ترددت في صياغة ألفاظي.. قبل أن يأذن البيان لمدادي الوجل.. ليرتقي سدة السنا... ذاكراً نور الكوكب الهاشمي... مجلجلاً في ميادين الذكرى ألعطره ليطيب وقعاً على القلوب في خروجه من كهوف الصياغات البلاغية.....
يحلق روضاً قشيباً نازعاً آفاق الكلمات شذاً عنبرياً...... وحيث يسطر يراعي سفرَ خير الأنام في مولده الأغر... في ربيع الكرامات وغيض البحر الخضم...... وشمس الكمال في عليائها.. تمتص حشاشاتها لتفنيها هدياً على مسالك العابرين..... لدرب الرسالة المحمدية...... وهم على قلتهم كالأعمدة تنفرج فيما بينها قسمات الهياكل.......
وترسو على كواهلها أثقال المداميك..... لتومض من فوق مشارفها قبب المنائر... وأنهم في كل ذلك كالرواسي..... تتقبل هوج الأعاصير وزمجرة السحب لتعكسها من مصافيها على السفوح...... خيرات.. رقيقة.. رفيقة عذبة المدافق.
وفي ميلادك يا حبيبي أبا الزهراء..... وأنت تبرز في هالة الرسالة.. ونور النبوة.. اللتان فاضتا عليك انسجاماً واكتمالاً...... كما احتويتهما لوناً.. وإطارا... توفرت السانحة لتخلق في ليل كالح طال دجاه..... على دهر من دهور.... بني ادم فيه من الجهل والحيف ما يضم.. ويذل... رجلاً تزاخرت فيه وفرة كريمة من المواهب والمزايا...... لا يمكن ان يستوعبها إنسان دون أن تقذف به إلى مصاف العباقرة....
وهكذا الدخول إلى هذه الشخصية.. ليس اقل من حرمة الولوج إلى محراب النور..... وكيف استطيع أن أصيغ الحروف والكلمات لذكرى مولدك يا سيد الكائنات...... وتصوير مشهد المعالي التي ساومت خطابها.. لأن التصوير يهون عليه أن يلتقط بالأشكال والإعراض..... في حين يدق عليه أن يتقصى ما خلف الإعراض من معان.. وألوان... ومحمد بن عبد الله (ص) عصي على الحرف بتصويره.. بقدر ما هو عصي عليه بمعانيه.. فهو لم يأت دنياه بمثل ما يأتيها الناس... زرافات ووحدانا...
يأتي الناس دنياهم يقضون فيها لبانات العيش.... ثم أنهم بحكم المقدر.. يرتحلون... لا تغمرهم بعد آجالهم إلا موجة النسيان.... أما نبي الرحمة المصطفى (ص) فقد أتى دنياه وكأنه اتى بها.. ولما أتت عليه... اتى دنياه ليقتلع حصون الجهل والأمية والخرافة... برمتها... إذ تتعاصف لياليها على عقل الإنسان..
وهكذا ونحن في ذكرى مولدك الزاهر..... نقول انه من باب الفضاضة أن نربط عبقريتك سيدي بخيوط الأحداث التي بعثرتها حولك ظروف كئيبة...... كما تبعثر الريح في الجو بعض الغيوم التي لا يمكنها بحال من الأحوال أن تطفئ شمس الالق الإلهي...... الذي اشرف على شواطئ مجرتنا الفلكية... حيث جمعت مجد العلى... وشوط الفخار.. وسمو المكانة... مكانةٌ سبقت أبراج السموات ومسارات الارضين...
ميلادك يا رسول الله (ص)... مجد... علا نجوم السماء... وساد آفاق الفضائل... وكنانة العلياء... ومجامع البلغاء... وأنت دنيا من المثل الجليلة التقت أطرافها حلقاً من حولك محدقة بك... وضمامة الخلق العظيم تعبق طيباً مع طلاقة الوجه... وبشاشة الثغر... وقلب يفيض من الحنان عواطفاً ترقرقت من مناهلها.. وتواضع من خشية ربك العلي القدير..... حتى تكاد تصعق من تضرعك لخالقك العظيم..
وها أنذا اليوم سيدي يا رسول الله.. ونفسي كالأفق الرحيب وأنت شفق يشع ويشرق في صفحاتها...... وقلبي مرآة.... وأنت صورة وروضة غناء معشوشبة.. وجدول زاه على شطآنه... طغت خواطره زورقاً يشق دروب الأمل... طوفي أيتها الكلمات على دنيا الخلود.. وسامري روحاً تقمصت الفضيلة... والنهى... والتقى... القداسة.... والوفاء..
رفرفي أيتها الحروف.. كما ترفرف عواطف يراعي.... على ظلال ذكرى الميلاد الانور.. في رياض الآمال ومواطن الرجاء.. ردد أيها القلم مع مدادك الوجل..... ترانيم المفاخر.. ومآثر المكارم.. في ساحات المحامد... والعلا.... متسلقاً على الأسوار.. لتسطر بين حناياي اضلعاً تحيط قلبي الذي يخفق طربا.. جذلاً بميلاد سيد المرسلين......
فعذراً يا رسول الله.. يا سلطان البيان... فهذا من بعض وفائي.....
اضف تعليق