مظلومية وتشويه لسيرته ولدوره القيادي، وما يقوم به البعض من محاولات لجعل سيرة الإمام شماعة للمواقف الإنهزامية والإستسلامية والتقاعس عن نصرة الحق والعدالة من قبل المتخاذلين.

من أشهر الشخصيات والقيادات التي تعرضت للمظلومية وللتشويه من قبل الإعداء المناوئين، بل وكذلك من قبل بعض المحبين (بقلوبهم) بقصد أو من غير قصد، هي شخصية القائد الكبير الإمام الحسن المجتبى أبن الإمام علي ابن أبي طالب (ع)، الحفيد الأول وريحانة وسبط الرسول الأعظم محمد (ص). فالأعداء استخدموا كافة الأساليب للنيل من شخصية الإمام في حياته وبعد شهادته حيث تم ضرب نعشه بالسهام والنبال، ولغاية اليوم إذ يوجد من يحاربون إحياء ذكرى مناسبة مولده في النصف من شهر رمضان المبارك ومشاركة فرحة جده الرسول الأعظم (ص) بولادة أول حفيد له عبر إقامة مهرجان القرقيعان.

بالإضافة إلى وجود فئة انهزامية تدعي محبته ولكنهم خذلوه في المواقف الصعبة وتخلوا عن نصرته بل اعتدوا عليه ووصفوه بمذل المؤمنين ومنهم من لجأ الى المعسكر المعادي للإمام وشوه سمعته في حياته، وفي هذا الزمن هناك فئة تقوم بتشويه سيرة القائد الإمام الحسن عبر الترويج لخطاب (الانهزام والاستسلام وخدمة السلطات الظالمة) على أساس انه يمثل خطاب وسياسة ومنهج وسيرة الإمام الحسن، وهذا الكلام يعبر عن مواقف واجتهادات من يروج لها فقط لا علاقة لها بشخصية القائد الإمام المجتبى فهي غير صحيحة بل فيها تزييف للحقائق، أي هؤلاء يريدون تحويل الإمام إلى شماعة.

في البداية نريد التأكيد على حق أي شخص أو مجموعة أو تيار في تبني الخطاب والمواقف التي تناسبهم، ولكن ينبغي عدم الكذب والتزييف للحقائق، والترويج لما يؤمنون به على أساس انه ديني وربطه بالعقيدة وان مواقفهم تمثل الشرع أو شخصيات ورموز عظيمة، وذلك كي لا يتم الإساءة للدين وللرموز.

بعض أصحاب التوجهات التي تصنف بـ الإنبطاحية والإستسلامية للحكومات الظالمة يعملون بحسب مصالحهم على أساس ان السياسة فن وشطارة ودهاء ومصلحة (لا حسب القيم والمبادئ)، فهم يرفضون المطالبة بالإصلاح والحقوق والتظاهر والإحتجاجات بشكل سلمي ونصرة الحق والمظلومين، ويرفضون التضامن مع المعتقلين والشهداء المظلومين (..) ويبذلون جهودا لترويج أفكارهم بين أفراد المجتمع لنشر الروح الإنهزامية والتزام السكوت السلبي أمام ما يحدث من ظلم، بحجة أن ذلك مهادنة للسلطة وإنقاذ للأرواح. والمشكلة ان هؤلاء يزعمون ان تلك المواقف تمثل الشرع وسياسة الإمام الحسن (ع) مع البيت الأموي؛ وهذه هي المشكلة الكبرى!!.

من باب الحرية والتعددية لتلك الفئات حق تبني الموقف المناسب لهم (إنبطاح وإستسلام ودعم وتأييد ومدح للطغاة وللحكومات الظالمة والفاسدة أو غيرها..) ولكن ينبغي عدم زج الدين والرموز والقيادات مثل الأئمة عليهم السلام للترويج لأفكارهم ومواقفهم السياسية.

من المؤسف جدا أن يقوم البعض بتعليق المواقف الإنهزامية في التعامل مع الحكومات الظالمة (كالنظام التكفيري القاتل الذي يستغل الدين لمصالحه) على أساس انها من الشرع وتطابق سيرة الأئمة (ع) !!. والحقيقة ان تلك المواقف (الانهزام والذل والاستسلام والخضوع والتنازل) لا علاقة لها بشخصية الإمام القائد - (ولا تتناسب مع شخصية قيادية تتحلى بالحكمة والشجاعة والإباء والتضحية كشخصية الإمام الحسن "ع")، بل هي كذب وتزييف للحقائق وإساءة للائمة وللإمام الحسن المجتبى (ع) بالخصوص، ومحاولة للتهرب من تحمل المسؤولية من قبل هؤلاء الذين تشابه الحق عليهم أو من المتخاذلين.

المتخاذلون والانهزاميون يبررون أعمالهم المتخاذلة بالقول إن حياة الأئمة (ع) فيها تعدد أدوار، فمثلا دور الإمام الحسين كان ثوريا ومواجهة تتناسب مع مرحلة وظروف محددة، وهذه المرحلة التي تمر على البلاد والمنطقة حاليا لا تتناسب مع دور الإمام الحسين المواجهة أو الدعوة للإصلاح والإعلان عن رفض الظلم والفساد، وإن الأنسب هو دور الإمام الحسن، سياسة الإستسلام والتنازل عن الحق وعن نصرة المظلومين والإعتراف بالسلطة مهما كانت ظالمة فاسدة ومستبدة، بحجة العمل حسب سياسة الأمر الواقع، وهذا قول غريب !!.

