من خلال حياته القصيرة، قدم الإمام الجواد العديد من الدروس القيمة التي تعلمنا كيفية الثقة بالله والتوكل عليه، واستطاع أن يكون مثالا حيا في التوكل على الله رغم المحن والصعوبات التي مر بها خلال حياته، فكان يحث الناس على معرفة الله والإيمان به والتوكل عليه فكانت دروسه تحمل...

التوكل على الله هو مفهوم أساسي في الإسلام، يحمل معاني عميقة للثقة الكاملة بقدرة وإرادة الله عز وجل، فيعتبر التوكل أحد السمات الأساسية للمؤمنين، حيث يؤمنون بأن الله هو المدبر لشؤونهم (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ)(1)، ويعتمدون عليه في جميع أمور حياتهم (وَكَفَى بِاللَّـهِ وَكِيلًا)(2)، فيعتبرون أن كل ما يحدث في حياتهم هو بمشيئة الله عزوجل (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرا)(3)، وله حكمته الخاصة في ذلك الحدث، اذ تعتبر الثقة بالله والتوكل عليه طريقا للسعادة والسلام الداخلي، فهي مفتاح للتغلب على الصعوبات والتحديات التي قد تواجه الإنسان في حياته كما جاء في حديث الإمام الجواد عليه السلام قال فيه: (مَنْ وَثِقَ بِاللَّهِ أَرَاهُ السُّرُورَ وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ الْأُمُورَ وَالثِّقَةُ بِاللَّهِ حِصْنٌ لَا يَتَحَصَّنُ فِيهِ إِلَّا مُؤْمِنٌ أَمِينٌ وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ نَجَاةٌ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَحِرْزٌ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ)(4).

إن فضل التوكل على الله يتجلى في السرور الذي يشعر به المؤمن الذي يثق بالله ويعتمد عليه في جميع أموره (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(5)، وهذا التوكل يكمن أن يكون حصنا قويا يحمي المؤمن من تداعيات الحياة ومن مؤامرات الأعداء، فإذا كان التوكل على الله هو الحصن فإن الثقة بالله هي الحصن الذي لا يمكن اختراقه.

ان التوكل على الله لا يقتصر فقط على الجانب النفسي، بل له تأثير إيجابي على الجوانب الاجتماعية والعملية في حياة الفرد، فعندما يعيش الشخص بروح من التوكل على الله، يصبح أكثر قدرة على التعامل مع التحديات والصعوبات بثقة وصبر، مما يوفر له القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في الظروف الصعبة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتوكل أن يقوي العلاقة بين الإنسان وربه ويعزز الشعور بالارتباط الروحي، وقد يمنح الإنسان القوة والصبر لمواجهة الصعوبات بكل ثقة ويقين بأن الله سيكون معه وسيوفر له الدعم اللازم كما جاء في قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)(6).

من خلال حياته القصيرة، قام الإمام الجواد (عليه السلام) بتقديم العديد من الدروس القيمة التي تعلمنا كيفية الثقة بالله والتوكل عليه، واستطاع الإمام الجواد عليه السلام أن يكون مثالا حيا في التوكل على الله رغم المحن والصعوبات التي مر بها خلال حياته، فكان يحث الناس على معرفة الله والإيمان به والتوكل عليه فكانت دروسه تحمل الكثير من العلم والمعرفة التي تنير الطريق للمؤمنين وغيرهم، ففي حديث الامام الجواد عليه السلام: (وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ الْأُمُورَ)(7) يبين لنا اهمية التوكل على الله ولكن قبل هذا يرشدنا الى عدة امور منها:

