نحن اليوم، في عامنا، نعيش في عالمٍ يموج بالأزمات، حيث تتداخل المفاهيم، وتضيع المبادئ بين المصالح والتجاذبات السياسية والاجتماعية. لكن رغم كل شيء، لا يزال صوت الامام الحسين (ع) يدوّي في ضمائر الأحرار، ولا تزال راية الامام العباس (ع) ترفرف في وجدان الأوفياء، ولا تزال أدعية الامام زين العابدين (ع)...
في دورة الزمن، هناك أشهر تمرّ كالعابرين في الطرقات، وأخرى تبقى شاهدة على نور لا يخبو. من بين هذه الأشهر، يتلألأ شعبان بضيائه السماوي، حيث تتجلّى فيه ومضات الولادة المباركة، مولد رجالٍ لم يكونوا مجرد أسماء في صفحات التاريخ، بل كانوا مشاعل أضاءت الدروب المعتمة، وشهداء على أن العظمة ليست مجرد فكرة، بل موقف ورسالة.
هنا، في هذا الشهر المبارك، ولد الامام الحسين بن علي (عليه السلام)، شهيد المبادئ ورمز الثورة الخالدة، وولد الامام العباس بن علي (عليه السلام)، تجسيد الوفاء والإيثار، وولد الامام زين العابدين (عليه السلام)، مدرسة الصبر والدعاء. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هؤلاء الأئمة العظام مجرد شخصيات تاريخية نحفظ سيرتهم، أم أن لنا في حياتهم بصمة يجب أن تترك أثرًا في واقعنا اليوم، حيث يعيش العالم أزمات متلاحقة في القيم والمبادئ؟
الامام الحسين (عليه السلام).. ثورة تمتد عبر الأزمان
حين ولد الامام الحسين (عليه السلام)، لم يكن مجرد طفل في بيت النبوة، بل كان أملاً جديدًا للعالم. حمله النبي محمد (صلى الله عليه وال وسلم) بين ذراعيه، وقبّله بحبٍ لم يكن عاديًا، وكأنه كان يرى فيه المستقبل، يرى الدم الذي سيروي شجرة العدل، يرى التضحية التي ستنقذ رسالة الإسلام من التحريف والطمس.
واليوم، في عالمنا الذي تعصف به التحديات، هل نستلهم من الامام الحسين (عليه السلام) معنى الوقوف بوجه الظلم؟ هل نتحلى بالشجاعة لمواجهة الباطل، أم أننا نستسلم للظروف ونغضّ الطرف عن الحق خوفًا من العواقب؟
الامام العباس (عليه السلام).. راية الوفاء التي لا تسقط
الامام العباس (عليه السلام)، ذلك الفارس الذي لم يكن مجرد أخ للإمام الحسين (عليه السلام)، بل كان ظله، قلبه النابض، ودرعه الحامي. لم يكن العباس رجلًا يبحث عن النصر لنفسه، بل كان يبحث عن النصر لأخيه، عن الوفاء لقضيته، عن التضحية لأجل الآخرين.
في زمننا، أين نحن من الإيثار والوفاء؟ كم مرة نرى من يضحّي بمبادئه لأجل مصالحه؟ وكم نرى من يبيع إخلاصه من أجل مكاسب زائلة؟ لو كان العباس بيننا اليوم، هل كان سيرى فينا امتدادًا لرايته، أم أنه كان سيبحث عن أبطالٍ آخرين يحملون راية الوفاء في زمن الماديات؟
الامام زين العابدين (عليه السلام).. الصبر والدعاء سلاح الناجين
بعد أن خمدت نيران كربلاء، وبعد أن صارخ السيوف قد تلاشى، بقي الامام زين العابدين (عليه السلام) وحيدًا، مقيدًا، لكنه لم يكن أسيرًا. كانت قوته في كلماته، في دعائه، في رسالته التي نقلت مبادئ الثورة من السيف إلى اللسان، ومن الدماء إلى القلوب.
في عالمنا اليوم، حيث أصبح التسرع والانفعال سيد الموقف، وحيث الناس تبتعد عن التأمل في المعاني العميقة للحياة، هل يمكننا أن نتعلم من الامام زين العابدين (عليه السلام) فن الصبر؟ هل يمكننا أن نجد في أدعيته مخرجًا من أزماتنا النفسية والاجتماعية، بدلاً من الغرق في دوامة القلق والتوتر؟
بين الماضي والحاضر.. هل نستجيب للنداء؟
إنَّ شهر شعبان ليس مجرد صفحة في التقويم، بل هو مرآة تعكس لنا أنفسنا، لنرى إن كنا نسير في طريق الحق أم أننا نسينا الدروس العظيمة التي خطّها الأئمة بدمائهم وصبرهم.
نحن اليوم، في عامنا، نعيش في عالمٍ يموج بالأزمات، حيث تتداخل المفاهيم، وتضيع المبادئ بين المصالح والتجاذبات السياسية والاجتماعية. لكن رغم كل شيء، لا يزال صوت الامام الحسين (عليه السلام) يدوّي في ضمائر الأحرار، ولا تزال راية الامام العباس (عليه السلام) ترفرف في وجدان الأوفياء، ولا تزال أدعية الامام زين العابدين (عليه السلام) تنبض بالحياة في قلوب الباحثين عن الطمأنينة.
فهل نكتفي بأن نكون مجرد قرّاء لسيرهم، أم أننا مستعدون لنحمل رسالتهم في حياتنا، ونكون امتدادًا لخطهم في هذا الزمن؟
اضف تعليق