هذه الرسالة عظيمة في عملية الوصول إلى الحياة الناجية، وأنا أذكر ذلك لأن الإمام (ع) ذكر ذلك في الرسالة وأسماها بـ (العصابة الناجية)، فالنجاة مهمة في حياة الإنسان، ونحن نطلب النجاة في الدنيا والآخرة، أما إذا بقينا نعيش حالة الغرق والجهل والخوف والقلق، فسوف تكون حياتنا تعيسة وبائسة...
نعيش هذه الأيام ذكرى ولادة الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، ونريد أن نستثمر هذه الذكرى لمناقشة المنهج القيّم لهذا الإمام العظيم، لاسيما أنه (عليه السلام) أحدث تحوّلا كبيرا في مسيرة البشرية.
هناك في تاريخ البشرية تحوّلات خاصة، أدت إلى انتقال البشرية من الماضي إلى المستقبل في تحوّل كبير وجذري، فالعلوم التي وصلت الى العصر الحديث كانت بسبب جامعة الإمام الصادق (عليه السلام)، فقد مثلت الحركة العلمية التي قادها (عليه السلام) ثورة في العلم، سواء في العلوم الدينية، أو العلوم الطبيعية، أو العلوم الإنسانية.
ونحن بالأخص نحتاج إلى أن نقرأ تراث الإمام الصادق (عليه السلام) قراءة عميقة، حتى نستلهم التغيير والتحوّل في حياتنا، فنحن حتى الآن لم نستفد بشكل كافٍ من هذا التراث العظيم، وكثير من تراثه مجهول بالنسبة إلينا، فكيف بالعالم وبالبشرية التي لم يصل إليها هذا التراث بالشكل المطلوب.
خارطة طريق متكاملة للتغيير
من الرسائل المهمة والقيّمة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) التي وجّهوها إلى الشيعة على وجه الخصوص وإلى العالم الإسلامي والإنساني عموما، هي رسالة الإمام السادس جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) الى اصحابه، وقد جمع بين طياتها مكارم الأخلاق ومحامد الأفعال إلى جنب المعارف والقيم السامية لتكون دستورا يسير عليه المسلم في جميع حركاته وسكناته.
إن الإمام الصادق (عليه السلام) في رسالته العظيمة وضع لنا فيها خارطة طريق كاملة للتغيير، ووضع اللبنة الأساسية والمحور الأساسي في عملية التحول والتطور والتقدم في الجانب العلمي والمعرفي، لأن المعرفة هي أساس كل الحلول، والجهل هو المسبب لكل المشاكل والأزمات.
فرسالته (عليه السلام) هي خارطة طريق من أجل التطور والتقدم، لاسيما قضية النضج، فنحن والعالم كلّه يعيش حالة من التهوّر الانفعالي والسلوك غير اللائق بالإنسان، كإنسان عاقل له إرادة ويمتلك فكرا وله قدرة على اصلاح وتطوير نفسه، وأن يكون متميزا عن باقي المخلوقات، ولكن البعض من الناس غير ناضج، ويعيش حالة البهيمية والتوحش والجهل والتخلف فلم يصل إلى مرحلة النضج.
العالم يعيش حالة من التهور
البعض يتساءل ما هو الحل لهذه المعضلة البشرية، الحل هو في النضج بمختلف أشكاله، والحل لأزماتنا يكمن في هذه الرسالة الاجتماعية، بالطبع أن تراث أهل البيت (عليهم السلام) كله يقدم الحلول للبشرية، فلو قرأنا تراث أهل البيت بدءً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) لوجدنا الحلول التي تعالج مشاكلنا. لكن الجهل وعدم استثمار هذا التراث يؤدي الى التخلف والأزمات.
النضج هو القدرة على التطور العقلي والفكري والعلمي والنفسي للإنسان، وأن لا يكون منفعلا أو متوترا، ولا تكون له ردود انفعالية وأن لا يعيش القلق والخوف، والتصادم والنزاع مع الآخرين، فعندما ننظر لهذا العالم الذي يعيش النزاعات، سنجده عالما متخما بالمشكلات التي يسببها التصادم مع الآخرين، والعنف والنزاع معهم.
متطلبات البناء الكامل للأمة
معظم ما جاء في رسالة الإمام الصادق (عليه السلام) يؤكد على البناء الكامل للأمة من خلال نضوج الأفعال العقلانية، وعدم التصادم مع الآخرين، وقد جاء في الآية القرآنية: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، آل عمران 110.
خير أمة تعني الأمة الأفضل، من جانب النضج والتقدم العقلي والتفكير والفهم، بهذه الطريقة تصبح الأمة خير الأمم، لأن الإنسان الناضج يتفوق دائما على الإنسان المنفعل أو غير الناضج.
لقد تركنا الجانب العلمي والتعقلي والتفكيري والتدريسي، فالإنسان لا يمكنه أن يمتلك العلوم بشكل مباشر في نفسه، وإنما هي ممارسة مستمرة تتناقلها الأجيال حتى يتطور الإنسان، علميا وفكريا ويفهم ماذا يريد في الحياة، وكيف يصل إلى المطلوب.
فعندما يكون الإنسان جاهلا سوف يختار العلوم غير المفيدة، لذلك يتوه ويضل وينحرف، فيهيمن عليه الظلام، وبعضهم يعتقد أننا نعيش في ظلام، وما وراءنا ظلام، لكن هذا الاعتقاد ضلال وانحراف لأن الحياة فيها الكثير من الفرص الجميلة والرائعة.
أهل البيت (ع) طريقنا للنجاة
وعندما يقول الله سبحانه وتعالى (إهدِنا الصراط المستقيم) فإنه بمعنى الطريق المعبَّد الذي يستطيع الإنسان من خلاله أن يصل إلى الهدف والنتيجة والغاية الواقعية، ولكن لابد أن يسلك الطريق المستقيم، وهو الطريق الذي وضعه أهل البيت (عليهم السلام).
إن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) معصومون وطاعتنا لهم واجبة، لذلك هم طريقنا للنجاة، ورسالة الامام الصادق (عليه السلام) الى اصحابه، رسالة تمكين الفرد والمجتمع والأمة لبناء نهج ومنظومة كاملة تصل به إلى التقدم، كالمهندس الذي يشرف على بناء عمارة، فهذا المهندس يمتلك كل الأسس والقواعد اللازمة للفهم الهندسي من حيث تشييد الأعمدة والزوايا والمثلثات حتى يستطيع أن يبني البناية من خلال القواعد الهندسية التي يمتلكها.
إذا اختلت قاعدة واحدة من قواعد هندسة البناء، فإن البناء سوف يكون منحرفا وآيلا للسقوط في أية لحظة، ثم يسقط بالفعل، فخريطة الحياة فيها أبعاد تقوم على التوازن والنظام، لذلك يحتاج الإنسان أن يفهم هذه الأبعاد حتى يعرف أبواب النجاح والتقدم والسعادة في الحياة، كل شيء له باب لذلك نحتاج إلى المفاتيح التي تفتح هذه الأبواب.
لذلك فإن هذه الرسالة هي خارطة طريق متكامل للحياة الناجية من المخاطر والانحرافات والأزمات، فنحن نشعر بأن المستقبل أمامنا خطِر، والإنسان إذا لم يرَ الشيء معلوما أمامه، فإنه يراه مجهولا، وكل مجهول يشكل خطرا على الإنسان، فيضعه في قلق وخوف دائم، وشك وسوء ظن بالآخرين، ويشعر باليأس من الحياة.
بينما حين يكون الطريق أمامه واضحا، وهناك نور يضيء الدرب له، فيشعر بالاطمئنان والهدوء والسكينة.
مدخلات رسالة الامام الصادق (ع)
إن الإمام الصادق (عليه السلام) أمر شيعته بدراسة هذه الرسالة والنظر فيها، والتعاهد على دراستها والعمل بها، فهناك مدخلات نستخرجها من هذه الرسالة، وهذه المدخلات التي تؤكد عليها الرسالة هي كالتالي:
أولا: البناء النفسي، وهو مهم جدا في عملية تطوير النضج الانفعالي والنضج النفسي عند الانسان، واستحصال كل عوامل الهدوء والسكينة واطمئنان النفس واستقرارها.
ثانيا: البناء الأخلاقي والسلوكي، من خلال التعامل مع الآخرين بالمداراة، والصدق وبقية الفضائل الأخلاقية.
ثالثا: البناء الاجتماعي من المدخلات الاساسية.
رابعا: صناعة النموذج، وهي من المدخلات التي ركَّز عليها الإمام الصادق (عليه السلام)، ويمكن أن نتأمل بها في قضية (وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم، وإياكم ومماظتهم) -والمماظة: شدة المخاصمة والمنازعة-، فالقصد بالمجاملة ليس التنازل بل أن تصنع نموذجا صالحا يهدي الآخرين، فالبداية تكون بالنموذج دائما، وغالبا ما يحدث الانحراف بانحراف النموذج.
أحيانا لا يمتلك الناس تلك القابليات والقدرات على أن يفهموا الكثير من الأمور، أما لضعف التعليم، أو عدم متابعة ذلك، لكن النموذج عندما يكون حاضرا عند الإنسان، سواء كان نموذج خير أو نموذج سوء، فنموذج الخير يقود إلى الخير، ونموذج السوء يقود نحو الشر، فالإنسان يتعلم من النموذج طريقه في الحياة.
برمجة الحديث الشريف
خامسا: البناء العلمي، وسوف نبحث هذه النقطة كأساس مهم، وقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): (من حفظ من شيعتنا أربعين حديثا بعثه الله عزوجل يوم القيامة عالما فقيها ولم يعذبه) وهذا الحديث يندرج في باب الأسباب والمسبّبات.
إن المعلومات الموجودة في ذهن الإنسان تؤثّر في حياته، وعندما يضل الإنسان الطريق، ويواجه الأزمات، فالسبب وجود مجموعة من المعلومات السيئة المبرمجة في مخّه وفكره تجعله يتخذ هذا الطريق دون ذاك بحسب ما موجود في افكاره.
فإذا حفظ حديثا واحدا، فإن هذا الحديث يغيّر حياته، ويبرمج تفكيره وسلوكه في الحياة، ويغيره نحو الأحسن، فكيف إذا حفظ خمسة أحاديث أو عشرة، وكيف إذا حفظ أربعين حديثا أو ألف حديث؟، هذه كلها عبارة عن برمجة للإنسان يتخذها كمعلومات تدخل في تفكيره، لذلك يكون عالما فقيها يوم القيامة، لأنه نجا. فالحديث الذي قرأه وحفظه وعمل به أنجاه في الدنيا وينجيه في الآخرة.
الوصول الى المخرجات
إن الإمام الصادق وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) يعطونا الإرشاد الى الواقع، فلابد من الاستقامة في هذا الطريق، لأن التطور الحقيقي للبشرية يتم من خلال التزامها بالأفكار الرشيدة، لكن تحت ظل الحكام الفاسدين الذين يفرضون على الناس أفكارا وأيديولوجيات استبدادية، فإن الناس سوف ينحرفون.
لذلك فإن المدخلات لها مخرجات مهمة، وهذه الرسالة تعطي مدخلات، وأول مدخلاتها هو:
أولا: ترسيخ المنهج العقائدي عند الإنسان، والاستقامة على العقيدة هي الأساس، لأنه عندما ينحرف الإنسان ينتهي ويموت، فالانحراف يؤدي إلى موت الإنسان نفسيا، ويؤدي به إلى الطغيان والشك القلق الشديد وهلاكه معنويا.
لذلك نلاحظ أن أغلب المنحرفين عقائديا يعيشون حالة من الاهتزاز النفسي والروحي، حيث لم يكن هناك عمل دائم نحو البناء النفسي، بحيث تعالج النكسة القوية فتكون قادرة على الاستقامة في الحياة ومواجهة التحديات والأزمات بحيث يبقى صامدا، لكن المدخلات التي ذكرها الإمام الصادق (عليه السلام) في رسالته ومنها، (فاسألوا الله ربكم العافية، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة، وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم). تؤدي إلى بناء النفس، وعندما يكون هناك بناء للنفس والمجتمع والأخلاق، فإن هذا يؤدي إلى ترسيخ المنهج العقائدي.
التحييد والاحتواء والاكتساب
ثانيا: تحييد النزاعات واحتواء الصراعات والحروب، من خلال اكتساب الآخر وتشجيعه نحو الهداية في الدين القويم، واحتوائه كي يكون صديقا إذا لم يتم اكتسابه، المهم أن يبقى صديقا، للدين وللعقيدة، أو تحييده أي يكون محايدا.