ذلك القول فيه اشتباه في معرفة أدوار الأئمة، وقد تشابه الحق عليهم، وفيه تزييف للحقائق وظلم لشخصية الإمام الحسن المجتبى (ع)، ومن المخجل أن يقال ذلك من قبل بعض ادعياء مدرسة أهل البيت (ع)، والحقيقة رغم تعدد أدوار الأئمة (ع) إلا أن هناك وحدة في التمسك بالحق وعدم التنازل عنه وعن الحرية والكرامة، والإستعداد للتضحية لأجل إحقاق الحق وتحقيق الإصلاح، ورفض الظلم والظالمين والطغاة والقتلة، ولهذا تعرض الأئمة للقتل بالسيف أو السم ومنهم من قتلوا في سن الشباب كالإمام الجواد والعسكري في العشرينيات، والامام الحسن المجتبى والهادي في الأربعين، بالإضافة للسجن لسنوات طويلة والإقامة الإجبارية والتهجير لبلدان بعيدة.

الإمام الحسن وكذلك الحسين خطهما وهدفهما ومنهجهما واحد، لا فرق بينهما فطريق الحق والعدل واحد وواضح، وانما الظروف المحيطة وتعامل العدو هي التي فرضت طرق مختلفة في كيفية التطبيق، فالإمام الحسن ليس له خيار نتيجة الظروف المحيطة إلا القيام بثورة إصلاحية عبر إتفاقية صلح لكشف حقيقة السلطة الأموية وزيفها أمام الشارع المخدوع بها وبإعلامها وبناء الوعي الاجتماعي وإعادة الحق لأهله.

الإمام الحسين خرج لطلب الإصلاح لأمة جده، بعد فضح وتعرية النظام الأموي (من خلال الثورة الإصلاحية الحسنية) الذي لم يلتزم بإتفاقيته مع الإمام الحسن، ومع صعود حاكم ظالم فاسق قاتل اعلن محاربة الإمام الحسين ولو كان متعقلا باستار الكعبة، فما كان أمامه إلا إعلان الثورة وخوض معركة كربلاء الخلود. ولأنهما اي الحسن والحسين (ع) مع الإصلاح الجذري وبناء الإنسان وإعمار الأرض ورفض الظلم والفساد، فدفع الحسن ضريبة نشاطه ونضاله بالإغتيال وبضرب نعشه بالسهام ومنعه من الدفن بجوار جده رسول الله، والإمام الحسين ضرب بالاحجار والسهام وحز راسه وحطمت حوافر الخيول صدره وظل جثته ثلاثة أيام دون دفن !!.

وخطأ فادح ما يروج له البعض بترديد تلك الأفكار المغلوطة -لأجل مصالحهم وأهدافهم- بقولهم للناس: " على الجميع في هذه المرحلة الإستسلام والتنازل ومجاملة السلطة والسكوت عما تقوم به من جرائم واعتداءات وقتل..، فهذه سياسة الإمام الحسن (ع) " !!. وهذه جريمة وتشويه وتزييف للحقائق، لا تتناسب مع كل شخصية عادية تملك الحرية والعزة والكرامة، فكيف بشخصية قيادية كبرى كالإمام الحسن (ع)، والحقيقة ان هذه الأقوال التي تنشر الظلام والاحباط والاستسلام والتخاذل والذل والهوان تمثل من يقولها ويروج لها لتحقيق مصالحهم السياسية الخاصة.

إن الإمام الحسن (ع) كان هدفه الكرامة والعزة للعباد عبر تحقيق الإصلاح، وليس الإستسلام والتنازل كما يروج البعض، وقد لجأ إلى الصلح لتحقيق الإصلاح بعد مواجهات عسكرية، وبعد حدوث إنشقاق وفتنة في معسكره وشراء الذمم نتيجة غياب الوعي في الأمة.

إن إتفاقية الإمام الحسن الإصلاحية التي تعرف بالصلح، هي إتفاقية مكتوبة كبنود واضحة، ومحددة بزمن بوفاة الحاكم الأموي الذي وقع على الإتفاقية وليست مفتوحة، وملزمة من باب "المؤمنون عند شروطهم"، فيها الحكمة والإصلاح والحرية والكرامة والعزة، مكاسب مباشرة ومستقبلية منها:

1 / أن يكون الحكم للإمام الحسن أو الحسين (ع) بعد وفاة الحاكم الأموي.. ولا يحق له تنصيب غيرهما (محددة بتوقيت لإنتقال السلطة من السلطة الظالمة).

2 / منع السب والإساءة للإمام علي ومحبيه. (تحقيق الأمن والأمان لمحبيه).

3 / تخصيص مال لأتباع مدرسة أهل البيت من بيت المال (تحسين الوضع الإقتصادي لمؤيديه وانصاره).

4 / عدم مضايقة أتباع مدرسة أهل البيت في التعبد حسب عقيدتهم (ضمان الحرية والتعددية الفكرية والعقائدية)، وإعداد جيل واعي قادر على تحمل المسؤولية للقيام بالحركة الاصلاحية، وهو ما تحقق خلال ثورة الإمام الحسين (ع) في كربلاء.

وغير ذلك من بنود...

وللحديث تتمة...

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق