إنها لمناسبة سعيدة يبتهج بها كل مسلم يستذكر فيها مولد خاتم الانبياء والمرسلين، هذه الفرحة والبهجة المميزة تتكلل بالاعتقاد أن محمداً، صلى الله عليه وآله، لم يلد كأي مولود من الناحية التكوينية، فهو لم يحتاج لمراحل عمرية حتى ينضج عقله، ويعتدل سلوكه، وتكتمل شخصيته ورجولته ورشده...
"كنت نبياً وآدم بين الروح والطين"
رسول الله، صلى الله عليه وآله
إنها لمناسبة سعيدة يبتهج بها كل مسلم يستذكر فيها مولد خاتم الانبياء والمرسلين.
هذه الفرحة والبهجة المميزة تتكلل بالاعتقاد أن محمداً، صلى الله عليه وآله، لم يلد كأي مولود من الناحية التكوينية، فهو لم يحتاج لمراحل عمرية حتى ينضج عقله، ويعتدل سلوكه، وتكتمل شخصيته ورجولته ورشده، إنما هو على دراية كاملة بدوره الاستثنائي والعظيم المرسوم له من السماء.
نحن نحتفل بمولد نبيّ وليس مولد صبيّ، حمل معه كل خصال وصفات النبوة، من الأخلاق، والفضيلة، والحب للانسانية، وقبل كل هذا؛ العبودية لله الواحد الأحد، فقد كان ينظر بمزيد من الأسى والأسف على أفعال وتصرفات المجتمع المكّي، ويتألم في داخله على ما يعيشه من ظلام الجاهلية، ولعلنا لا نجانب الحقيقة اذا قلنا أنه، صلى الله عليه وآله وسلم، كان ينتظر على أحرّ من الجمر الساعة التي يكلفه الله –تعالى- وفق دستور وشريعة محددة ومتكاملة لانتشال مجتمعه من الربا الفاحش، و وأد البنات، واجبار الفتيات على ممارسة الدعارة، واستضعاف من ليس مال او سلاح او عشيرة، وكل اشكال الظلم والقسوة والطغيان.
هل للمسيحية دور في ظهور الإسلام؟! انه سؤال مثير للاستغراب، وربما الاستهجان لدى الكثير، بيد أن كتب السِيِر والتاريخ تنقل لنا روايات تشير الى هذه المحاولة المشبوهة، والأنكى منه؛ تعامل الكثير من الباحثين والمؤلفين مع هذه الروايات التي تنتقص من شخصية النبي الأكرم، وتجعله في مصاف الشخصيات السياسية الجالسة في البيت ثم تأتيه مكالمة هاتفية من تجمعه السياسي وتبشره فجأة بمنصب رفيع في الدولة، فتختلط لديه مشاعر الفرح بالصدمة فلا يدري يضحك أم يبكي؟!
فقد جاء في سيرة ابن هشام أن رهباناً لقوا أبي طالب لدى وصوله منطقة بُصرى في بلاد الشام في تجارة له، وهو مصطحباً ابن أخيه محمداً، وكان منهم بُحيرى الراهب، فقالوا له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قالوا: ما هو بابنك، وما ينبغي أن يكون له أب حيّ، قال: ولم ذاك؟ قالوا: إن فيه وجهه وجه نبي، وعينه عين نبي.
ونقلت مصادرنا عن الرهبان والاحبار حرصهم على النبي الأكرم، وهو صبيّ، من مغبّة انقضاض اليهود عليه لما جاء في كتبهم عن مواصفات نبي آخر الزمان، مع توقعهم بأن يكون من بني اسرائيل لامن غيرهم، بما يوهم الناس بأن رموز المسيحية لهم دور في ظهور الاسلام، واكتشاف نبوة النبي الأكرم، ربما قبل ان يشعر هو بذلك، مع جلّ احترامنا وإجلالنا للديانة المسيحية ولرموزها، ومعرفتهم بوجود خاتم الانبياء بينهم، يعود الفضل فيه الى النصوص الواردة في الانجيل التي تبين اسم ومواصفات النبي الخاتم، إنما المشكلة في حصر هذه المعرفة بالجانب المسيحي فقط، وأنهم أصحاب ثقافة ووعي ديني، فهم أصحاب نصيحة وحكمة لصالح نبي الإسلام.
وفي كتابه القيّم؛ سيرة المصطفى، للمرحوم السيد هاشم معروف الحسني، سلط الضوء على بعض المرويات المؤسطرة على يد من وصفهم بالكذب واختلاق الروايات المتعلقة بحياة النبي، لاسيما في مرحلة الطفولة، منها؛ نصيحة الرهبان لأبي طالب بإرجاع النبي الى مكة خوفاً عليه من مكائد اليهود، فأخذ أبو طالب بالنصيحة، وأرجعه مع أبي بكر وبلال الحبشي مع أنهما كانا أصغر منه سناً، إذ لم يكن لأبي بكر اكثر من عشر سنوات فيما كان بلال أصغر منه، ويتسائل السيد الحسني؛ كيف لأبو طالب، مع كل اهتمامه وحرصه البالغ على ابن اخيه أن يتركه مع صبيين يعودان به الى مكة في مسافة بعيدة بين الشام ومكة، وهو لم يأمن عليه أعمامه وكبار القوم في مكة نفسها؟
ويقول السيد الحسني: "وقد رجحت في كتابي "الموضوعات" أن أخبار الرحلات بما اشتملت عليه من الكرامات، كانت من صنع أعداء الاسلام الذين أرادوا ان يفتحوا ابواب التشكيك برسالة محمد ونبوته عن طريق هذه الرحلات المتتالية واجتماعه فيها بالاحبار والرهبان كبحيرا وأمثاله من ابطال تلك الاساطير"، وهو يشير الى حديث الغمامة التي كانت تظلل النبي، وينابيع المياه التي كانت تتفجر من تجت أرجله فيما كان ضمن قافلة اشتدّ بها العطش، ونبّه السيد الحسني الى أن من أبرز أبطال هذه الروايات هم؛ كعب الاحبار، وأباهريرة ممن لم يتورعوا عن إلصاق الاسرائيليات بسيرة النبي وبأحكام الاسلام.
علماً أن النبي، في جميع مراحل حياته أكرم عند الله –تعالى- من أن يثير فضول الرهبان والاحبار وغيرهم بمعاجز من هذا القبيل، والسؤال الكبير الذي يثور بوجه كل أولئك المؤسطرين، أن نبي الإسلام وهو في سن الاربعين، وقد بُعث نبياً، وقدم لهم كلام الله المجيد، وسلسلة من المعاجز والبراهين على نبوته، ثم واجه التكذيب والاتهام بالسحر من قبل سكان مكة، وايضاً من قبل الرهبان والاحبار، ولعل أبرز شاهد على هذا حديث المباهلة التي أوقفت هؤلاء الرهبان عند حدّهم، وأجبروا أمام أنوار النبي وأهل بيته على التراجع عن أمر المباهلة لئلا تقع عليهم اللعنة الإلهية وتنمحي المسيحية عن وجه الأرض الى الأبد.
يكفينا لنبوة نبينا الأكرم، شخصيته الفذّة في مرحلة شبابه في أوساط المجتمع المكّي، فثبت لهم رجاحة عقله، ودماثة خلقه، فقد اشترك في حلف الفضول وهو ابن العشرين سنة، وقد أثنى المؤرخون على هذا الحلف واصفين أن الغاية منه نصرة المظلوم والوقوف بوجه البغي والعدوان، ونقل عنه؛ صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما يسرّني به حُمر النعم ولو دُعيت لمثله لأجبت"، فهو يكشف للمسلمين فيما بعد أنه كان على استعداد للإسهام في أي نشاط او مشروع يحقق الأمن والاستقرار والسعادة للناس أجمعين، وهو حينذاك في مقتبل العمر، ليتعرف أهل مكة والجزيرة العربية بأسرها على صفات القائد المنقذ الذي تجتمع فيه صفات النبوة والقيادة، ولن يكون بحاجة الى من ينوب عنه لإيصال هذه الرسالة الى الناس.
اضف تعليق