المعرفة 

يبين لنا الإمام الجواد (عليه السلام) ان معرفة الله هي من أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان، وهي من شروط العبادة الحقيقية كما جاء عن آبائه وأجداده الكرام، فروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكرُهُ ما خَلَقَ العِبادَ إلّا لِيَعرِفوهُ)(8)، فمن هنا نجد أن العبادة دون معرفة قد تكون مجرد روتين يتبعه الإنسان دون أن يدرك الهدف الحقيقي منه، لذا يجب أن تكون المعرفة بالله وبمفاهيم الإيمان والتوحيد هي القاعدة التي ينبغي للإنسان أن يبني عليها عبادته، وإذا لم تقترن العبادة بالمعرفة، فقد يخرج الإنسان عن سبل الصواب ويجد نفسه ضالا في دينه، فمن الضروري أن يسعى الإنسان للتعرف على الله من خلال دراسة القرآن والسنة النبوية واحاديث اهل البيت عليهم السلام، لكي يصبح الإنسان قادرا على مواجهة التحديات بثقة وصبر، ويجد السكينة الداخلية في ظل الاعتماد على قوة الله، ومع توجيهات الإمام الجواد عليه السلام، يمكن للإنسان أن ينمي عبادته بمعرفة تامة وصحيحة من دون اي اشكالات او شبهات تؤثر عليها.

حسن الظن بالله 

حسن الظن بالله إن البلايا والمحن في هذه الدنيا ليست إلا اختبارات لقوة إيمان المؤمن وصبره، فلا ينبغي له ان ييأس من روح الله ابدا، ولو اطلعنا على حياة الإمام الجواد عليه السلام وتعاليمه لنجدة من الداعين لحسن الظن بالله في كل الظروف، فكان يحث المؤمنين على الثقة بالله والتوكل عليه، وان لا يفقدوا الامل في الله ابدا مهما كانت الظروف، بل يجب أن تكون لديهم الثقة الكاملة في الله ورحمته، وان يتذكروا بان الله عز وجل معهم في كل الأوقات والمحن (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)(9)، فكان الإمام الجواد عليه السلام يشجع المؤمنين على الثبات وعدم الانحناء أمام الصعاب، ويبين لهم ان الله عند ظن عبده إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا وذلك لقوله عز وجل: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ)(10)

الرضا بقضاء اللّه وقدره 

إضافة إلى معرفة الله وحسن الظن به أوصى الإمام الجواد عليه السلام بالاستسلام لإرادة الله عز وجل والرضا بقضائه، وأن كل ما يحدث للإنسان هو بمشيئته، روي عن آبائه عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ، إِنِّي إِنَّمَا أَبْتَلِيهِ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَ أَزْوِي عَنْهُ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَ أُعْطِيهِ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَ أَنَا أَعْلَمُ بِمَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ حَالُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ، فَلْيَرْضَ بِقَضَائِي، وَ لْيَشْكُرْ نَعْمَائِي، وَ لْيَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي، أَكْتُبْهُ فِي الصِّدِّيقِينَ إِذَا عَمِلَ بِرِضَايَ، وَ أَطَاعَ لِأَمْرِي)(11)

فالاستسلام لإرادة الله يعني قبول ما يحدث في الحياة بصدر رحب والثقة بأن كل ما يحدث للفرد توجد حكمة وراءه، حتى لو كانت الأمور تبدو صعبة أو غير مفهومة وعلينا أن نثق أن كل ما يحدث لنا هو في صالحنا سواء فهمنا ذلك في الوقت الحاضر أم لا، وعلى الرغم من أن الصعوبات قد تكون موجودة والتحديات قد تكون صعبة، إلا أن الثقة في الله والرضا بقضائه يمكن أن يمنحنا القوة اللازمة للتغلب على هذه الصعوبات. 

ويجب أن نتذكر أن القضاء الإلهي هو جزء لا يتجزأ من إيماننا كمسلمين، ومن الضروري أن نقبل القضاء الإلهي مهما كانت نتائجه، حيث يعتبر ذلك جزءا من اختبارنا في هذه الحياة الدنيا، وقد لا نفهم حكمة وراء ما يحدث، ولكن يجب أن نثق بأن الله يعلم ما هو أفضل بالنسبة لنا، ان القضاء الإلهي يعلمنا أيضا كيف نكون صبورين ونثق بالله في كل الظروف (وليصبر على بلائي) فإن هذا فيه الخير كله، كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (عَجِبْتُ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لَا يَقْضِي اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَه قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْراً لَه وإِنْ قُرِّضَ بِالْمَقَارِيضِ كَانَ خَيْراً لَه وإِنْ مَلَكَ مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبَهَا كَانَ خَيْراً لَه)(12).

الانقطاع إلى الله دون غيره

روي عن الإمام الجواد عليه السلام أنه قال: (مَنِ انقَطَعَ إلى غَيرِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إلَيهِ)(13)، في هذا الحديث العميق يرشدنا الإمام الجواد عليه السلام على أهمية الانقطاع الى الله دون غيره فالانقطاع إليه يعطينا القوة والصبر لمواجهة التحديات والصعوبات في هذه الحياة، وان نلجئ اليه في جميع الأوقات والظروف بثقة تامة في قدرته على مساعدتنا فهو القادر على توفير الحلول وتخفيف الأعباء التي نحملها فروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ في بعض الكتب: (أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَمَجْدِي وَارْتِفَاعِي عَلَى عَرْشِي لَأَقْطَعَنَّ أَمَلَ كُلِّ مُؤَمِّلِ [مِنَ النَّاسِ] غَيْرِي بِالْيَأْسِ وَلَأَكْسُوَنَّهُ ثَوْبَ الْمَذَلَّةِ عِنْدَ النَّاسِ وَلَأُنَحِّيَنَّهُ مِنْ قُرْبِي وَلَأُبَعِّدَنَّهُ مِنْ فَضْلِي أَيُؤَمِّلُ غَيْرِي فِي الشَّدَائِدِ وَالشَّدَائِدُ بِيَدِي وَيَرْجُو غَيْرِي وَيَقْرَعُ بِالْفِكْرِ بَابَ غَيْرِي وَبِيَدِي مَفَاتِيحُ الْأَبْوَابِ وَهِيَ مُغْلَقَةٌ وَبَابِي مَفْتُوحٌ لِمَنْ دَعَانِي فَمَنْ ذَا الَّذِي أَمَّلَنِي لِنَوَائِبِهِ فَقَطَعْتُهُ دُونَهَا وَمَنْ ذَا الَّذِي رَجَانِي لِعَظِيمَةٍ فَقَطَعْتُ رَجَاءَهُ مِنِّي جَعَلْتُ آمَالَ عِبَادِي عِنْدِي مَحْفُوظَةً فَلَمْ يَرْضَوْا بِحِفْظِي وَمَلَأْتُ سَمَاوَاتِي مِمَّنْ لَا يَمَلُّ مِنْ تَسْبِيحِي وَأَمَرْتُهُمْ أَنْ لَا يُغْلِقُوا الْأَبْوَابَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِبَادِي فَلَمْ يَثِقُوا بِقَوْلِي أَلَمْ يَعْلَمَ [أَنَّ] مَنْ طَرَقَتْهُ نَائِبَةٌ مِنْ نَوَائِبِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَشْفَهَا أَحَدٌ غَيْرِي إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِي - فَمَا لِي أَرَاهُ لَاهِياً عَنِّي أَعْطَيْتُهُ بِجُودِي مَا لَمْ يَسْأَلْنِي ثُمَّ انْتَزَعْتُهُ عَنْهُ فَلَمْ يَسْأَلْنِي رَدَّهُ وَسَأَلَ غَيْرِي أَفَيَرَانِي أَبْدَأُ بِالْعَطَاءِ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ أُسْأَلُ فَلَا أُجِيبُ سَائِلِي أَبَخِيلٌ أَنَا فَيُبَخِّلُنِي عَبْدِي أَوَلَيْسَ الْجُودُ وَالْكَرَمُ لِي أَوَلَيْسَ الْعَفْوُ وَالرَّحْمَةُ بِيَدِي أَوَلَيْسَ أَنَا مَحَلَّ الْآمَالِ فَمَنْ يَقْطَعُهَا دُونِي أَفَلَا يَخْشَى الْمُؤَمِّلُونَ أَنْ يُؤَمِّلُوا غَيْرِي فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ سَمَاوَاتِي وَأَهْلَ أَرْضِي أَمَّلُوا جَمِيعاً ثُمَّ أَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ مَا أَمَّلَ الْجَمِيعُ مَا انْتَقَصَ مِنْ مُلْكِي مِثْلَ عُضْوِ ذَرَّةٍ وَكَيْفَ يَنْقُصُ مُلْكٌ أَنَا قَيِّمُهُ فَيَا بُؤْساً لِلْقَانِطِينَ مِنْ رَحْمَتِي وَيَا بُؤْساً لِمَنْ عَصَانِي وَلَمْ يُرَاقِبْنِي)(14)، ففي هذه الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، والتي ترشدنا الى الانقطاع التام لله تعالى دون غيره، وتبين لنا كرمه و رحمته وعطاءه دون سؤال الاخرين اليه، وهذا بمثابة تذكير قوي بأهمية التوجه مباشرة إلى الله لجميع احتياجاتنا وعدم طرق أبواب الآخرين دون بابه، بالإضافة إلى ذلك، يحذروننا من اليأس من رحمة او معصيته.