ثالثا: التماسك والتسالم والتسامح، من المهم جدا للإنسان أن يصل إلى حالة السلام والتسامح مع الآخرين، لأن هذا الأمر يؤدي إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
رابعا: النجاح الاجتماعي، حيث يكون المجتمع ناجحا، مترابطا متماسكا، ومنتجا، ويتحمل المسؤولية وتسوده خاصية الاحترام، وحالة النظام، وعدم وجود فوضى، هذا كله يشكل نجاحا اجتماعيا يتبعه نجاح في التعليم والصحة، وعدم وجود تفاوت طبقي في المجتمع، فهذه المدخلات تؤدي إلى النجاح الاجتماعي وإلى تقدم الأمة باستمرار إلى الأمام.
خطر فقدان المدخلات السليمة
لذلك عندما نفتقد هذه المدخلات، فإننا سوف نخسر المخرجات، وندخل في عالم الفشل والتخلف، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في رسالته نفسها: (هذا أدبنا أدب الله، فخذوا به وتفهموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم)، الأدب يعني التأديب والتربية الحسنة، فهذه رسالة تربوية عن الحياة، وهذا الأدب هو أدب الله سبحانه وتعالى وأدب أهل البيت (عليهم السلام)، ويأمر الإنسان بالفهم والتعقّل (ولا تنبذوه وراء ظهوركم).
وعندما ينبذ الإنسان هذا الأدب ويتركه خلف ظهره، سوف يكون فاشلا، متخلفا، يعيش في الأزمات، والصدامات، والصراعات.
ولكي أبيّن ما هو معنى المدخلات والمخرجات في هذه الرسالة، فإنني أذكر هذا المقطع من الرسالة: (وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله، وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته، فإنكم ان لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم)، هذا نموذج من المدخلات السلوكية والعلمية والفكرية التي يحتاجها الإنسان لكي يصل إلى المخرجات الصحيحة.
لذلك فإن هذه الرسالة عظيمة في عملية الوصول إلى الحياة الناجية، وأنا أذكر ذلك لأن الإمام (عليه السلام) ذكر ذلك في الرسالة وأسماها بـ (العصابة الناجية)، فالنجاة مهمة في حياة الإنسان، ونحن نطلب النجاة في الدنيا والآخرة، أما إذا بقينا نعيش حالة الغرق والجهل والخوف والقلق، فسوف تكون حياتنا تعيسة وبائسة.
استثمار الفراغ بين دولتين
لقد كان الظرف التاريخي في عصر الامام الصادق (عليه السلام) مساعدا جدا في عملية البناء العلمي، لأنه كان هناك فراغ بين دولتين، سقوط دولة وصعود دولة أخرى، فهذا الفراغ بالنتيجة وفّر مساحة من الحرية، وكل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عندما تتوفر لهم مساحة من الحرية، في ظل ظروف معينة، نلاحظ صعود التقدم والعلم والعمل والازدهار.
الإمام علي (عليه السلام) حقق في خمس سنوات -وهي فترة قصيرة- تأريخا في الحياة لم يستطع أحد أن يحققه في آلاف السنين، وهي فترة إعجازية تعبّر عن عظمة الأفكار الموجودة عند أهل البيت (عليهم السلام)، لأن هذه الأفكار واقعية، نحن مشكلتنا أننا نتصور أن الواقع بعيد عن الناس، أو أننا لا نستطيع أن نصل إلى الواقع، بينما الواقع قريب منّا، لكننا لا نسلكه.
الإمام الصادق (عليه السلام) استثمر هذه الفرصة، لأنه كان يعلم أن العلم منقذ للبشرية، ومنقذ للناس من أزماتهم، فالعلم إنقاذ، والعلم ليس ما ندرسه في الجامعات والحوزات فقط، بل العلم الأخلاقي، العلم العقائدي، العلم السلوكي، العلم النفسي، العلم الاجتماعي، العلم العام الذي يؤدي إلى بناء الإنسان، ونضجه وفهمه.
معنى التقدم الحقيقي
مع وجود العداء الشديد من قبل العباسيين الذين استغلوا اسم أهل البيت (عليهم السلام) ثم انقلبوا عليهم، وبدأوا بقتلهم، فكانوا أسوأ من الأمويين، في القتل والمطاردة، ولو فُسح المجال لأهل البيت (عليهم السلام) لحصلت البشرية على تقدّم هائل جدا، وما نعيشه اليوم من تقدم يشكل 1% من علوم أهل البيت (عليهم السلام).