الدعاء والطلب من الله

يرشدنا الامام الجواد عليه السلام ان ندعو لله بصدق وإخلاص، وأن نثق بأن الله سيستجيب لدعائنا بالطريقة التي يرى فيها مصلحتنا، وأن نركز في دعائنا على طلب الهداية والتوفيق في كل الأمور، وأن نطلب من الله قبول الدعاء وتعجيل الإجابة فروي في مناجاته بطلب الحاجة ما نصه: (جَديرٌ اللَّهُمَّ مَنْ أمَرْتَهُ بِالدُّعَاءِ أنْ يَدْعُوكَ، وَمَنْ وَعَدْتَهُ بِالاسْتِجابَةِ أَنْ يَرْجُوكَ، وَلِيَ اللَّهُمَّ حاجَةٌ قَدْ عَجَزَتْ عَنْها حِيلتي، وَكَلَتْ عَنْها طَاقَتي، وَضَعُفَتْ فِي مَرامِهَا قُدْرَتِي، وَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِيَ الأمَّارَةُ بِالسُّوءِ، وَعَدُوِّيَ الغَرُورُ الَّذي أَنَا بِهِ مَبْلُوٌّ، أنْ أرْغَبَ فِيها إلَى ضَعيفٍ مِثْلِي، وَمَنْ هُوَ فِي التَّوَكُّلِ شِكْلِي، حَتَّى تَدَارَكَتْني رَحْمَتُكَ، وَنادَتْني بِالتَّوفِيقِ رَأفَتُكَ، وَرَدَدْتُ عَلَيَّ عَقْلِي بِتَطَوُّلِكَ وَألْهَمْتَنِي رُشدِي بِتَفَضُّلِكَ، فَأَحْيَيْتُ بِالرَّجَاءِ لَكَ قَلْبِي، وَأَزَلْتَ خُدْعَةَ عَدُوِّي عَنْ لُبِّي، وَوَضَحْتَ فِي التْأمِيلِ فِكْرِي، وَشَرَحْتَ بِالرَّجاءِ لِاسْتِماعِكَ صَدْرِي، وَصَيَّرْتَ لِيَ الْفَوْزَ بِبُلُوغِ مَا رَجَوْتُ، وَالوُصُولِ إِلَى مَا أَمَّلْتُ، وَوَقَفْتُ اللَّهُمَّ بَينَ يَدَيكَ سائِلًا لَكَ ضَارِعاً إِلَيْكَ، واثِقاً بِكَ مُتَوَكِّلًا عَلَيْكَ فِي قَضاءِ حَاجَتِي، وَتَحقيقِ امنِيَّتي، وَتَصديقِ رَغْبَتي، فَأَعِذْنِي اللَّهُمَّ بِكَرَمِكَ مِنَ الخَيبَةِ وَالقُنُوطِ وَالرَّيبَةِ، وَالتَّثَبُّطِ بِهَنِيءِ إجابَتِكَ وَسانِحِ مَوهِبَتِكَ إنَّكَ وَلِيٌّ بِالمَنَائِحِ الجَزيلَةِ مَلِيٌّ، وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ)(15).