المشكلة أننا نقيس التقدم العلمي بالتقدم المادي دائما، وفي رأيي تحسين أمور الإنسان المادية جيدة، وتحسين حياته جيدة ليستكشف آفاق الحياة، فهناك فرص كبيرة جدا في الحياة من الناحية المادية والطبيعية، لكن أهم نقطة في العلوم استكشاف نفس الإنسان، وبناء أخلاقه، وبناء نضجه الانفعالي والنفسي، وبناء علاقاته الاجتماعية، وتطوره النفسي والذاتي والعقلي.
التقدم نفسيا وذاتيا
هذا الأمر يقفز بالإنسان قفزة هائلة إلى الأمام، هذا هو التقدم الأهم، لأنه دائما كان العلماء والفلاسفة يناقشون قضايا مهمة مثل كيف يعيش الإنسان، وكيف يفكر، وكيف ينقذ نفسه، لكنهم كانوا يتخبّطون دائما، فيصلون إلى نتائج سيئة، لكن أهل البيت (عليهم السلام) وضعوا أمامنا التقدم الحقيقي للإنسان النفسي والذاتي.
إذا تقدم الإنسان نفسيا وذاتيا وأخلاقيا واجتماعيا لاستطاع أن يطوِّع كل العلوم الطبيعية تحت يده، ويسيطر عليها، علما أن تقدم الإنسان يكمن في اتباع المنهج القويم للأئمة (عليهم السلام) والخطب والرسائل واستثمارها بشكل صحيح، ليحدث التطور الداخلي والتنمية الذاتية والبرمجة الداخلية للفرد نفسه، فينعكس ذلك على الأسرة والمجتمع.
نهج الشيعة
سماحة المرجع آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) له كتاب رائع عنوانه (نهج الشيعة)، وفيه تأملات في رسالة الإمام الصادق (عليه السلام) لأصحابه، وقدمها خلال دروسه الأخلاقية إلى طلبة الحوزة العلمية، وأعطى بعض الأفكار والتدبّر في هذه الرسالة، وهو كتاب رائع فعلا، وأنصح بقراءته وتدريسه أيضا، سواء كان ذلك في الجامعات أو في الحوزات.
فهذه الرسالة مهمة لتغيير حياتنا، فالحياة من وجهة نظري ليست صعبة وإنما سهلة، الصعب فيها حين نتخلى عن الأشياء الجيدة فيها، ونذهب وراء الأشياء السيئة، فإذا أراد الإنسان أن يغيّر حياته لابد أن يغيّر نفسه من خلال التعلم الجيد، الحقيقي، والتربية الاجتماعية الصحيحة لنفسه، لكي يكون إنسانا صالحا كما قرأنا في الحديث سابقا (أدبنا هو أدب الله).
فالتربية على أدب الله مطلوبة، وأن نتعلم الرحمة والصدق والورع عن محارم الله، ونتعلم العفو والتسامح وكظم الغيظ والحلم، هذه كلها أخلاقيات جميلة تربي الإنسان وتجعله ناضجا، ولا يدخل في نزاعات مع أهله، أو مع عائلته، أو مع أقاربه، أو مع مجتمعه، هذه التربية تجعل الإنسان صالحا متسامحا متواصلا مع الآخرين.
مدارسة رسالة الامام الصادق (ع)
نحن نوالي أهل البيت (عليهم السلام) ونوالي الإمام الصادق (عليه السلام)، ولكن ايضا لابد ندرس تراثه ونتعلم منه، وأن ندرس كلماته في هذه الرسالة بعمق.
فعَنْ الإمام الصادق (عليه السلام) (أَنَّهُ كتب بهذه الرسالة الى اصحابه، وامرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها، وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها).
المدارسة تعني الدراسة الحثيثة والمكثفة والمستمرة، والنظر والتأمل والتعمّق، والتعاهد بمعنى الالتزام والانضباط، وتحويلها إلى مناهج عملية، لأن كل علم ليس فيه عمل يصبح كالرامي بلا وتَر، لذا أعتقد أن أهم قضية في حياتنا هي التربية الاستراتيجية التي لها مدخلات ومخرجات، وهذه المخرجات تصل بالإنسان إلى عاقبته، في موته وفي آخرته، أي منذ ولادته وحتى مماته.
فالتربية الاستراتيجية التي نستفيد فيها من نصائح أهل البيت (عليهم السلام)، سوف تحسّن حياتنا، وتصنع لنا حياة طيبة، حسنة، لذيذة، جيدة.
اضف تعليق