بعد التأمل في هذا المناجاة الجميلة والمؤثرة، ندرك أهمية التوجه إلى الله بصدق وإخلاص، والثقة الكاملة في قدرة على الاستجابة لدعائنا بفضله، وان الله قادر على قضاء حوائجنا وتيسير أمورنا، لذا يجب أن نتذكر أن الدعاء هو وسيلتنا لتواصلنا مع الله وطلب مساعدته ورحمته، معتمدين على وعوده بالاستجابة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(16)، فيجب علينا الاستمرار في التضرع إلى الله تعالى بكل صدق وإخلاص، وأن نتذكر أن الدعاء يمكن أن يغير القدر ويبدل المصائر، وهو سلاح المؤمن كما جاء عن الامام الرضا عليه السلام (عَلَيْكُمْ بِسِلَاحِ الأَنْبِيَاءِ. فَقِيلَ ومَا سِلَاحُ الأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: الدُّعَاءُ)(17)، لذا فلنستمر في الدعاء، ولنثق بأنه سيستجيب لنا في الوقت المناسب والطريقة المناسبة التي فيها مصلحتنا.

بعد تحقيق المعرفة بالله تعالى وتعزيز الثقة به والانقطاع إليه دون غيره، تصبح الخطوة التالية هي تطبيق التوكل والاعتماد عليه في جميع الأمور، ويجب أن نكون واثقين بأن الله سبحانه وتعالى يراقبنا ويرعانا، وأنه سيمنحنا القدرة والقوة لمواجهة التحديات وتحقيق النجاح في كل جانب من جوانب الحباة، ومع ذلك، يجب علينا أيضا أن نكون على استعداد لاتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجد لتحقيق أهدافنا، فالتوكل على الله لا يعني الاستسلام والتراخي، بل يعني أن نبذل قصارى جهدنا مع الاعتماد على دعم الله وتوجيهه كما جاء عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ (قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّه عليه السلام مَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَقْبَلَ عَلَى الْعِبَادَةِ وتَرَكَ التِّجَارَةَ فَقَالَ وَيْحَه أمَا عَلِمَ أَنَّ تَارِكَ الطَّلَبِ لَا يُسْتَجَابُ لَه - إِنَّ قَوْماً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه واله لَمَّا نَزَلَتْ * (ومَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَه مَخْرَجاً ويَرْزُقْه مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) أَغْلَقُوا الأَبْوَابَ وأَقْبَلُوا عَلَى الْعِبَادَةِ وقَالُوا قَدْ كُفِينَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ص فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى مَا صَنَعْتُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه تُكُفِّلَ لَنَا بِأَرْزَاقِنَا فَأَقْبَلْنَا عَلَى الْعِبَادَةِ فَقَالَ إِنَّه مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُسْتَجَبْ لَه عَلَيْكُمْ بِالطَّلَبِ) (18)، وهكذا نجد أن الثقة بالله والتوكل عليه لا تعني التوقف عن العمل، بل تعني أن نبذل قصارى جهدنا ونعمل بجدية لتحقيق الأهداف التي نطمح إليها، مع الاعتماد الكامل على الله في توجيهنا ومساعدتنا، وهذا فيض بسيط من تعاليم الامام الجواد عليه السلام في الثقة بالله والتوكل عليه اسال من الله ان يوفقنا الى طاعته ويجعلنا واياكم من السائرين على نهج الامام الجواد عليه السلام.

.........................................

1. القرآن الكريم - سورة يونس - الآية 31

2. القرآن الكريم - سورة الأحزاب - الآية 3

3. القرآن الكريم - سورة الفرقان- الآية 2

4. كشف الغمة في معرفة الأئمة - ج2 - ص 346

5. القرآن الكريم - سورة التوبة - الآية 51

6. القرآن الكريم - سورة الطلاق - الآية 3

7. كشف الغمة في معرفة الأئمة - ج2 - ص 346

8. علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 9

9. القرآن الكريم - سورة البقرة - الآية 186

10. القرآن الكريم - سورة فصلت - الآية 23

11. كتاب التمحيص - محمد بن همام الإسكافي - ص 55

12. وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 3- ص 250

13. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 75 - ص 364

14. منية المريد - الشهيد الثاني - الصفحة 161

15. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 91 - ص 120

16. القرآن الكريم - سورة غافر - الآية 60

17. ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - ص 869 

18. من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 3 - الصفحة 192.

اضف تعليق